بحـث
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تاريخ المغول المسلمين
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تاريخ المغول المسلمين
تاريخ المغول المسلمين
يتبع
يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عند ذكر التتار أو المغول جميع الصفات التي لا تمت للإنسانية بصلة، من وحشية وقسوة وإبادة وقضاء على الأخضر واليابس؛ وذلك لما بدر منهم في البداية، عندما اجتاحوا العالم الإسلامي بجيوشهم الجرارة حتى ظن الكثير من الناس في ذلك الوقت أن نهاية المسلمين قد بدأت، وأن الفناء في انتظارهم، وكتب الكثير من علماء المسلمين ومؤرخيهم يرثون العالم الإسلامي عاجزين عن الوصف والتعبير عما يحدثدخول-المغول-في-الإسلام
أصل المغوليعود أصلهم إلى صحراء غوبي بأطراف بلاد الصين الشمالية، وهم قبائل رعوية تعبد الأوثان والكواكب وتسجد للشمس عند شروقها، وتنتشر عندهم ديانة يطلق عليها الشامانية ويقدسون أرواح الأجداد ويقدمون القرابين للحيوانات المفترسة.
ويطلق لفظ التتار على قبائل المغول والترك والأويغور والسلاجقة وغيرهم من قاطنى هذه المناطق، فيعتبر لفظ التتار شاملاً لكل من قبائل المغول والترك اللذين سنتناولهما بشكل كبير في هذا الباب, وفي الباب الخاص بالدولة العثمانية، وقد شمل لفظ المغول أيضًا هذه القبائل؛ نظرًا لسيطرة جنكيز خان -الذي ينتمي لقبائل المغول- على القبائل الأخرى المحيطة به، بل أُطلِق لفظ الجنس المغولي ليشمل معظم قاطني قارة آسيا (الجنس الأصفر).
والسؤال الآن ما هو أثر المغول في تاريخ المسلمين غير القتل والإبادة؟ ماذا تعرف أخي المسلم عن المغول بعد تدميرهم لبغداد وهزيمتهم في عين جالوت؟
الإجابة -أخي المسلم- والتي تغيب عن أذهان الكثير من المسلمين هي أن المغول بدءوا يدخلون في الإسلام بعد خمسة وثلاثين عامًا من دخولهم ديار المسلمين, بل لم يمض نصف قرن على دخولهم ديار المسلمين إلا وأصبحت الغالبية العظمى منهم مسلمين وأعز الله بالكثير منهم الإسلام، وفتحوا الكثير من البلاد وثبتوا بها أقدام المسلمين لفترة كبيرة من الزمن، بل حارب الكثير منهم أبناء جلدته في سبيل الإسلام.
ومما كرس عند كثير من المسلمين الصورة الأولى للمغول والتتار الاجتياح التتري بقيادة تيمورلنك لبلاد المسلمين، وفي هذه المرة يتم الاجتياح والتتار معتنقون الإسلام, ويتبعون وسائل فاقت في بشاعتها ما فعله سابقوهم قبل أن يدخلوا في الإسلام.
ولا ننكر أن الكثير من المغول والتتار لم يتخلصوا من بعض الصفات المتأصلة في الآباء والأجداد حتى بعد دخولهم الإسلام، وأن الجانب العقيدي والدعوي الإسلامي لم يكن مثلما كان في عهد المسلمين الأوائل، ولكن يجب ألا نغفل عن إبراز إيجابياتهم في تاريخ المسلمين, وإسهامهم في زيادة الرقعة الإسلامية بشكل لم يسبق له مثيل, ولم يتكرر حتى الآن، وفي إدخال الإسلام إلى الكثير من البلاد التي لم يطأها المسلمون قبلهم, وتأثيرهم فيها برغم المحاولات المستمرة من أعداء الإسلام لإبادتهم والقضاء عليهم, والتي ذاقوا فيها الأمرين وما زالوا حتى الآن يعيشون آلامها, ولكنهم يتحملون ويتمسكون بدينهم, وحينما يعود المسلمون إلى رشدهم سيكون لهؤلاء المسلمين بالغ الأثر في إعادة بسط سلطان المسلمين على هذه البلاد وعلى العالم أجمع بإذن الله.
ونستطيع أن نقول أن المغول ورثوا ديار الإسلام من أقصى الشرق إلى حدود المنطقة العربية وحدود وسط أوربا.
ومن أسباب التعتيم الكبير على تاريخهم أنهم ذابوا في المجتمعات الإسلامية التي حكموها وأصبحوا من أهلها، كما أن دولتهم الكبيرة تفتتت إلى دول (خانات) كثيرة, وكانت الحروب بينها لا تنقطع, فلم يظهروا بعد إسلامهم كيدٍ واحدة وحتى عندما استطاع تيمورلنك أن يضم أجزاء كثيرة من بلاد المغول ما زادها إلا تفتتًا وتمزيقًا.
تقسيم دولة المغول الكبرىويطلق لفظ التتار على قبائل المغول والترك والأويغور والسلاجقة وغيرهم من قاطنى هذه المناطق، فيعتبر لفظ التتار شاملاً لكل من قبائل المغول والترك اللذين سنتناولهما بشكل كبير في هذا الباب, وفي الباب الخاص بالدولة العثمانية، وقد شمل لفظ المغول أيضًا هذه القبائل؛ نظرًا لسيطرة جنكيز خان -الذي ينتمي لقبائل المغول- على القبائل الأخرى المحيطة به، بل أُطلِق لفظ الجنس المغولي ليشمل معظم قاطني قارة آسيا (الجنس الأصفر).
والسؤال الآن ما هو أثر المغول في تاريخ المسلمين غير القتل والإبادة؟ ماذا تعرف أخي المسلم عن المغول بعد تدميرهم لبغداد وهزيمتهم في عين جالوت؟
الإجابة -أخي المسلم- والتي تغيب عن أذهان الكثير من المسلمين هي أن المغول بدءوا يدخلون في الإسلام بعد خمسة وثلاثين عامًا من دخولهم ديار المسلمين, بل لم يمض نصف قرن على دخولهم ديار المسلمين إلا وأصبحت الغالبية العظمى منهم مسلمين وأعز الله بالكثير منهم الإسلام، وفتحوا الكثير من البلاد وثبتوا بها أقدام المسلمين لفترة كبيرة من الزمن، بل حارب الكثير منهم أبناء جلدته في سبيل الإسلام.
ومما كرس عند كثير من المسلمين الصورة الأولى للمغول والتتار الاجتياح التتري بقيادة تيمورلنك لبلاد المسلمين، وفي هذه المرة يتم الاجتياح والتتار معتنقون الإسلام, ويتبعون وسائل فاقت في بشاعتها ما فعله سابقوهم قبل أن يدخلوا في الإسلام.
ولا ننكر أن الكثير من المغول والتتار لم يتخلصوا من بعض الصفات المتأصلة في الآباء والأجداد حتى بعد دخولهم الإسلام، وأن الجانب العقيدي والدعوي الإسلامي لم يكن مثلما كان في عهد المسلمين الأوائل، ولكن يجب ألا نغفل عن إبراز إيجابياتهم في تاريخ المسلمين, وإسهامهم في زيادة الرقعة الإسلامية بشكل لم يسبق له مثيل, ولم يتكرر حتى الآن، وفي إدخال الإسلام إلى الكثير من البلاد التي لم يطأها المسلمون قبلهم, وتأثيرهم فيها برغم المحاولات المستمرة من أعداء الإسلام لإبادتهم والقضاء عليهم, والتي ذاقوا فيها الأمرين وما زالوا حتى الآن يعيشون آلامها, ولكنهم يتحملون ويتمسكون بدينهم, وحينما يعود المسلمون إلى رشدهم سيكون لهؤلاء المسلمين بالغ الأثر في إعادة بسط سلطان المسلمين على هذه البلاد وعلى العالم أجمع بإذن الله.
ونستطيع أن نقول أن المغول ورثوا ديار الإسلام من أقصى الشرق إلى حدود المنطقة العربية وحدود وسط أوربا.
ومن أسباب التعتيم الكبير على تاريخهم أنهم ذابوا في المجتمعات الإسلامية التي حكموها وأصبحوا من أهلها، كما أن دولتهم الكبيرة تفتتت إلى دول (خانات) كثيرة, وكانت الحروب بينها لا تنقطع, فلم يظهروا بعد إسلامهم كيدٍ واحدة وحتى عندما استطاع تيمورلنك أن يضم أجزاء كثيرة من بلاد المغول ما زادها إلا تفتتًا وتمزيقًا.
احتل جنكيز خان جزءًا كبيرًا من المعمورة وقسم إمبراطوريته بين أبنائه من زوجته الأولى كما كان ينص تشريع المغول (اليساق) فأعطى ابنه الأكبر جوجي بلاد روسيا وخوارزم والقوقاز وبلغار (مدينة قازان الحالية في روسيا) وما يمكن ضمه من غرب المعمورة، وأعطى ابنه جغطاي بلاد الأويغور (ولاية كانسو في الصين حاليًا) والتركستان الغربية وبلاد ما وراء النهر، وأعطى ابنه تولوي خراسان وفارس وما يمكن ضمه من آسيا الصغرى وبلاد العرب، وأعطى ابنه أوغطاي بلاد المغول (منغوليا الحالية) والصين والخطا (تركستان الشرقية) وما يمكن ضمه من شرق المعمورة
وسنتناول في هذا الباب كل منطقة على حدة, ونتتبع تاريخها إلى ما آلت إليها الآن وسنضيف إليها فصلاً خاصًا بالهند نظرًا لأن المغول هم آخر من حكموا الهند من المسلمين, بل وبلغت الدولة الإسلامية في الهند أقصى اتساع لها في عهدهم, وبذلك سيكون ترتيب الفصول كالتالي:
الفصل الأول: منطقة شرقي أوربا وغربي سيبيريا.
الفصل الثاني: منطقة إيران.
الفصل الثالث: منطقة الصين ومنغوليا
الفصل الرابع: منطقة تركستان الغربية.
الفصل الخامس: منطقة الهند.
وقبل أن نبدأ في سرد الأحداث ننقل كلام نفيس للعلامة أبو الحسن الندوي حول معجزة انتشار الإسلام في التتار.
انتشار الإسلام في التتاروسنتناول في هذا الباب كل منطقة على حدة, ونتتبع تاريخها إلى ما آلت إليها الآن وسنضيف إليها فصلاً خاصًا بالهند نظرًا لأن المغول هم آخر من حكموا الهند من المسلمين, بل وبلغت الدولة الإسلامية في الهند أقصى اتساع لها في عهدهم, وبذلك سيكون ترتيب الفصول كالتالي:
الفصل الأول: منطقة شرقي أوربا وغربي سيبيريا.
الفصل الثاني: منطقة إيران.
الفصل الثالث: منطقة الصين ومنغوليا
الفصل الرابع: منطقة تركستان الغربية.
الفصل الخامس: منطقة الهند.
وقبل أن نبدأ في سرد الأحداث ننقل كلام نفيس للعلامة أبو الحسن الندوي حول معجزة انتشار الإسلام في التتار.
وقبل أن ينجرف العالم الإسلامي مع هذا السيل الجارف العنيد، وينطمس معالمه وملامحه، كما كان المشاهد الملموس عند ذوي البصيرة والخبرة من المؤرخين المسلمين في ذلك الحين، بدأت دعوة الإسلام تنتشر فجأة في هذا الشعب، ويتحقق على أيدي دعاة الإسلام ما لم يتحقق بالأسنة والرماح، وبطش السلاطين والملوك، وبدأ الإسلام يتسرب في نفوس أعدائه، ويأخذ بمجامع قلوبهم، إن خضوع هذا الشعب الذي قهر المسلمين أمام الإسلام من أغرب الوقائع والأحداث في التاريخ، فإن هجوم التتر على العالم الإسلامي كالجراد المنتشر، وإخضاع العالم الإسلامي كله، ليس من الغريب المدهش كما يبدو في الظاهر، فإن عالم الإسلام في القرن السابع كان بدوره مصابًا بتلك الأمراض والأسقام، التي تلحق الأمم عامة في أوج حضارتها وشوكتها، وبالعكس من التتر، ذلك الشعب القوى الأبي الذي نشأ على حياة البداوة، والهمجية والضراوة، ولكن الغريب المدهش أن هذا الشعب خضع للمسلمين. المفتوحين المقهورين، واعتنق دينهم في أوج قوته، وذروة سلطانه، ذلك الدين الذي فقد كثيرًا من سلطانه السياسي والمادي آنذاك،" وكان أتباعه موضع سخرية واحتقار في نظر التتار.
وقد أبدى توماس أرنولد استغرابه في هذا الصدد في كتابه المشهور Preaching of Islam "الدعوة إلى الإسلام" حيث قال: "… ولكن لم يكن بد من أن ينهض الإسلام من تحت أنقاض عظمته الأولى، وأطلال مجده الخالد، كما استطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين المتبربرين ويحملهم على اعتناقه، ويرجع الفضل في ذلك إلى نشاط الدعاة من المسلمين الذين كانوا يلاقون من الصعاب أشدها لمناهضة منافسين قويين، كانا يحاولان إحراز قصب السبق في ذلك المضمار، وليس هناك في تاريخ العالم نظير لذلك المشهد الغريب، وتلك المعركة الحامية التي قامت بين البوذية والمسيحية والإسلام، كل ديانة تنافس الأخرى، لتكسب قلوب أولئك الفاتحين القساة، الذين داسوا بأقدامهم رقاب أهل تلك الديانات العظيمة ذات الدعاة والمبشرين في جميع الأقطار والأقاليم…".
"… ويظهر أنه لم يكن من اليسير منافسة الإسلام في مستهل الحكم المغولي لغيره من الديانات القوية، كالبوذية والمسيحية كانت عملاً بعيد المنال؛ إذ إن المسلمين كانوا قد قاسوا أكثر من غيرهم من ذلك الاضطراب الذي صحب غارات المغول، وإن معظم هذه المدن التي كانت حتى ذلك الحين مجمع السلطة الدينية وكعبة العلم في الإسلام في القارة الآسيوية، قد أصبح معظمها أطلالاً دارسة، حتى أن الفقهاء وأئمة الدين الأتقياء، كان نصيبهم القتل أو الأسر، وكان من بين حكام المغول -الذين عرفوا عادة بتسامحهم نحو الأديان كافة-من يظهر الكراهية للدين الإسلامي على درجات متفاوتة، فقد أمر جنكيز خان بقتل كل من يذبح الحيوانات على النحو الذي قرره الإسلام، ثم سار على نهجه قوبيلائي، فعين مكافآت لكل من دل على من يذبح بهذه الطريقة، واضطهد المسلمين اضطهادًا عنيفًا دام سبع سنين، حتى أن كثيرًا من المعدمين وجدوا في سن ذلك القانون فرصة لجمع الثروة، واتهم الأرقاء مواليهم بهذه التهمة لكى يحصلوا على حريتهم، وقد عانى المسلمون أقسى ضروب العسف والشدة في عهد كيوك (1246- 1248م) الذي ألقى بزمام أمور الدولة إلى وزيريه المسيحيين، والذي امتلأ بلاطه بالرهبان من المسيحيين…".
"وقد اضطهد أرغون (1284 - 1291 م) رابع إيلخانات المغول في فارس، المسلمين في بلاده، وصرفهم عن كافة المناصب التي كانوا يشغلونها في القضاء والمالية، كما حرم عليهم الظهور في بلاطه، وعلى الرغم من جميع المصاعب، أذعن هؤلاء المغول والقبائل المتبربرة آخر الأمر لدين هذه الشعوب التي ساموها العسف وجعلوها في مواطئ أقدامهم…".
إن هذا الحدث مثار دهشة وعجب، ولكن استغرابنا يشتد، حينما لا نجد تفاصيله وافية في بطون التاريخ، إننا لا نكاد نعثر على أسماء هؤلاء الأعلام والأبطال الذين حققوا هذه المآثر، وأدخلوا هذا الشعب الهمجي في حظيرة الإسلام، مع أن هذه المآثر لا تقل أهمية عن أي مأثرة إسلامية في التاريخ، ولهم فضل لا ينكر لا على رقاب المسلمين فحسب، بل على الإنسانية كلها، إلى أن يأذن الله لها بالفناء, فإنهم أنقذوا العالم من دمار محتوم، ووضعوه تحت رعاية شعب يؤمن بالله وحده، ويدعو إلى دين محمد r.
وقد أبدى توماس أرنولد استغرابه في هذا الصدد في كتابه المشهور Preaching of Islam "الدعوة إلى الإسلام" حيث قال: "… ولكن لم يكن بد من أن ينهض الإسلام من تحت أنقاض عظمته الأولى، وأطلال مجده الخالد، كما استطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين المتبربرين ويحملهم على اعتناقه، ويرجع الفضل في ذلك إلى نشاط الدعاة من المسلمين الذين كانوا يلاقون من الصعاب أشدها لمناهضة منافسين قويين، كانا يحاولان إحراز قصب السبق في ذلك المضمار، وليس هناك في تاريخ العالم نظير لذلك المشهد الغريب، وتلك المعركة الحامية التي قامت بين البوذية والمسيحية والإسلام، كل ديانة تنافس الأخرى، لتكسب قلوب أولئك الفاتحين القساة، الذين داسوا بأقدامهم رقاب أهل تلك الديانات العظيمة ذات الدعاة والمبشرين في جميع الأقطار والأقاليم…".
"… ويظهر أنه لم يكن من اليسير منافسة الإسلام في مستهل الحكم المغولي لغيره من الديانات القوية، كالبوذية والمسيحية كانت عملاً بعيد المنال؛ إذ إن المسلمين كانوا قد قاسوا أكثر من غيرهم من ذلك الاضطراب الذي صحب غارات المغول، وإن معظم هذه المدن التي كانت حتى ذلك الحين مجمع السلطة الدينية وكعبة العلم في الإسلام في القارة الآسيوية، قد أصبح معظمها أطلالاً دارسة، حتى أن الفقهاء وأئمة الدين الأتقياء، كان نصيبهم القتل أو الأسر، وكان من بين حكام المغول -الذين عرفوا عادة بتسامحهم نحو الأديان كافة-من يظهر الكراهية للدين الإسلامي على درجات متفاوتة، فقد أمر جنكيز خان بقتل كل من يذبح الحيوانات على النحو الذي قرره الإسلام، ثم سار على نهجه قوبيلائي، فعين مكافآت لكل من دل على من يذبح بهذه الطريقة، واضطهد المسلمين اضطهادًا عنيفًا دام سبع سنين، حتى أن كثيرًا من المعدمين وجدوا في سن ذلك القانون فرصة لجمع الثروة، واتهم الأرقاء مواليهم بهذه التهمة لكى يحصلوا على حريتهم، وقد عانى المسلمون أقسى ضروب العسف والشدة في عهد كيوك (1246- 1248م) الذي ألقى بزمام أمور الدولة إلى وزيريه المسيحيين، والذي امتلأ بلاطه بالرهبان من المسيحيين…".
"وقد اضطهد أرغون (1284 - 1291 م) رابع إيلخانات المغول في فارس، المسلمين في بلاده، وصرفهم عن كافة المناصب التي كانوا يشغلونها في القضاء والمالية، كما حرم عليهم الظهور في بلاطه، وعلى الرغم من جميع المصاعب، أذعن هؤلاء المغول والقبائل المتبربرة آخر الأمر لدين هذه الشعوب التي ساموها العسف وجعلوها في مواطئ أقدامهم…".
إن هذا الحدث مثار دهشة وعجب، ولكن استغرابنا يشتد، حينما لا نجد تفاصيله وافية في بطون التاريخ، إننا لا نكاد نعثر على أسماء هؤلاء الأعلام والأبطال الذين حققوا هذه المآثر، وأدخلوا هذا الشعب الهمجي في حظيرة الإسلام، مع أن هذه المآثر لا تقل أهمية عن أي مأثرة إسلامية في التاريخ، ولهم فضل لا ينكر لا على رقاب المسلمين فحسب، بل على الإنسانية كلها، إلى أن يأذن الله لها بالفناء, فإنهم أنقذوا العالم من دمار محتوم، ووضعوه تحت رعاية شعب يؤمن بالله وحده، ويدعو إلى دين محمد r.
يتبع
تاريخ المغول المسلمين((قصة آسلام الايلخانيه الفرع الثاني لاسرة جنكيز خان))
إن دولة جنكيز خان توزعت بعد وفاته إلى أربعة فروع، وبدأ الإسلام ينتشر في هذه الفروع الأربعة، وأصبح التتر يعتنقون الإسلام بجهود الخاقان، حتى دخلوا في ظرف مائة سنة في دين الله، وقد سرد أرنولد عدة أحداث تلقي الضوء على هذا الباب، إنه يحكي قصة شيوع الإسلام في فرع جوجي خان الابن الأكبر لجنكيز خان، الذي كان يحكم على سيرا داردا، الجزء الغربي من الدولة، فيقول:
"وكان بركة خان (1256- 1267 م) أول من أسلم من أمراء المغول: وكان رئيسًا للقبيلة الذهبية في روسيا بين سنتي 1256 و1267 م (ومن الأهمية أن نلاحظ أن نجم الدين مختار الزاهدي وضع لبركة خان في سنة 1260هـ رسالة تؤيد بالبراهين رسالة النبي الدينية، وتدحض ما ذكره المنكرون لهذه الرسالة، وتمدُّنا بوصف للمناظرات التي قامت بين المسيحيين والمسلمين). وقد قيل في سبب إسلامه إنه تلاقى يومًا مع عير للتجار آتية من بخاري، ولما خلا بتاجرين منهم سألهما عن عقائد الإسلام، فشرحاها شرحًا مقنعًا انتهى به إلى اعتناق هذا الدين والإخلاص له وقد كاشف أصغر إخوته أول الأمر عن تغييره لدينه، واعتناقه الإسلام، وحبب إليه أن يحذو حذوه، ثم أعلن بعد ذلك اعتناقه لهذا الدين…".
"وقد دخل بركة خان في حلف مع ركن الدين الظاهر بيبرس (1260- 1277م) سلطان المماليك في مصر، الذي بدأ تلك العلاقات الوثيقة من جانبه، فقد احتفى بشرذمة من جند القبيلة الذهبية يبلغ عدها المائتين، ولما لاحظ هؤلاء الجند العداء المستحكم بين ملكهم وبين هولاكو فاتح بغداد، وهم الذين كانوا ينضوون تحت لوائه، فروا إلى سوريه، حيث يتيممون منها شطر مصر، وهناك استقبلوا بكل مظاهر الحفاوة والتكريم في بلاط بيبرس، الذي أقنعهم بصحة الدين الإسلامي واعتناقه، وكان بيبرس نفسه في حرب مع هولاكو، وقد هزمه بيبرس وأخرجه من سورية منذ أمد قريب، وقد أرسل بيبرس اثنين من المغول اللاجئين وغيرهم من الرسل يحملون كتابًا إلى بركة خان، وقد نقل هؤلاء عند عودتهم إلى مصر، أن لكل أمير وأميرة في بلاط بركة خان إمامًا ومؤذنًا خاصًّا، وأن الأطفال كانوا يحفظون القرآن في المدارس، وكان من أثر هذه العلاقات الودية التي قامت بين بيبرس وبركة خان، أن كثر الوافدون من رجال القبيلة الذهبية على مصر حيث اتخذوا الإسلام دينًا لهم".
إنه يحكي قصة انتشار الإسلام في الإيلخانية الفرع الثاني لأسرة جنكيز خان، ويقول:
"كان الإسلام أقل انتشارًا في بلاد الفرس حيث أسس هولاكو أسرة إيلخانات المغول، ولكي يقوى على صد هجمات بركة خان وسلطان مصر، تحالف هولاكو مع القوات المسيحية في الشرق كملك أرمينية والصليبيين وكانت زوجته المحببة إليه مسيحية، فعملت على استمالة زوجها نحو إخوانها في الدين، كما تزوج ابنه أباقاخان (1265- 1281م) من ابنة إمبراطور القسطنطينية، ومع أن أباقا نفسه لم يتخذ المسيحية دينًا له، امتلأ بلاطه بالقسيسين من المسيحيين، وأرسل السفراء إلى بعض أمراء أوربا، فكان يراسل القديس لويس ملك فرنسا، وشارل ملك صقلية، وجيمس ملك أرغونة يطلب إليهم التحالف معه على المسلمين.
كما أرسل لهذا الغرض -أيضًا- بعثًا من ستة عشر سفيرًا من المغول إلى مجمع ليون سنة 1274م، حيث دخل رئيس أولئك السفراء في المسيحية وعمد مع بعض رفاقه، وقد طمع المسيحيون، فعلقوا الآمال على اعتناق أباقا خان المسيحية، ولكن الأيام أظهرت أن تلك الآمال لم تكن إلا سرابًا خادعًا، وكان أخوه تكودار أحمد، الذي اعتلى العرش من بعده أول إيلخانات المغول الذين اعتقدوا الإسلام في فارس وقد شب على المسيحية؛ لأنه (كما يحدثنا بذلك كاتب مسيحي من معاصريه) "تعمد في صباه وتسمى باسم نقولا ولكنه دان بالإسلام عندما بلغ سن الرشد عن طريق اتصاله بالمسلمين الذين كان كَلِفًا بهم، وأصبح مسلمًا ديّنًا، ولما ارتد عن المسيحية، رغب في أن يسمى محمد خان، وبذل قصاراه في تحويل كافة التتار إلى دين محمد وعقائده، ولما أظهروا صلابة في الارتداد عن دينهم، لم يجرؤ على حملهم على اعتناق الإسلام، وإنما لجأ إلى ذلك عن طريق بذل العطايا والمنح وألقاب الشرف، حتى إن عددًا كبيرًا من التتار دخل في عهده في عقيدة المسلمين"، وقد بعث تكودار أحمد بنبأ إسلامه إلى سلطان المماليك في مصر.
وإن من يدرس تاريخ المغول؛ ليرتاح عندما يتحول فجأة من قراءة ما اقترفوه من الفظائع وما سفكوه من الدماء، إلى أسمى عواطف الإنسانية وحب الخير التي أعلنت عن نفسها في الوثيقة التاريخية التي كتبها تكودار أحمد إلى سلطان المماليك في مصر، والتي يدهش الإنسان لصدورها من مثل ذلك المغولي.
وقد أحفظ تكودار أحمد واضطهاده المسيحيين, المغول الذين كانوا شديدى الاتصال بهم برغم مخالفتهم في الدين، وشكوه إلى قوبيلائي خان، متهمين إياه بأنه خالف بذلك سنن أجداده، وقد قامت في وجهه ثورة على رأسها ابن أخيه أرغون الذي دبر قتله، ثم خلفه على العرش، وفي أثناء حكم أرغون (1284- 1291م) القصير، استرد المسيحيون مكانتهم من جديد، على حين لم يكن بدٌّ من أن يلقى المسلمون الاضطهاد، فصرفوا عن كافة المناصب التي كانوا يشغلونها في القضاء والمالية، وحرم عليهم الظهور في بلاطه.
وقد ظل خلفاء تكودار أحمد على وثنيتهم، حتى دخل غازان (1295- 1304م) سابع الإيلخانات وأعظمهم شأنا في الدين الإسلامي في سنة 1295م، وجعله دين الدولة الرسمي في فارس وفي عهد إيلخانات المغول الثلاثة الأخيرين الذين سبقوا غازان، أمل المسيحيون آمالاً كبارًا في تحويل الأسرة الحاكمة في فارس عن الدين الإسلامي، تلك الأسرة التي أظهرت نحوهم عطفًا شديدًا، وأسندت إليهم كثيرًا من مناصب الدولة الهامة، وكان بيدوخان سلف غازان، الذي كان رأس الفتنة في فارس، والذي جلس على العرش في سنة 1295م بضعة أشهر فقط، قد آثر الدين المسيحي وجهد في وضع العقبات في سبيل انتشار الإسلام بين المغول، فحرم على كل شخص أن يدعو لذلك الدين، أو أن ينشر عقائده بينهم.
وقد شب غازان على البوذية قبل اعتناقه الإسلام، وشيد عِدَّة معابد للبوذية في خراسان، وكان يسر كثيرًا بمصاحبة الكهنة الذين ينتمون إلى هذا الدين، والذين كانوا قد وفدوا إلى فارس في جماعات كبيرة منذ بسط المغول سلطانهم في هذه البلاد، ويظهر أن غازان كان بطبعه يميل إلى تقليب نظره في المسائل الدينية؛ لأنه درس عقائد الأديان المختلفة المنتشرة في زمانه.
وقد أيد رشيد الدين، وزيره العالم ومؤرخ عصره، بالبرهان صحة اعتقاده الإسلام, الذي أخذ على عاتقه المحافظة على شعائره في حماس وغيرة طوال عهده.
إن ابن كثير نفسه ذكر إسلام غازان في وقائع 694هـ بارتياح بالغ، ويبدو منه -ويؤيده في ذلك غيره من المؤرخين- أن الفضل في ذلك يرجع إلى الأمير التركي الصالح توزون، فإن ملك التتر أسلم بجهوده، كتب ابن كثير في وقائع 694هـ يقول: وفيها ملك التتار غازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان فأسلم، وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله, ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه، وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية, ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد، وظهرت السبح والهياكل مع التتار والحمد لله. يقول أرنولد: "إن أخاه أولجايتو الذي خلفه في سنة 1304م باسم محمد خدابنده كان على المسيحية -دين أمه- وعمد باسم نيقولا على أنه لم يلبث أن أسلم بعد موت أمه، وهو لا يزال شابًّا في مقتبل العمر، وذلك بتأثير زوجته، ويذكر ابن بطوطة أن سيرة ذلك الأمير كان لها أثر كبير في نفوس المغول، ومن ذلك العهد غدا الإسلام الدين السائد في دولة إيلخانات فارس".
الفرع الثالث من هذه الأسرة كان يحكم البلاد المتوسطة، وكان مؤسسها جغطائي بن جنكيز خان. يقول أرنولد: "وإن ما لدينا من المعلومات عن تقدم الإسلام وانتشاره في إمبراطورية المغول الوسطى، التي كانت من نصيب جغطائي لا يزال ضئيلاً، وكان كثير من أعقاب هذه الأسرة يستعينون في دولتهم بوزير من المسلمين, على الرغم من إنه لم يبد أي ميل إلى الإسلام وقد ضيق جغطائي على رعاياه من المسلمين بما سنه من القوانين الشديدة الحرج، التي ضيقت على شعائرهم الدينية، فيما يتعلق بذبح الحيوانات للطعام وفرائض الوضوء، ويذكر الجوزجاني أن جغطائي هذا كان ألد أعداء المسلمين من بين خانات المغول كافة، وقد بلغ من شدة عدائه لهذا الدين أنه لم يكن يرغب في أن ينطق أحد بكلمة مسلم في حضرته، اللهم إلا إذا أريد بها التحقير والحط من شأنها، وقد ربت أرغنة Orghana زوجة قراهولاكو حفيد جغطائي وخليفته، ابنها على الإسلام، وتقدم باسم مبارك شاه في سنة 1264 م، مطالبًا بعرش خاقانية جغطائي الذي كان مثار النزاع بين أمراء المغول، ولكن سرعان ما خلعه ابن عمه براق خان، ويظهر أنه لم يكن لإسلامه أي أثر بين المغول، فإننا لو رجعنا في الواقع إلى أسماء أبنائه لا نجد أحدًا منهم قد دخل في دين أبيه، وقد قيل إن براق خان نفسه "قد أدركته البركة بتلقيه نور العقيدة" قبل موته في سنة 1270م بأيام قليلة، وأنه تسمى باسم السلطان غياث الدين، إلا أنه دفن حسب طقوس المغول القديمة ولم يدفن وفق شعائر الدين الإسلامي، وأن من أسلموا في عهده ارتدوا إلى وثنيتهم الأولى، ولم يتم انتشار الإسلام بين المغول في مملكة جغطائي إلا في القرن التالي لإسلام مبارك خان ذلك على إثر إسلام طرما شيرين حوالي سنة 1326م، وقد ظل المغول الذين اقتفوا أثر زعيمهم متمسكين في هذه المرة بدينهم الجديد، وعلى الرغم من ذلك لم يتأصل الميل إلى الإسلام بعد في نفوس المغول, فإن بوزون الذي كان خان المغول في السنين العشر التالية (ولو أن صحة هذا التاريخ غير محققة) لم يلبث أن طرد طرما شيرين من العرش, واضطهد المسلمين.
على أننا لم نسمع عن ظهور أول ملك مسلم في كاشغر إلا بعد سنين قليلة, وكان ضعف أسرة جغطائي قد أتاح لهذه المملكة أن تستقل بحكم هذه البلاد, ويقول بعض المؤرخين إن إسلام تغلق تيمور خان (1347- 1363م) ملك كاشغر كان على يد رجل من أهل الورع والتقوى في مدينة بخارى، يقال له الشيخ جمال الدين, وكان معه جماعة من التجار، وكانوا قد اعتدوا على الأراضي التي خصصها ذلك الأمير للصيد، فأمر بأن توثق أيديهم وأرجلهم، وأن يمثلوا بين يديه، ثم سألهم في غضب: كيف جرؤوا على دخول هذه الأرض، فأجاب الشيخ بأنهم غرباء ولا يعلمون أنهم يجوسون أرضًا محرمة، ولما علم الأمير أنهم من الفرس قال: إن الكلب أغلى من أي فارسي، فأجاب الشيخ: "نعم! قد كنا أخس من الكلب وأبخس ثمنًا منه لو أننا لم ندن بالدين الحق".
ولما راع الأمير ذلك الجواب أمر بأن يقدم إليه ذلك الفارسي الجسور عند عودته من الصيد, ولما خلا به سأله ماذا يعني بهذه الكلمات وما ذلك الدين؟ فعرض عليه الشيخ قواعد الإسلام في غيرة وحماس انفطر لهما قلب الأمير, حتى كاد يذوب كما يذوب الشمع, وصور له الكفر بصورة مروعة اقتنع معها بضلال معتقداته وفسادها، وقال: "ولكني إذا اعتنقت الإسلام الآن فلن يكون من السهل أن أهدي رعاياي إلى الصراط المستقيم فلتمهلني قليلاً، فإذا ما آلت إليَّ مملكة أجدادي فعد إليَّ".
وذلك أن إمبراطورية جغطائي انقسمت في ذلك الوقت إلى إمارات صغيرة وظلت على ذلك سنين طويلة, حتى نجح تغلق تيمور في توحيد الإمبراطورية كلها تحت سلطانه, وجمع كلمتها كما كانت من قبل، وفي هذه الأثناء كان الشيخ جمال الدين قد عاد إلى بلده حيث مرض مرضًا شديدًا فلما أشرف إلى الوفاة قال لابن رشيد الدين: "سيصبح تغلق تيمور يومًا ما ملكًا عظيمًا، فلا تنس أن تذهب إليه وتقرئه مني السلام ولا تخش أن تذكره بوعده الذي قطعه لي". ولم يلبث رشيد الدين إلا سنين قليلة, حتى ذهب إلى معسكر الخان وكان قد استرد عرش امبراطورية آبائه تنفيذًا لوصية أبيه, ولكنه لم يستطيع أن يظفر بالمثول بين يدي الخان, برغم ما بذله من جهود وأخيرًا لجأ إلى هذه الحيلة الطريفة: ففي ذات يوم أخذ يؤذن في الصباح المبكر على مقربة من فسطاط الخان فأقلق ذلك الصوت نوم الخان, وأثار غضبه فأمر بإحضاره ومثوله بين يديه وهناك أدى رشيد الدين رسالة أبيه, ولم ينس تغلق تيمور وعده وقال: "حقًّا ما زلت أذكر ذلك منذ اعتليت عرش آبائي, ولكن الشخص الذي قطعت له ذلك الوعد لم يحضر من قبل، والآن فأنت على الرحب والسعه.." ثم أقر بالشهادتين وأصبح مسلمًا منذ ذلك الحين، "وأشرقت شمس الإسلام ومحت بنورها ظلام الكفر…".
ولكي ينشر هذا الدين بين رعاياه اتفق تغلق تيمور ورشيد الدين على أن يستقبل الملك الأمراء واحدًا بعد واحد، ويعرض عليهم الإسلام فمن قبله جوزي الجزاء الحسن، ومن أباه ذبح كما يذبح الوثنيون وعباد الأصنام.
أما الفرع الرابع الذي ينتمي إلى اجتائي خان والذي برز فيه من الملوك والفاتحين أمثال منجوخان، وقوبيلائي خان، والذي كان يحكم الجزء الشرقي من إمبراطورية التتر، فيقول فيه أرنولد: "ولا بد أن يكون هناك كثير من أنصار النبي قد انتشروا في طول إمبراطورية المغول وعرضها، مجاهدين في طي الخفاء لجذب الكفار إلى حظيرة الإسلام؛ ففي عهد اجتائي (1229- 1241م) نقرأ عن إسلام بوذي يدعى Kuguz وكان حاكمًا على بلاد الفرس من قبل المغول، وفي عهد تيمور خان (1223- 1228م) كان انندا حفيد قوبيلائي (1257 - 1294م) مسلمًا متحمسًا، كما دفع كثيرًا من أهل تانجوت إلى اعتناق هذا الدين، وعلى الرغم من استدعائه إلى بلاط تيمور وبذل الجهد في ارتداده إلى البوذية، أبى إلا التمسك بدينه الجديد، فألقى به في غياهب السجن، ولكنه لم يلبث أن أطلق سراحه بعد قليل خشية ثورة أهالي تانجوت الذين كانوا شديدي التعلق به".
وهكذا دخل هذا الشعب (الذي دوَّخ العالم الإسلامي كله وداس أطرافه بأقدامه ونعال خيوله، والذي لم تتماسك أمامه أي قوة) في دين الله الإسلام في بضع سنين، وبدت هذه الحقيقة مرة أخرى واضحة جلية أن الإسلام لا يزال يملك أكبر نفوذ ويتمتع بأغرب موهبة في تسخير الأرواح, وكسب الأنصار والأصدقاء. إن التتر لم يسلموا رسميًّا فحسب، بل برز فيهم عدد كبير من العلماء والفقهاء والمجاهدين والدعاة والربانيين وأهل الصدق واليقين، وأدوا دورهم الثمين في حماية حمى الإسلام في ظروف دقيقة ولحظات عصيبة من التاريخ.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:36 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((مغول القبيله الذهبيه))
مغول القبيلة الذهبية
هذا الجزء أقطعه جنكيز خان لابنه الأكبر جوجي، وشمل بلاد الروس وبلغار والقوقاز, وما يمكن ضمه من غرب المعمورة (شرقي أوربا وغربي سيبيريا) وأطلق على أسرة جوجي التي حكمت الجزء السابق ذكره أسرة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية، وقد وصى جنكيز خان لجوجي بوراثة منصب الخان الأعظم للمغول بعد وفاته, ولكن وافت جوجي المنية قبل أبيه فاختير أخوه أوغطاي لهذا المنصب, وخرج المنصب من عائلة جوجي، ولكن برغم ذلك كانت لأسرة جوجي مكانة خاصة عند المغول فكانت لهم ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول في حروبهم وهي نسبه توافق النسبة التي تصل إلى الخان الأعظم.
باتو:
ورث باتو الحكم بعد وفاة أبيه جوجي وفي قرارة نفسه حقد شديد على عمه أوغطاي، الذي اعتبره قد انتزع منصب الخانية العظمى من أسرة جوجي.
توسعات باتو:
جهز الخان الأعظم أوغطاى جيشًا بلغ 30.000 جندي تحت قيادة باتو، ويتضمن الجيش ثلاثة قادة هم كيوك بن أوغطاي ومانغو بن طولوى وبايدار بن جغطاي وكلهم تحت إمرة باتو، واستطاع هذا الجيش أن ينتصر على أمير بلغار (وهي التي تمثل الآن مدينة قازان في روسيا والأجزاء المحيطة بها وهاجر سكان هذه المنطقة إلى البلقان، واستوطنوا المنطقة التي يطلق عليها بلغاريا الآن)، وكانت قد استعصت على المغول من قبل, وعندما احتلوها واصلوا تقدمهم في شرق أوربا, فقضوا على دولة الخزر وواصلوا تقدمهم إلى بلاد الروس ودخلوا مدينة كييف (عاصمة أوكرانيا الآن) أعظم مدن الروس في ذلك الوقت, ودمروها تدميرًا, وتمكنوا أيضًا من دخول موسكو وأحرقوها, ثم انقسموا قسمين قسم بقيادة باتو سار إلى بلاد المجر وانتصر على جيشها وذبحه بالكامل, أما القسم الآخر فكان بقيادة بايدار واتجه إلى ألمانيا ولكنه انهزم ومات بايدار غمًّا، وبهذه الهزيمة توقف تقدم المغول في أوربا.
في ذلك الوقت توفي أوغطاي الخان الأعظم للمغول عام 644هـ وانتخب كيوك بن أوغطاي خانًا أعظم للمغول, وتوقفت الحروب في أوربا وهاجرت الكثير من قبائل المغول إلى منطقة حوض نهر الفولغا, واستقرت بها وبنيت مدينة سراي على نهر الفولغا لتكون عاصمة لمغول الشمال.
تأثر مغول الشمال بالإسلام:
كان للإسلام بالغ الأثر في نفوس أبناء جوجي, ويرجع ذلك لأن أباهم جوجي تزوج الأميرة رسالة بنت علاء الدين خوارزم شاه, التي وقعت في الأسر وهي أخت السلطان جلال الدين منكبرتي, فعاشت مع أسرة جوجي, وكان لها تأثير كبير في نفوس أبنائه باتو وبركة وغيرهما؛ لذلك كان باتو عطوفًا على المسلمين بالرغم من أنه لم يعتنق الإسلام.
زاد حقد باتو بعد تولي كيوك منصب الخان الأعظم، وقد كان كيوك من قبل تحت إمرته في الحروب مع أوربا, وقد تربى كيوك على يد نصراني عهد أوغطاي له بتربيته، وعندما تولى منصب الخان الأعظم أعلن اعتناق النصرانية وانتشر الكثير من الرهبان والقساوسة في بلاد المغول, وأخذوا يحرضون كيوك على باتو؛ لأنه يعطف على المسلمين فاشتعلت الخلافات بين باتو وكيوك حتى جهز كيوك جيشًا لمحاربة باتو، إلا أن كيوك توفي عام 646هـ قبل وصول الجيش لمنازلة باتو، فعمل باتو جاهدًا على نزع منصب الخان الأعظم من عائلة أوغطاي، وبمساعدة أخيه بركه نصب مانغو ابن تولوى خانًا أعظم؛ لينتقل منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي إلى أسرة تولوي عام 648هـ.
صرتق:
عندما مات باتو عام 650هـ تولى ابنه صرتق رئاسة مغول الشمال، ولم يستمر كثيرًا فقد توفي وكان أبناؤه صغارًا، فتولى عمه بركه خان المنصب.
بركه خان:
يعد أبو المعالي ناصر الدين بركة خان أول من أسلم من حكام المغول؛ ولذلك كان مغول الشمال سباقين في دخول الإسلام عن بقية الأسر المغولية, وقد أسلم عام 650هـ وهو عائد من قرة قورم, عاصمة دولة المغول الكبرى, فمر على بخاري والتقى بأحد العلماء فيها فأشهر إسلامه, وتولى حكم دولة مغول الشمال عام 653هـ, وبإسلامه دخل الكثير من مغول الشمال في الإسلام, وكان شديد الحب والحماسة للإسلام, فبايع الخليفة المستعصم في بغداد وأتم بناء مدينة سراي (مدينة سراتوف في روسيا الآن), عاصمة مغول الشمال وبنى بها المساجد وجعلها أكبر مدن العالم في ذلك الوقت.
العداء بين بركة وهولاكو وغيرته على المسلمين:
زين هولاكو لأخيه الخان الأعظم مانغو الهجوم على بغداد والسيطرة على ما بقي من بلاد المسلمين فرحب مانغو بالفكرة, وجهز جيشًا لتنفيذها وما إن وصل الخبر إلى بركة خان وكان ذلك في عهد باتو إلا والتهبت مشاعره, وألح على أخيه باتو في منع الهجوم على المسلمين, وقال له: (إننا نحن الذين أقمنا مانغو خانًا أعظم وما جازانا على ذلك, إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء في أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة, وهو صاحبي وبيني وبينه مكاتبات وعقود ومودة، وفي هذا ما لا يخفى من القبح والشناعة).
واقتنع باتو تمامًا بكلام أخيه فبعث باتو إلى هولاكو يكفه عما ينويه, فامتثل هولاكو لباتو، وأجل تنفيذ ما ينوى حتى مات باتو فسار هولاكو، واحتل قلاع فرقة الإسماعيلية الحشاشين الضالة, وأكمل طريقه إلى بغداد, في الوقت الذي تسلم بركة خان الحكم، فأراد بركة أن يوقف تقدم هولاكو إلا أن جنوده رفضوا معاونته؛ لأنهم بذلك يخالفون ما وافق عليه الخان الأعظم, ولأن أكثر الجنود ما زالوا على وثنيتهم, وما زالوا متأثرين بجانكيزخان فلم يجد بركة خان من طريقة لمحاربة هولاكو إلا باختلاق الذرائع للحرب فطالب بأعمال تبريز ومراغة، اللذين يدخلان ضمن حدوده, واعتبر تعدى جنود هولاكو عليها تعديا عليه، ومن جهة أخرى طالب هولاكو بثلث الغنائم كما جرت العادة في عهد باتو وبعث رسله بذلك إلى هولاكو, فاغتاظ هولاكو وقتل الرسل بل وسير جيشا لمحاربة بركة خان فانهزم جيش هولاكو شر هزيمة في عام 660هـ، ثم عاود الهجوم على بركة خان في نفس العام بقيادة قائده تاباى نويان، فانهزم جيش بركة بقيادة نوغاي, وأراد هولاكو أن يجهز على بركة خان فأرسل جيشًا كبيرًا يؤازر جيشه المنتصر بقيادة ابنه أباقا, فسار الجيش لملاقاة بركة خان فخرج لهم بركة خان بنفسه على رأس الجيش, واستطاع أن يلحق بجيش هولاكو هزيمة منكرة عام 661هـ في القوقاز، وفر ما بقي من جيش هولاكو مع ابنه أباقا.
التعاون مع المماليك:
كثرت المراسلات والاتصالات بين بيبرس وبركة خان؛ حيث حث بيبرس بركة خان على قتال هولاكو، ولفت نظره إلى أن الإسلام يوجب عليه قتال أعداء الدين حتى لو كانوا أهله وعشيرته، وبالفعل ساعد بركة خان بيبرس في قتال هولاكو، وفي نفس الوقت كان يحارب هولاكو مباشرة؛ ليخفف من وطأته على المماليك.
محاولات بركة خان لزعزعة وحدة المغول الوثنيين:
لم يكتف بركة خان بمناصرة المسلمين ومحاربة أبناء جلدته في سبيل الله بل عمل على إضعاف دولة المغول الوثنية وتفتيت كلمتها؛ لتتوفر له فرصة السيطرة عليها وإدخالها في الإسلام, فاستغل خروج الخان الأعظم مانغو لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخوه قبلاي, وكان قد ترك أخاه أرتق بوكا مكانه لحين عودته, فاستغل بركة خان موت مانغو في الطريق لإثارة الفتنة بين أرتق بوكا وقبلاي, حيث اتفق الجند والأمراء على تولية قبلاي بينما بعث بركة خان إلى أرتق بوكا قوة لمنازعة أخيه قبلاي على الخانية العظمى, وحرض أيضًا أسرة أوغطاي على مساعدة أرتق بوكا، ووقعت الحرب بينهما عام 658هـ، واستمرت عدة سنوات واضطر هولاكو لترك الحروب في الشام، وعاد إلى قرة قورم وتدخل لإنهاء الحرب فأنهاها ونصب أخاه قبلاي خانًا أعظم بعد أن أخضع أسرة أوغطاي، وفي ذلك الوقت حث بركة خان الكثير من جنود هولاكو في الشام على الانضمام إلى جيش بيبرس والدخول في الإسلام، وأطاعه الكثيرون وتحولوا لحرب هولاكو، فاشتد الغيظ والحقد في قلب هولاكو مما سببه بركة من متاعب حتى أصيب بالصرع ومات عام 663هـ، وورث أباقا ابن هولاكو الحقد على بركة خان، فسار لمحاربته إلا أن نوغاي قائد جيش بركة قد صد الهجوم، فعاود أباقا الكرة واستطاع أن ينتصر على جيش بركة وأصيب نوغاي في هذه المعركة بسهم في عينه وكان له مكانه خاصة عند بركة لإسلامه معه, فسار بركة خان بنفسه لقتال أباقا ولكنه توفى في الطريق عام 665هـ.
مانكو تيمر:
تولى مانكوتيمر بن طغان بن باتو الحكم بعد موت بركة خان؛ حيث لم يكن لبركة أبناء, واستمرت الحروب بينه وبين أباقا كان النصر فيها حليفا لأباقا وحدثت حروب بين مانكوتيمر وإمبراطور القسطنطينية خرب فيها مانكوتيمر بلاد الإمبراطور.
تدان مانكو:
خلف أخاه مانكوتيمر بعد موته عام 679هـ، وحدث قتال بينه وبين براق خان من أسرة جغطاي فانتصر تدان مانكو، ثم حدث الصلح بينهما، فحرض براق خان على قتال أباقا ووقعت بينهما الحروب.
وأعلن تدان مانكو إسلامه بعد مراسلاته مع السلطان المنصور قلاوون، فعمل على تطبيق الشريعة، ثم انصرف عن الحكم لمجالسة العلماء، وخلفه ابن أخيه تلابغا عام 686هـ لحكم مغول الشمال.
تلابغا:
وقع خلاف بين تلابغا والقائد نوغاي عندما سارا لحرب بعض أمم الشمال؛ حيث هلك كل من كان مع تلابغا في الطريق الذي سلكه، بينما لم يهلك أحد مع نوغاي في الطريق الآخر، فظن تلابغا أن نوغاي أراد هلاكه، فتنبه نوغاي لما ينوى تلابغا فبادر بالتخلص منه, وولى أخاه طقطاي حكم مغول الشمال عام 690هـ.
طقطاي:
نشب خلاف بين طقطاي ونوغاي، واستطاع طقطاي أن يقتل نوغاي، ثم ذهب لقتال ملك الدولة الإيلخانية غازان لمنازعته على أذربيجان ومراغة، ولكن غازان توفي قبل أن يلتقي بجيوشه مع طقطاي, ودخل في حرب مع سلطان ما وراء النهر (اسبنغا) عام 709هـ، وهزمه وتوفي طقطاي عام 712هـ.
غياث الدين محمد أوزبك:
وهو بن طغرلجا أخي طقطاي, الذي قتله طقطاي, واتفق مع كبك ملك بلاد ما وراء النهر من أسرة جغطاي على حرب أبي سعيد ملك الدولة الإيلخانية، ولكن هزيمة ييسور قائد جيوش كبك جعلت غياث الدين يتجنب مواجهة أبي سعيد، ومات محمد أوزبك عام 722هـ.
محمود جاني بك:
وهو ابن محمد أوزبك، ومما يذكر في عهده أنه تمكن من ضم أذربيجان، وتوفي عام 758هـ.
محمد بردي بك:
هو ابن محمود جاني اشتهر بالظلم، وقتل أكثر أقربائه؛ لكي لا ينازعه أحد في الحكم، وفرض الضرائب الباهظة والجزية على الروس، وتوفي عام 762هـ.
انتشار الفوضى وانقسام دولة مغول الشمال:
بالرغم من اتساع دولة مغول الشمال التي امتدت من أواسط بولندا في الغرب, إلى أواسط سيبيريا في الشرق, ومن المحيط المتجمد الشمالي في الشمال إلى أذربيجان في الجنوب، وكانت تتضمن عدة شعوب منهم التتر المسلمين في شرق أوربا وغرب سيبيريا, وحوض نهر الفولغا والروس النصارى في أجزائها الغربية, والترك في خوارزم والأذربيين في أذربيجان, وشعوب القوقاز وغيرهم، إلا أنه بموت محمود بردي بدأت الفوضى تعم البلاد؛ حيث كان ابنه توقتاميش صغيرًا وبدأت الانقسامات في الظهور فاستقل الحاج محمد خان بمنطقة سيبير، واستقل ماماي خان بالقرم بعد أن نصب عبد الله خان في مدينة سراي، واستقل الحاج شركس بمنطقة الحاج طرخان (استراخان)، وفر توقتاميش إلى سمرقند عند الجغطائيين، وكان تيمورلنك قد قوى أمره في ذلك الوقت، فرحب بتوقتاميش، وأعاد له ملكه، ولكن ما لبث أن اندلع الخلاف بينهما ونشب القتال عام 788هـ، وانتهت الحروب بانتصار تيمورلنك وسيطرته على بلاد مغول الشمال، واختفى توقتاميش، وكثرت الروايات عن مصيره.
وبعد أن سيطر تيمورلنك على بلاد مغول الشمال عين من قبله خانا عليها، واتجه لمواصلة حروبه في مناطق أخرى فأخذت البلاد في التدهور والانقسام, وتوالى على بلاد مغول الشمال العديد من الخانات ووقعت الحروب بين التتار والليتوانيين, فانتصر التتار وكذلك وقعت الحروب بين التتار والروس عام 811هـ, ثم اتفقا على حرب الليتوانيين, وظهرت عدة خانات في بلاد مغول الشمال, وهي قازان والقرم واستراخان وسيبير وخوارزم، وكلها انفصلت عن مدينة سراي، وأخذت تقاتل بعضها البعض, وانحاز فريق منها للروس وانحاز فريق آخر لليتوانيين وتكررت مأساة الأندلس في بلاد مغول الشمال, واستغل الروس التمزق الذي أصابها في ابتلاع الجزء تلو الأخر، حتى استولوا عليها بالكامل، وسنتناول هذه الخانات إلى ما آلت إليه الآن باستثناء خانية خوارزم فستدرج في الفصل الخاص بتركستان الغربية.
يتبع....
هذا الجزء أقطعه جنكيز خان لابنه الأكبر جوجي، وشمل بلاد الروس وبلغار والقوقاز, وما يمكن ضمه من غرب المعمورة (شرقي أوربا وغربي سيبيريا) وأطلق على أسرة جوجي التي حكمت الجزء السابق ذكره أسرة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية، وقد وصى جنكيز خان لجوجي بوراثة منصب الخان الأعظم للمغول بعد وفاته, ولكن وافت جوجي المنية قبل أبيه فاختير أخوه أوغطاي لهذا المنصب, وخرج المنصب من عائلة جوجي، ولكن برغم ذلك كانت لأسرة جوجي مكانة خاصة عند المغول فكانت لهم ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول في حروبهم وهي نسبه توافق النسبة التي تصل إلى الخان الأعظم.
باتو:
ورث باتو الحكم بعد وفاة أبيه جوجي وفي قرارة نفسه حقد شديد على عمه أوغطاي، الذي اعتبره قد انتزع منصب الخانية العظمى من أسرة جوجي.
توسعات باتو:
جهز الخان الأعظم أوغطاى جيشًا بلغ 30.000 جندي تحت قيادة باتو، ويتضمن الجيش ثلاثة قادة هم كيوك بن أوغطاي ومانغو بن طولوى وبايدار بن جغطاي وكلهم تحت إمرة باتو، واستطاع هذا الجيش أن ينتصر على أمير بلغار (وهي التي تمثل الآن مدينة قازان في روسيا والأجزاء المحيطة بها وهاجر سكان هذه المنطقة إلى البلقان، واستوطنوا المنطقة التي يطلق عليها بلغاريا الآن)، وكانت قد استعصت على المغول من قبل, وعندما احتلوها واصلوا تقدمهم في شرق أوربا, فقضوا على دولة الخزر وواصلوا تقدمهم إلى بلاد الروس ودخلوا مدينة كييف (عاصمة أوكرانيا الآن) أعظم مدن الروس في ذلك الوقت, ودمروها تدميرًا, وتمكنوا أيضًا من دخول موسكو وأحرقوها, ثم انقسموا قسمين قسم بقيادة باتو سار إلى بلاد المجر وانتصر على جيشها وذبحه بالكامل, أما القسم الآخر فكان بقيادة بايدار واتجه إلى ألمانيا ولكنه انهزم ومات بايدار غمًّا، وبهذه الهزيمة توقف تقدم المغول في أوربا.
في ذلك الوقت توفي أوغطاي الخان الأعظم للمغول عام 644هـ وانتخب كيوك بن أوغطاي خانًا أعظم للمغول, وتوقفت الحروب في أوربا وهاجرت الكثير من قبائل المغول إلى منطقة حوض نهر الفولغا, واستقرت بها وبنيت مدينة سراي على نهر الفولغا لتكون عاصمة لمغول الشمال.
تأثر مغول الشمال بالإسلام:
كان للإسلام بالغ الأثر في نفوس أبناء جوجي, ويرجع ذلك لأن أباهم جوجي تزوج الأميرة رسالة بنت علاء الدين خوارزم شاه, التي وقعت في الأسر وهي أخت السلطان جلال الدين منكبرتي, فعاشت مع أسرة جوجي, وكان لها تأثير كبير في نفوس أبنائه باتو وبركة وغيرهما؛ لذلك كان باتو عطوفًا على المسلمين بالرغم من أنه لم يعتنق الإسلام.
زاد حقد باتو بعد تولي كيوك منصب الخان الأعظم، وقد كان كيوك من قبل تحت إمرته في الحروب مع أوربا, وقد تربى كيوك على يد نصراني عهد أوغطاي له بتربيته، وعندما تولى منصب الخان الأعظم أعلن اعتناق النصرانية وانتشر الكثير من الرهبان والقساوسة في بلاد المغول, وأخذوا يحرضون كيوك على باتو؛ لأنه يعطف على المسلمين فاشتعلت الخلافات بين باتو وكيوك حتى جهز كيوك جيشًا لمحاربة باتو، إلا أن كيوك توفي عام 646هـ قبل وصول الجيش لمنازلة باتو، فعمل باتو جاهدًا على نزع منصب الخان الأعظم من عائلة أوغطاي، وبمساعدة أخيه بركه نصب مانغو ابن تولوى خانًا أعظم؛ لينتقل منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي إلى أسرة تولوي عام 648هـ.
صرتق:
عندما مات باتو عام 650هـ تولى ابنه صرتق رئاسة مغول الشمال، ولم يستمر كثيرًا فقد توفي وكان أبناؤه صغارًا، فتولى عمه بركه خان المنصب.
بركه خان:
يعد أبو المعالي ناصر الدين بركة خان أول من أسلم من حكام المغول؛ ولذلك كان مغول الشمال سباقين في دخول الإسلام عن بقية الأسر المغولية, وقد أسلم عام 650هـ وهو عائد من قرة قورم, عاصمة دولة المغول الكبرى, فمر على بخاري والتقى بأحد العلماء فيها فأشهر إسلامه, وتولى حكم دولة مغول الشمال عام 653هـ, وبإسلامه دخل الكثير من مغول الشمال في الإسلام, وكان شديد الحب والحماسة للإسلام, فبايع الخليفة المستعصم في بغداد وأتم بناء مدينة سراي (مدينة سراتوف في روسيا الآن), عاصمة مغول الشمال وبنى بها المساجد وجعلها أكبر مدن العالم في ذلك الوقت.
العداء بين بركة وهولاكو وغيرته على المسلمين:
زين هولاكو لأخيه الخان الأعظم مانغو الهجوم على بغداد والسيطرة على ما بقي من بلاد المسلمين فرحب مانغو بالفكرة, وجهز جيشًا لتنفيذها وما إن وصل الخبر إلى بركة خان وكان ذلك في عهد باتو إلا والتهبت مشاعره, وألح على أخيه باتو في منع الهجوم على المسلمين, وقال له: (إننا نحن الذين أقمنا مانغو خانًا أعظم وما جازانا على ذلك, إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء في أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة, وهو صاحبي وبيني وبينه مكاتبات وعقود ومودة، وفي هذا ما لا يخفى من القبح والشناعة).
واقتنع باتو تمامًا بكلام أخيه فبعث باتو إلى هولاكو يكفه عما ينويه, فامتثل هولاكو لباتو، وأجل تنفيذ ما ينوى حتى مات باتو فسار هولاكو، واحتل قلاع فرقة الإسماعيلية الحشاشين الضالة, وأكمل طريقه إلى بغداد, في الوقت الذي تسلم بركة خان الحكم، فأراد بركة أن يوقف تقدم هولاكو إلا أن جنوده رفضوا معاونته؛ لأنهم بذلك يخالفون ما وافق عليه الخان الأعظم, ولأن أكثر الجنود ما زالوا على وثنيتهم, وما زالوا متأثرين بجانكيزخان فلم يجد بركة خان من طريقة لمحاربة هولاكو إلا باختلاق الذرائع للحرب فطالب بأعمال تبريز ومراغة، اللذين يدخلان ضمن حدوده, واعتبر تعدى جنود هولاكو عليها تعديا عليه، ومن جهة أخرى طالب هولاكو بثلث الغنائم كما جرت العادة في عهد باتو وبعث رسله بذلك إلى هولاكو, فاغتاظ هولاكو وقتل الرسل بل وسير جيشا لمحاربة بركة خان فانهزم جيش هولاكو شر هزيمة في عام 660هـ، ثم عاود الهجوم على بركة خان في نفس العام بقيادة قائده تاباى نويان، فانهزم جيش بركة بقيادة نوغاي, وأراد هولاكو أن يجهز على بركة خان فأرسل جيشًا كبيرًا يؤازر جيشه المنتصر بقيادة ابنه أباقا, فسار الجيش لملاقاة بركة خان فخرج لهم بركة خان بنفسه على رأس الجيش, واستطاع أن يلحق بجيش هولاكو هزيمة منكرة عام 661هـ في القوقاز، وفر ما بقي من جيش هولاكو مع ابنه أباقا.
التعاون مع المماليك:
كثرت المراسلات والاتصالات بين بيبرس وبركة خان؛ حيث حث بيبرس بركة خان على قتال هولاكو، ولفت نظره إلى أن الإسلام يوجب عليه قتال أعداء الدين حتى لو كانوا أهله وعشيرته، وبالفعل ساعد بركة خان بيبرس في قتال هولاكو، وفي نفس الوقت كان يحارب هولاكو مباشرة؛ ليخفف من وطأته على المماليك.
محاولات بركة خان لزعزعة وحدة المغول الوثنيين:
لم يكتف بركة خان بمناصرة المسلمين ومحاربة أبناء جلدته في سبيل الله بل عمل على إضعاف دولة المغول الوثنية وتفتيت كلمتها؛ لتتوفر له فرصة السيطرة عليها وإدخالها في الإسلام, فاستغل خروج الخان الأعظم مانغو لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخوه قبلاي, وكان قد ترك أخاه أرتق بوكا مكانه لحين عودته, فاستغل بركة خان موت مانغو في الطريق لإثارة الفتنة بين أرتق بوكا وقبلاي, حيث اتفق الجند والأمراء على تولية قبلاي بينما بعث بركة خان إلى أرتق بوكا قوة لمنازعة أخيه قبلاي على الخانية العظمى, وحرض أيضًا أسرة أوغطاي على مساعدة أرتق بوكا، ووقعت الحرب بينهما عام 658هـ، واستمرت عدة سنوات واضطر هولاكو لترك الحروب في الشام، وعاد إلى قرة قورم وتدخل لإنهاء الحرب فأنهاها ونصب أخاه قبلاي خانًا أعظم بعد أن أخضع أسرة أوغطاي، وفي ذلك الوقت حث بركة خان الكثير من جنود هولاكو في الشام على الانضمام إلى جيش بيبرس والدخول في الإسلام، وأطاعه الكثيرون وتحولوا لحرب هولاكو، فاشتد الغيظ والحقد في قلب هولاكو مما سببه بركة من متاعب حتى أصيب بالصرع ومات عام 663هـ، وورث أباقا ابن هولاكو الحقد على بركة خان، فسار لمحاربته إلا أن نوغاي قائد جيش بركة قد صد الهجوم، فعاود أباقا الكرة واستطاع أن ينتصر على جيش بركة وأصيب نوغاي في هذه المعركة بسهم في عينه وكان له مكانه خاصة عند بركة لإسلامه معه, فسار بركة خان بنفسه لقتال أباقا ولكنه توفى في الطريق عام 665هـ.
مانكو تيمر:
تولى مانكوتيمر بن طغان بن باتو الحكم بعد موت بركة خان؛ حيث لم يكن لبركة أبناء, واستمرت الحروب بينه وبين أباقا كان النصر فيها حليفا لأباقا وحدثت حروب بين مانكوتيمر وإمبراطور القسطنطينية خرب فيها مانكوتيمر بلاد الإمبراطور.
تدان مانكو:
خلف أخاه مانكوتيمر بعد موته عام 679هـ، وحدث قتال بينه وبين براق خان من أسرة جغطاي فانتصر تدان مانكو، ثم حدث الصلح بينهما، فحرض براق خان على قتال أباقا ووقعت بينهما الحروب.
وأعلن تدان مانكو إسلامه بعد مراسلاته مع السلطان المنصور قلاوون، فعمل على تطبيق الشريعة، ثم انصرف عن الحكم لمجالسة العلماء، وخلفه ابن أخيه تلابغا عام 686هـ لحكم مغول الشمال.
تلابغا:
وقع خلاف بين تلابغا والقائد نوغاي عندما سارا لحرب بعض أمم الشمال؛ حيث هلك كل من كان مع تلابغا في الطريق الذي سلكه، بينما لم يهلك أحد مع نوغاي في الطريق الآخر، فظن تلابغا أن نوغاي أراد هلاكه، فتنبه نوغاي لما ينوى تلابغا فبادر بالتخلص منه, وولى أخاه طقطاي حكم مغول الشمال عام 690هـ.
طقطاي:
نشب خلاف بين طقطاي ونوغاي، واستطاع طقطاي أن يقتل نوغاي، ثم ذهب لقتال ملك الدولة الإيلخانية غازان لمنازعته على أذربيجان ومراغة، ولكن غازان توفي قبل أن يلتقي بجيوشه مع طقطاي, ودخل في حرب مع سلطان ما وراء النهر (اسبنغا) عام 709هـ، وهزمه وتوفي طقطاي عام 712هـ.
غياث الدين محمد أوزبك:
وهو بن طغرلجا أخي طقطاي, الذي قتله طقطاي, واتفق مع كبك ملك بلاد ما وراء النهر من أسرة جغطاي على حرب أبي سعيد ملك الدولة الإيلخانية، ولكن هزيمة ييسور قائد جيوش كبك جعلت غياث الدين يتجنب مواجهة أبي سعيد، ومات محمد أوزبك عام 722هـ.
محمود جاني بك:
وهو ابن محمد أوزبك، ومما يذكر في عهده أنه تمكن من ضم أذربيجان، وتوفي عام 758هـ.
محمد بردي بك:
هو ابن محمود جاني اشتهر بالظلم، وقتل أكثر أقربائه؛ لكي لا ينازعه أحد في الحكم، وفرض الضرائب الباهظة والجزية على الروس، وتوفي عام 762هـ.
انتشار الفوضى وانقسام دولة مغول الشمال:
بالرغم من اتساع دولة مغول الشمال التي امتدت من أواسط بولندا في الغرب, إلى أواسط سيبيريا في الشرق, ومن المحيط المتجمد الشمالي في الشمال إلى أذربيجان في الجنوب، وكانت تتضمن عدة شعوب منهم التتر المسلمين في شرق أوربا وغرب سيبيريا, وحوض نهر الفولغا والروس النصارى في أجزائها الغربية, والترك في خوارزم والأذربيين في أذربيجان, وشعوب القوقاز وغيرهم، إلا أنه بموت محمود بردي بدأت الفوضى تعم البلاد؛ حيث كان ابنه توقتاميش صغيرًا وبدأت الانقسامات في الظهور فاستقل الحاج محمد خان بمنطقة سيبير، واستقل ماماي خان بالقرم بعد أن نصب عبد الله خان في مدينة سراي، واستقل الحاج شركس بمنطقة الحاج طرخان (استراخان)، وفر توقتاميش إلى سمرقند عند الجغطائيين، وكان تيمورلنك قد قوى أمره في ذلك الوقت، فرحب بتوقتاميش، وأعاد له ملكه، ولكن ما لبث أن اندلع الخلاف بينهما ونشب القتال عام 788هـ، وانتهت الحروب بانتصار تيمورلنك وسيطرته على بلاد مغول الشمال، واختفى توقتاميش، وكثرت الروايات عن مصيره.
وبعد أن سيطر تيمورلنك على بلاد مغول الشمال عين من قبله خانا عليها، واتجه لمواصلة حروبه في مناطق أخرى فأخذت البلاد في التدهور والانقسام, وتوالى على بلاد مغول الشمال العديد من الخانات ووقعت الحروب بين التتار والليتوانيين, فانتصر التتار وكذلك وقعت الحروب بين التتار والروس عام 811هـ, ثم اتفقا على حرب الليتوانيين, وظهرت عدة خانات في بلاد مغول الشمال, وهي قازان والقرم واستراخان وسيبير وخوارزم، وكلها انفصلت عن مدينة سراي، وأخذت تقاتل بعضها البعض, وانحاز فريق منها للروس وانحاز فريق آخر لليتوانيين وتكررت مأساة الأندلس في بلاد مغول الشمال, واستغل الروس التمزق الذي أصابها في ابتلاع الجزء تلو الأخر، حتى استولوا عليها بالكامل، وسنتناول هذه الخانات إلى ما آلت إليه الآن باستثناء خانية خوارزم فستدرج في الفصل الخاص بتركستان الغربية.
يتبع....
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:33 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((تساقط خانات مغول الشمال))
تساقط خانات مغول الشمال
خانية قازان
محمد أوغلان خان:
قل ارتباط قازان بعاصمة مغول الشمال سراي بعد تيمورلنك وعندما وقع الخلاف بين أحد خانات سراي وهو محمد أوغلان وأخوه كجك محمد عام 841هـ استطاع كجك محمد أن يتربع على عرش سراي, في حين هرب محمد أوغلان إلى مدينة قازان وسيطر عليها وعلى المناطق المحيطة بها، واستقل بها عن سراي وكون خانية قازان، وبدأ توسعة ملكه منها.
حارب محمد أوغلان الروس, بسبب أنه التجأ إليهم عندما هرب من أخيه كجك محمد، ولكنهم تنكروا له بالرغم من حسن معاملته لهم عندما كان خانًا على سراي، فهجم على بلادهم عدة مرات, وكان يكتفي بالغنائم حتى جاء هجومه عليهم عام 850هـ، وحاصر فيه موسكو وأسر بطريقها، وفي أثناء حصاره لموسكو استغل أحد أمراء المغول من أبناء شوبان الفرصة، وسيطر على قازان، فاضطر محمد أوغلان أن يفك الحصار عن موسكو، ويعود إلى قازان،
واستطاع أن يستعيد السلطة فيها.
محمود خان:
أطلق محمد أوغلان سراح بطريق موسكو، فتسبب ذلك في الخلاف بين محمد أوغلان وابنه محمود فقتل محمد أوغلان, وسيطر ابنه محمود على الحكم عام 850هـ، ونتيجة لذلك فر إخوة محمود إلى موسكو، واستمر حكم محمود حتى توفي عام 872هـ.
إبراهيم خان:
وهو ابن محمود خان، وفي نفس الوقت تزوجت أمه من عمه قاسم الذي فر إلى موسكو، وأخذ يهاجم قازان بمساعدة الروس حتى توفي عام 873هـ، واستمرت الحروب بين الروس وقازان برغم محاولات أم إبراهيم في التوسط بين ابنها، وبين الأمير إيفان الثالث, حتى انسحب الروس إلى موسكو بعد أن خربوا أطراف قازان، وتوفي إبراهيم عام 883هـ.
الهام خان:
استمر حكمه عشر سنوات، وكان أخوه محمد أمين قد تشاكل معه، فذهب إلى الروس وأعانوه بقوة هجم بها على قازان عام 893هـ, وتمكن من السيطرة عليها وخلع أخاه الهام وجلس مكانه وأسر أخوه لدى الروس.
محمد أمين خان:
اتصل أهل قازان بماموق خان الشيباني في القوقاز ليولوه عليهم خانًا بعد أن كرهوا محمد أمين, فحاول ماموق أن يدخل قازان عام 902هـ فاستنجد محمد أمين بإيفان الثالث, فأعانه ففشل ماموق في دخول قازان، ولكنه عاود الكرة، واستطاع دخول قازان ثم هرب محمد أمين وأسرته إلى موسكو, ولم يستطع ماموق أن يكسب أهل قازان فاستغلوا خروجه للحرب, وأغلقوا أبواب المدينة في وجهه عند عودته, وراسلوا إيفان الثالث يطلبون تعيين عبد اللطيف أخي محمد أمين خانًا عليهم, فوافق إيفان ونصب فعلاً عبد اللطيف, ولكن محمد أمين استطاع أن يسترد قازان عام 908هـ وأرسل عبد اللطيف إلى موسكو أسيرًا، وفي ذلك الوقت قامت زوجة محمد أمين -وكانت من قبل زوجة أخيه الهام- بإثارة محمد أمين ضد الروس, فسار بجيش كبير من قازان وبلاد النوغاي (الأجزاء التي تتضمن أطراف الأورال مثل مدن أوفا وأورنبرغ) إلى بلاد الروس.
وهكذا كثرت الحروب بين الروس وقازان في أيام محمد أمين, وفي ذلك الوقت أطلق سراح عبد اللطيف أخو محمد أمين بوساطة منكلي كراي خان القرم, فعاد عبد اللطيف إلى قازان بعد أن أمنه أخوه, بل وجعله وليًّا للعهد في قازان، إلا أنه توفي قبل موت محمد أمين الذي مات عام 925هـ، ولم يكن هناك ولي للعهد، فعين الروس شيخ علي خانًا على قازان.
صاحب كراي:
اقترح محمد كراي خان القرم على موسكو تعيين أخيه صاحب كراي خانًا على قازان، فرفضت موسكو لخوفها من وحدة المسلمين, فاتفق محمد كراي مع أهل قازان على ذلك وأعانوه وخلعوا شيخ على ونصبوا صاحب كراي خانًا لقازان, وتوحدت قازان والقرم في حربها مع الروس، فأخذت موسكو ترسل جيوشها بقيادة شيخ على لمحاربة أهل قازان, وارتكبت هذه الجيوش أبشع الجرائم في أهل قازان في عامي 930هـ، 931هـ.
وعرض صاحب كراي خان القرم على الخليفة العثماني سليمان القانوني تبعية قازان للعثمانيين، فوافق الخليفة وأرسل إلى موسكو يخبرهم بذلك، فكان رد الروس أن إمارة قازان تتبعهم.
صفا كراي:
وسارعت روسيا بإرسال جيوشها إلى قازان حتى تسبق العثمانيين إليها في الوقت الذي ذهب صاحب كراي إلى العثمانيين للإتيان بقوة وترك مكانه لابن أخيه صفا كراي وحاول الروس احتلال قازان، ولكنهم فشلوا لما أبداه أهلها من مقاومة كبيرة ولكن أهل قازان قد أرهقتهم الحروب، فراسلوا روسيا يعرضون التبعية الاسمية لها، وتعيين خانًا من قبلها فعينت عليهم جان على عام 939هـ وترك صفا كراي البلاد متجهًا إلى القرم.
وكان القرم دائمي الهجوم على الروس لتخفيف وطأتهم على قازان وتوفي أمير موسكو واسيلي الرابع وتولى مكانه ابنه إيفان الرابع (الرهيب)، وقد أطلق عليه هذا اللقب لما ارتكبه من جرائم بشعة في المسلمين, فاقت كل الوصف. وفي عام 942هـ استطاع أمراء قازان قتل جان على المعين من قبل الروس, وراسلوا صفا كراي ليعود لحكم قازان، فعاد إليها وهاجم الروس في العام التالي، وتوفي صفا كراي عام 956هـ فأصبحت قازان بلا خان.
وبعد عدة مناوشات مع الروس عقدوا اتفاقًا معهم بعودة شيخ علي إلى حكم قازان, وأخرج أمراء القرم من قازان ومنهم بولك كراي بن صاحب كراي.
ثم قرر إيفان الرهيب حسم مشكلة قازان مستغلاًّ تحسن علاقاته مع ليتوانيا وإمارة استراخان, وبرغم دعم القرم لقازان ومراسلة الخليفة العثماني سليمان القانوني لخان النوغاي؛ لمساعدة قازان المسلمة ضد الروس أعداء المسلمين ووصول النوغاي فعلاً إلى قازان، وخلع شيخ علي وتنصيب محمد خان من قبلهم على قازان، إلا أن إيفان الرهيب سار مع الشيخ على هذا الخائن الذي لا تهمه إلا مصلحته الشخصية، واتجها إلى قازان واستطاعوا بعد مقاومة عنيفة من أهلها أن يدخلوها عام 959هـ، لتبتلعها روسيا وترتكب بها أبشع الجرائم والمنكرات التي سنتكلم عنها فيما بعد.
خانية استراخان (الحاج طرخان)
استقل الحاج شركس باستراخان عن سراي عام 762هـ واستطاع دخول سراي ولكنه ما لبث أن خرج منها بعد عدة أشهر، وعندما احتل تيمورلنك منطقة مغول الشمال نصب على سراي عاصمة بلاد مغول الشمال قويرجق خان، فخضعت له سراي وما إن توفي حتى تسلم تيمر قتلغ الأمر عام 802هـ ثم جاء من بعده براق خان وفي عهده تسلم محمد أوغلان خانية سراي.
انتقلت استراخان لتبعية القرم في عهد أحمد خان حاكم القرم ثم استقل بها حسين خان ثم عادت للقرم في عهد محمد كراي عام 930هـ.
خضعت استراخان إلى عبد الكريم بن أحمد خان من القرم، ثم ابن أخيه آقوبك ابن قاسم ثم عبد الرحمن خان عام 941هـ، ثم جاء النوغاي فاستولوا على استراخان وعينوا عليها درويش على خان، ثم حيدر خان بن أحمد خان في عام 948هـ ثم آق كداك خان حفيد أحمد خان ثم يمغورجي خان, حتى استولى عليها صاحب كراي عام 958هـ وأعاد درويش على خان, ثم استطاع يمغورجي أن يستعيد استراخان واتفق مع خان القرم وأمير النوغاي بدعم الدولة العثمانية، وعزم إيفان الرهيب الأمير الروسي على احتلال استراخان, ووافقه على ذلك أمير النوغاي مرزا يوسف, فتذرع إيفان للحرب مع استراخان بأن أمر يمغورجي أن يعيد درويش علي خان على استراخان، فرفض يمغورجي, فانقض إيفان على استراخان واستطاع أن يحتلها عام 962هـ بجيش تحت إمرة مرزا إسماعيل، ونصب درويش علي خانًا عليها، ثم عقد درويش علي مع روسيا اتفاقًا ينص على عدم تعيين خانًا من بعده على استراخان, أي تكون استراخان من بعده إمارة روسية, وحاول درويش على أن يتفق مع دولت كراي خان القرم على تعيين أحد أبنائه وليًّا للعهد على استراخان بعد موت درويش، فلما علمت روسيا بذلك استولت على استراخان عام 965هـ وضمتها إليها، وواصلت بشائعها مع التتار المسلمين.
خانية سيبيريا
ولى باتو بن جوجي أخاه شيبان على شرقي الأورال, فبنى مدينة سيبير وتأسست عام 640هـ إمارة سيبيريا التابعة لسراي عاصمة دولة مغول الشمال, وتوالى على حكم سيبيريا أبناء شيبان (الأسرة الشيبانية), وبعد عهد تيمورلنك انفصلت عن سراي مع انفصال الإمارات الأخرى, وتوالى على حكمها أبناء شيبان حتى عهد قوتشم خان الذي نقض العهد مع الروس, الذي ينص على التبعية لروسيا وتعاون مع النوغاى في حرب الروس, وشجع القوزاق على عصيانهم.
وفي هذا الوقت ظهر يرمق بن تيما واستطاع أن يجمع حوله بعض أشقياء القوزاق, وقام بعمليات سطو وتخريب في بلاد التتار, فتمكن من الاستيلاء على قلعة سيبير عام 1003هـ وباعها للروس, وفر قوتشم إلى بلاد الباشكير, وعاش بمدينة أوفا حتى مات وحاول ابنه علي خان وايشم خان أن يحررا بلادهما من الروس ولكنهما فشلا, وباستيلاء الروس على قازان واستراخان وسيبير واصلو تقدمهم في بلاد شرقي أورال، فاحتلوا بلاد النوغاي، وقضوا على أكثر خانات بني شيبان في سيبيريا.
خانية القرم
ماماي:
استقل ماماي صهر محمد بردي بالقرم عن سراي عام 762هـ, واستطاع تنصيب عبد الله بن محمد أوزبك خانًا على سراي بعد أن تمكن من السيطرة عليها، واضطر في حربه مع الروس أن ينسحب إلى مقره في القرم حتى جاء تيمورلنك، واحتل بلاد مغول الشمال وعين قويرجق خانًا على مغول الشمال.
حاجى كراي:
وفي عهد محمد أوغلان عام 839هـ عندما حدث الخلاف بينه وبين أخيه, اتجه بعض أبناء أوغلان إلى شبه جزيرة القرم, أمثال غياث الدين ودولت بردى وتربع حاجى كراي على حكم القرم حتى وفاته عام 871هـ.
منكلى كراي:
هو ابن حاجي كراي وفي عهده خرج عليه أخوه صدر، فاحتمى بالجنويين الذين كان لهم بعض المواقع على ساحل شبه جزيرة القرم في مدينة أكفا، وكان في ذلك الوقت السلطان محمد الفاتح يحارب الجنويين، واستطاع تطهير شبه جزيرة القرم منهم, ووقع منكلي كراي في يد السلطان محمد الفاتح فذهب به إلى إستانبول ثم أعاده خانًا على القرم وأصبحت القرم تحت حماية العثمانيين.
وكان العداء مستمرًّا بين القرم وسراي, فحدث خلاف بين منكلي كراي والروس, في حين اتحد أحمد خان سراي مع الليتوانيين, واستمرت الحروب بين الحلفين, وعندما تولى مرتضى بن أحمد خان الحكم في سراي، وواصل الحرب مع القرم وتمكن منكلي كراي عام 890هـ من الانتصار على سراي وأسر مرتضى خان، لكن أهل سراي تمكنوا من إحراز الانتصار على القرم في العام التالي وإطلاق سراح مرتضى خان.
استطاع منكلي كراي أن يحرز انتصارًا كبيرًا على الليتوانيين، وكادت تخضع له لولا تدخل أحمد خان أخي مرتضى خان، واستطاع منكلي كراي أن يقضي على مدينة سراي عام 907هـ؛ حيث تأخر الليتوانيون في دعم سراي فدخلها منكلى كراي ودمرها تدميرًا ومحاها من الخريطة.
بدأت العلاقات تتوتر مع روسيا عام 917هـ؛ حيث تحالف تتار القرم مع الليتوانيين في هجومهما على روسيا، ثم توفي منكلي كراي عام 919هـ.
خانية قازان
محمد أوغلان خان:
قل ارتباط قازان بعاصمة مغول الشمال سراي بعد تيمورلنك وعندما وقع الخلاف بين أحد خانات سراي وهو محمد أوغلان وأخوه كجك محمد عام 841هـ استطاع كجك محمد أن يتربع على عرش سراي, في حين هرب محمد أوغلان إلى مدينة قازان وسيطر عليها وعلى المناطق المحيطة بها، واستقل بها عن سراي وكون خانية قازان، وبدأ توسعة ملكه منها.
حارب محمد أوغلان الروس, بسبب أنه التجأ إليهم عندما هرب من أخيه كجك محمد، ولكنهم تنكروا له بالرغم من حسن معاملته لهم عندما كان خانًا على سراي، فهجم على بلادهم عدة مرات, وكان يكتفي بالغنائم حتى جاء هجومه عليهم عام 850هـ، وحاصر فيه موسكو وأسر بطريقها، وفي أثناء حصاره لموسكو استغل أحد أمراء المغول من أبناء شوبان الفرصة، وسيطر على قازان، فاضطر محمد أوغلان أن يفك الحصار عن موسكو، ويعود إلى قازان،
واستطاع أن يستعيد السلطة فيها.
محمود خان:
أطلق محمد أوغلان سراح بطريق موسكو، فتسبب ذلك في الخلاف بين محمد أوغلان وابنه محمود فقتل محمد أوغلان, وسيطر ابنه محمود على الحكم عام 850هـ، ونتيجة لذلك فر إخوة محمود إلى موسكو، واستمر حكم محمود حتى توفي عام 872هـ.
إبراهيم خان:
وهو ابن محمود خان، وفي نفس الوقت تزوجت أمه من عمه قاسم الذي فر إلى موسكو، وأخذ يهاجم قازان بمساعدة الروس حتى توفي عام 873هـ، واستمرت الحروب بين الروس وقازان برغم محاولات أم إبراهيم في التوسط بين ابنها، وبين الأمير إيفان الثالث, حتى انسحب الروس إلى موسكو بعد أن خربوا أطراف قازان، وتوفي إبراهيم عام 883هـ.
الهام خان:
استمر حكمه عشر سنوات، وكان أخوه محمد أمين قد تشاكل معه، فذهب إلى الروس وأعانوه بقوة هجم بها على قازان عام 893هـ, وتمكن من السيطرة عليها وخلع أخاه الهام وجلس مكانه وأسر أخوه لدى الروس.
محمد أمين خان:
اتصل أهل قازان بماموق خان الشيباني في القوقاز ليولوه عليهم خانًا بعد أن كرهوا محمد أمين, فحاول ماموق أن يدخل قازان عام 902هـ فاستنجد محمد أمين بإيفان الثالث, فأعانه ففشل ماموق في دخول قازان، ولكنه عاود الكرة، واستطاع دخول قازان ثم هرب محمد أمين وأسرته إلى موسكو, ولم يستطع ماموق أن يكسب أهل قازان فاستغلوا خروجه للحرب, وأغلقوا أبواب المدينة في وجهه عند عودته, وراسلوا إيفان الثالث يطلبون تعيين عبد اللطيف أخي محمد أمين خانًا عليهم, فوافق إيفان ونصب فعلاً عبد اللطيف, ولكن محمد أمين استطاع أن يسترد قازان عام 908هـ وأرسل عبد اللطيف إلى موسكو أسيرًا، وفي ذلك الوقت قامت زوجة محمد أمين -وكانت من قبل زوجة أخيه الهام- بإثارة محمد أمين ضد الروس, فسار بجيش كبير من قازان وبلاد النوغاي (الأجزاء التي تتضمن أطراف الأورال مثل مدن أوفا وأورنبرغ) إلى بلاد الروس.
وهكذا كثرت الحروب بين الروس وقازان في أيام محمد أمين, وفي ذلك الوقت أطلق سراح عبد اللطيف أخو محمد أمين بوساطة منكلي كراي خان القرم, فعاد عبد اللطيف إلى قازان بعد أن أمنه أخوه, بل وجعله وليًّا للعهد في قازان، إلا أنه توفي قبل موت محمد أمين الذي مات عام 925هـ، ولم يكن هناك ولي للعهد، فعين الروس شيخ علي خانًا على قازان.
صاحب كراي:
اقترح محمد كراي خان القرم على موسكو تعيين أخيه صاحب كراي خانًا على قازان، فرفضت موسكو لخوفها من وحدة المسلمين, فاتفق محمد كراي مع أهل قازان على ذلك وأعانوه وخلعوا شيخ على ونصبوا صاحب كراي خانًا لقازان, وتوحدت قازان والقرم في حربها مع الروس، فأخذت موسكو ترسل جيوشها بقيادة شيخ على لمحاربة أهل قازان, وارتكبت هذه الجيوش أبشع الجرائم في أهل قازان في عامي 930هـ، 931هـ.
وعرض صاحب كراي خان القرم على الخليفة العثماني سليمان القانوني تبعية قازان للعثمانيين، فوافق الخليفة وأرسل إلى موسكو يخبرهم بذلك، فكان رد الروس أن إمارة قازان تتبعهم.
صفا كراي:
وسارعت روسيا بإرسال جيوشها إلى قازان حتى تسبق العثمانيين إليها في الوقت الذي ذهب صاحب كراي إلى العثمانيين للإتيان بقوة وترك مكانه لابن أخيه صفا كراي وحاول الروس احتلال قازان، ولكنهم فشلوا لما أبداه أهلها من مقاومة كبيرة ولكن أهل قازان قد أرهقتهم الحروب، فراسلوا روسيا يعرضون التبعية الاسمية لها، وتعيين خانًا من قبلها فعينت عليهم جان على عام 939هـ وترك صفا كراي البلاد متجهًا إلى القرم.
وكان القرم دائمي الهجوم على الروس لتخفيف وطأتهم على قازان وتوفي أمير موسكو واسيلي الرابع وتولى مكانه ابنه إيفان الرابع (الرهيب)، وقد أطلق عليه هذا اللقب لما ارتكبه من جرائم بشعة في المسلمين, فاقت كل الوصف. وفي عام 942هـ استطاع أمراء قازان قتل جان على المعين من قبل الروس, وراسلوا صفا كراي ليعود لحكم قازان، فعاد إليها وهاجم الروس في العام التالي، وتوفي صفا كراي عام 956هـ فأصبحت قازان بلا خان.
وبعد عدة مناوشات مع الروس عقدوا اتفاقًا معهم بعودة شيخ علي إلى حكم قازان, وأخرج أمراء القرم من قازان ومنهم بولك كراي بن صاحب كراي.
ثم قرر إيفان الرهيب حسم مشكلة قازان مستغلاًّ تحسن علاقاته مع ليتوانيا وإمارة استراخان, وبرغم دعم القرم لقازان ومراسلة الخليفة العثماني سليمان القانوني لخان النوغاي؛ لمساعدة قازان المسلمة ضد الروس أعداء المسلمين ووصول النوغاي فعلاً إلى قازان، وخلع شيخ علي وتنصيب محمد خان من قبلهم على قازان، إلا أن إيفان الرهيب سار مع الشيخ على هذا الخائن الذي لا تهمه إلا مصلحته الشخصية، واتجها إلى قازان واستطاعوا بعد مقاومة عنيفة من أهلها أن يدخلوها عام 959هـ، لتبتلعها روسيا وترتكب بها أبشع الجرائم والمنكرات التي سنتكلم عنها فيما بعد.
خانية استراخان (الحاج طرخان)
استقل الحاج شركس باستراخان عن سراي عام 762هـ واستطاع دخول سراي ولكنه ما لبث أن خرج منها بعد عدة أشهر، وعندما احتل تيمورلنك منطقة مغول الشمال نصب على سراي عاصمة بلاد مغول الشمال قويرجق خان، فخضعت له سراي وما إن توفي حتى تسلم تيمر قتلغ الأمر عام 802هـ ثم جاء من بعده براق خان وفي عهده تسلم محمد أوغلان خانية سراي.
انتقلت استراخان لتبعية القرم في عهد أحمد خان حاكم القرم ثم استقل بها حسين خان ثم عادت للقرم في عهد محمد كراي عام 930هـ.
خضعت استراخان إلى عبد الكريم بن أحمد خان من القرم، ثم ابن أخيه آقوبك ابن قاسم ثم عبد الرحمن خان عام 941هـ، ثم جاء النوغاي فاستولوا على استراخان وعينوا عليها درويش على خان، ثم حيدر خان بن أحمد خان في عام 948هـ ثم آق كداك خان حفيد أحمد خان ثم يمغورجي خان, حتى استولى عليها صاحب كراي عام 958هـ وأعاد درويش على خان, ثم استطاع يمغورجي أن يستعيد استراخان واتفق مع خان القرم وأمير النوغاي بدعم الدولة العثمانية، وعزم إيفان الرهيب الأمير الروسي على احتلال استراخان, ووافقه على ذلك أمير النوغاي مرزا يوسف, فتذرع إيفان للحرب مع استراخان بأن أمر يمغورجي أن يعيد درويش علي خان على استراخان، فرفض يمغورجي, فانقض إيفان على استراخان واستطاع أن يحتلها عام 962هـ بجيش تحت إمرة مرزا إسماعيل، ونصب درويش علي خانًا عليها، ثم عقد درويش علي مع روسيا اتفاقًا ينص على عدم تعيين خانًا من بعده على استراخان, أي تكون استراخان من بعده إمارة روسية, وحاول درويش على أن يتفق مع دولت كراي خان القرم على تعيين أحد أبنائه وليًّا للعهد على استراخان بعد موت درويش، فلما علمت روسيا بذلك استولت على استراخان عام 965هـ وضمتها إليها، وواصلت بشائعها مع التتار المسلمين.
خانية سيبيريا
ولى باتو بن جوجي أخاه شيبان على شرقي الأورال, فبنى مدينة سيبير وتأسست عام 640هـ إمارة سيبيريا التابعة لسراي عاصمة دولة مغول الشمال, وتوالى على حكم سيبيريا أبناء شيبان (الأسرة الشيبانية), وبعد عهد تيمورلنك انفصلت عن سراي مع انفصال الإمارات الأخرى, وتوالى على حكمها أبناء شيبان حتى عهد قوتشم خان الذي نقض العهد مع الروس, الذي ينص على التبعية لروسيا وتعاون مع النوغاى في حرب الروس, وشجع القوزاق على عصيانهم.
وفي هذا الوقت ظهر يرمق بن تيما واستطاع أن يجمع حوله بعض أشقياء القوزاق, وقام بعمليات سطو وتخريب في بلاد التتار, فتمكن من الاستيلاء على قلعة سيبير عام 1003هـ وباعها للروس, وفر قوتشم إلى بلاد الباشكير, وعاش بمدينة أوفا حتى مات وحاول ابنه علي خان وايشم خان أن يحررا بلادهما من الروس ولكنهما فشلا, وباستيلاء الروس على قازان واستراخان وسيبير واصلو تقدمهم في بلاد شرقي أورال، فاحتلوا بلاد النوغاي، وقضوا على أكثر خانات بني شيبان في سيبيريا.
خانية القرم
ماماي:
استقل ماماي صهر محمد بردي بالقرم عن سراي عام 762هـ, واستطاع تنصيب عبد الله بن محمد أوزبك خانًا على سراي بعد أن تمكن من السيطرة عليها، واضطر في حربه مع الروس أن ينسحب إلى مقره في القرم حتى جاء تيمورلنك، واحتل بلاد مغول الشمال وعين قويرجق خانًا على مغول الشمال.
حاجى كراي:
وفي عهد محمد أوغلان عام 839هـ عندما حدث الخلاف بينه وبين أخيه, اتجه بعض أبناء أوغلان إلى شبه جزيرة القرم, أمثال غياث الدين ودولت بردى وتربع حاجى كراي على حكم القرم حتى وفاته عام 871هـ.
منكلى كراي:
هو ابن حاجي كراي وفي عهده خرج عليه أخوه صدر، فاحتمى بالجنويين الذين كان لهم بعض المواقع على ساحل شبه جزيرة القرم في مدينة أكفا، وكان في ذلك الوقت السلطان محمد الفاتح يحارب الجنويين، واستطاع تطهير شبه جزيرة القرم منهم, ووقع منكلي كراي في يد السلطان محمد الفاتح فذهب به إلى إستانبول ثم أعاده خانًا على القرم وأصبحت القرم تحت حماية العثمانيين.
وكان العداء مستمرًّا بين القرم وسراي, فحدث خلاف بين منكلي كراي والروس, في حين اتحد أحمد خان سراي مع الليتوانيين, واستمرت الحروب بين الحلفين, وعندما تولى مرتضى بن أحمد خان الحكم في سراي، وواصل الحرب مع القرم وتمكن منكلي كراي عام 890هـ من الانتصار على سراي وأسر مرتضى خان، لكن أهل سراي تمكنوا من إحراز الانتصار على القرم في العام التالي وإطلاق سراح مرتضى خان.
استطاع منكلي كراي أن يحرز انتصارًا كبيرًا على الليتوانيين، وكادت تخضع له لولا تدخل أحمد خان أخي مرتضى خان، واستطاع منكلي كراي أن يقضي على مدينة سراي عام 907هـ؛ حيث تأخر الليتوانيون في دعم سراي فدخلها منكلى كراي ودمرها تدميرًا ومحاها من الخريطة.
بدأت العلاقات تتوتر مع روسيا عام 917هـ؛ حيث تحالف تتار القرم مع الليتوانيين في هجومهما على روسيا، ثم توفي منكلي كراي عام 919هـ.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:37 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين ((قصة أل مغول في روسيا))
قصةال مغول المسلمين فى روسيا
محمد كراي:
تولى الحكم عام 921هـ بعد موت أبيه منكلي كراي، واستطاع أن يولي أخاه صاحب كراي على قازان، واستطاع أن يسيطر على استراخان فتوحدت هذه الإمارات في حرب الروس, ولكن هجوم الروس المتواصل على قازان قد جعل أهلها يطلبون الصلح من الروس, ولم يستطع تتار القرم تثبيت أرجلهم فيها وكان تتار القرم دائمي الحرب مع الروس، واستطاعوا دخول مدينة تولا على بعد 150 كم من موسكو وانتشروا في ولاية رزان حول تولا حتى استنجدت روسيا بالخليفة العثماني سليم الأول، فأرسل الخليفة يمنعه، وبرغم توضيح محمد كراي للخليفة عداوة روسيا الشديدة للإسلام والتنكيل بالمسلمين إلا أنه صمم على رأيه، وكذلك الخليفة العثماني سليمان القانوني وخاصة زوجته روكسلان الروسية التي كان لها تأثير كبير عليه؛ فلذلك لم تستمر الغارات على الروس وحارب محمد كراي أيضًا البولنديين.
سعادت كراي:
وعرف الغدر طريقه إلى محمد كراي عام 929هـ من قبل ولديه غازي وبابا اللذين قتلاه وتسلم غازي الخانية ولم يرض الخليفة العثماني عما حدث في القرم, فعين من قبله سعادت كراي أخا محمد كراي، وما إن استتب له الأمر في القرم حتى قبض على غازي وبابا وقتلهما.
إسلام كراي:
استولى إسلام كراي على الحكم في القرم عام 938هـ، فاتفق الخليفة العثماني مع إسلام كراي على جعل القرم ولاية عثمانية, وإسلام كراي هو الوالي عليها، ثم عاد صاحب كراي فساعده العثمانيون على السيطرة على الحكم في القرم وقتل ابن أخيه إسلام.
صاحب كراي:
اشتعلت الحروب مع الروس وخاصة وأن صاحب كراي كان خانًا على قازان، ثم رحل منها وترك مكانه صفا كراي بن أخيه واستطاع أن يضم استراخان عام 958هـ.
دولت كراي:
قتل صاحب كراي؛ لانشغاله بضم استراخان من قازان، ولكنه لم يستطيع تخليص قازان من أيدي الروس واستمر خانًا للقرم حتى عام 985هـ.
محمد كراي الثاني:
تباطأ محمد كراي في مساعدة عثمان باشا قائد الجيش العثماني في حروبه في القوقاز, فتحرك عثمان باشا في اتجاهه، ووعد أخاه إسلام كراي بجعله واليًا للقرم إذا ساعده، فقتل إسلام محمد وتسلم منصب الوالي، ومن وقتها أصبح تعيين ولاة القرم من قبل العثمانيين في إستانبول.
النفوذ الروسي في القرم:
استطاعت روسيا أن تجتذب إليها القوزاق نتيجة للمعاملة السيئة التي تعرضوا لها من الصدر الأعظم العثماني قرة مصطفى, وفي معاهدة أدرنه عام 1125هـ تخلصت روسيا من الجزية التي كانت تدفعها للقرم، واستطاعت احتلال ميناء آزوف ثم تدخلت في تعيين شاهين كراي واليًّا للقرم عام 1186هـ وبرغم تمكن دولت كراي الثالث من السيطرة على القرم عام 1189هـ، إلا أن روسيا أجبرت العثمانيين على إعطاء القرم الاستقلال في معاهدة كوجوك قينارجة, وأعادت شاهين كراي لحكم القرم واستطاعت أن تضم القرم عام 1197هـ، ولم تستطع الدولة العثمانية استعادة القرم من روسيا، وفي العصر الحديث أهدت روسيا القرم إلى جمهورية أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفيتي, وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي ما تزال القرم تتبع جمهورية أوكرانيا المستقلة.
استطاع الروس أن يبتلعوا أجزاء من بلاد المسلمين مثل مغول الشمال والقوقاز والتركستان، وبمجرد دخولهم لأي جزء منها وخاصة القريبة من موسكو كانوا يقومون بأبشع الجرائم للتنكيل بالمسلمين, والتي فاقت محاكم التفتيش في إسبانيا، وحاولوا باستمرار تطوير أساليبهم وقد اخترنا بعضًا من هذه الوسائل على سبيل المثال لا الحصر:
من هذه الوسائل:
1- مراسلة إسبانيا ليأخذوا منها خبرتها في التنكيل بمسلمي الأندلس.
2- القتل وهتك الأعراض وغيرها من وسائل التعذيب والإبادة.
3- التشريد والتهجير حتى هاجر الكثير من التتر المسلمين إلى الأمصار الإسلامية وأوربا وأمريكا, وما بقي منهم في الاتحاد السوفيتي تم توزيع الكثير منهم على أنحاء الاتحاد السوفيتي؛ حتى يكون المسلمون أقلية في أي مكان يعيشون فيه، بل وزجوا بالألوف من المسلمين في مجاهل سيبيريا حيث تصعب الحياة، فقضى على كثير منهم فيها، وكان الروس ينفون إلى سيبيريا شعوبًا بأكملها مثلما فعلوا مع تتار القرم والشيشان والباشكير وغيرهم.
4- توطين الروس في المناطق المسلمة للمساهمة في تقليل نسبة المسلمين الكاسحة فيها, ونزع ملكية أخصب الأراضي في تلك المناطق, وإعطائها للمستوطنين الروس, وهدم ديار الكثير من المسلمين فيها، وقد وطنوا شعوبًا أخرى غير مسلمة في مناطق المسلمين أيضًا، كما وطنوا الكثير من اليهود في القرم.
5- هدم الكثير من المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس وإسطبلات للخيول ومسارح وثكنات عسكرية، ودور للخمر, ومصادرة الأوقاف الإسلامية، وتحويل المدارس القرآنية والكتاتيب إلى دور لنشر المسيحية.
6- فرض الضرائب الباهظة على المسلمين, والعمل على خفض مستوى معيشتهم, وإجبارهم على الخدمة العسكرية, في حين كانت تعفى المرتد عن دينه, وكانوا قله قليلة جدًّا, إضافةً لمن يكتم إسلامه منهم.
7- الإجبار على التنصير واعتبار اعتناق أي دين غير الأرثوذكسية جريمة عقوبتها الإعدام, وإصدار قانون بذلك في عهد القياصرة؛ إيفان الرهيب وبطرس الأكبر, والإمبراطورة حنا, والقيصر اسكندر الثاني. وحتى القياصرة الذين كانوا يلغون هذا القانون, مثل الإمبراطورة كاترين الثانية, لم يفعلوا ذلك حبًا في الإسلام ولكن لخوفهم من العثمانيين الذين كانوا في حرب معهم, ولمحاولة كسب المسلمين ضد أعداء الروس لذلك اضطر الكثير من المسلمين إلى إظهار النصرانية لعدة قرون بينما قلوبهم مطمئنة بالإيمان, وكانوا يورثون الإسلام سرًّا إلى أبنائهم ثم إلى أحفادهم, حتى أعطيت الحرية الدينية الكاملة عام 1323هـ، وأظهر الكثير من التتار الذين أجبروا على النصرانية إسلامهم الذي كتموه لعدة قرون.
8- اختطاف أطفال المسلمين وفصلهم عن أهليهم، وتربيتهم في مدارس نصرانية.
9- عندما سيطر الشيوعيون على الحكم, وأعلنوا أن الأديان هي أفيون الشعوب, وعملوا على تحجيم الأنشطة الدينية بصفة عامة سواء للمسلمين أو النصارى أو اليهود أو البوذيين، بيد أنهم اختصوا المسلمين بالاضطهاد والبطش دون غيرهم.
وتمثل ذلك في الآتي:
أ- لم تفعل تجاه الأديان الأخرى شيئًا مقارنة بما فعلته بالمسلمين, ويرجع ذلك لأن أصحاب الفكر الشيوعي يهود, ويشترك معهم النصارى الذين يمثلون الحكام في السيطرة على الحزب الشيوعي، ومهما حاول أي مسلم الوصول إلى الحزب الشيوعي وأظهر إخلاصه لهم بخلوا عليه بالثقة ولو للحظة بل وفتكوا بالكثير منهم لمجرد الشك.
ب- منعوا المسلمين من أداء فريضة الحج ومنعوا الزكاة وأعمال الخير، وأجبروا المسلمات على السفور، وزادوا من ساعات العمل في رمضان ليشقوا على المسلمين، وأرهبوا المسلمين إذا ما أدوا الصلاة في المسجد.
ج- العمل على تمكين (جمعية نشر المعلومات السياسية) من تحقيق أهدافها والتي تقوم بحملات دعاية ضد الإسلام، وإصدار الكتب بكل اللغات الموجودة في الاتحاد السوفيتي التي تتضمن الاستهزاء والسخرية بالإسلام، وإلصاقه بالتخلف والتأخر للتأثير على المسلمين.
د- فرض اللغة الروسية على السكان وكتابة لغاتهم بحروف أجنبية.
هـ- الحرص على التعليم المختلط لما فيه من فساد للأخلاق وإثارة للشهوات.
و- الإبادة المستمرة لأي صوت معارض، وذكر أنه في عهد ستالين أبيد من المسلمين ما يقارب 11 مليون مسلم, واتهمت الكثير من الشعوب المسلمة بالخيانة في الحرب العالمية الثانية، ونفيت إلى مجاهل سيبيريا.
ز- تعطى الإحصائيات الروسية باستمرار نسبًا وأعدادًا قليلة للمسلمين لتثبيط هممهم وإشعارهم بأنهم أقلية ضعيفة يجب أن تستسلم للأمر الواقع وتخضع للروس؛ لأن أي محاولة من جانبهم لن يكون لها تأثير، ولن تؤدي إلا للإجهاز عليهم، وفي حين أن أعداد المسلمين أكثر بكثير مما تعطيه الإحصائيات الروسية حيث يزيدون على عشرين مليون مسلم, وتزايدهم يفوق تزايد الروس والشعوب غير المسلمة الأخرى.
ح- تفتيت وحدة المسلمين, وتقسيم بلادهم إلى وحدات صغيرة, وتقوية النزعة القومية فيهم, وإثارة المشاكل بينهم ودمجهم في المجتمع الروسي ليسهل السيطرة عليهم, ولتصعب عليهم أي محاولة للاستقلال.
والتقسيم السياسي في روسيا أثناء فترة الاتحاد السوفيتي بالغ التعقيد حيث يضم ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول: وهو الجمهوريات الاتحادية وهم 15 جمهورية تكون باتحادها الاتحاد السوفيتي الذي يدار من موسكو, وكان من ضمنها جمهوريات التركستان وجمهورية أذربيجان ذوو الأغلبية المسلمة.
وتتضمن هذه الجمهوريات الاتحادية الخمسة عشر جمهوريات أخرى ذات استقلال ذاتي, وهو استقلال اسمي فقط؛ لخداع شعوبها وإيهامهم بأن لهم شخصية ظاهرة وهذا هو المستوى الثاني في التقسيم السياسي.
أما المستوى الثالث: فهو مقاطعات ذات استقلال ذاتي وهو كذلك يعتبر اسميًّا فقط بينما في الحقيقة لا يمت للاستقلال بصلة، وقد تتبع هذه المقاطعات الجمهوريات ذات الاستقلال الذاتي أو تتبع مباشرة الجمهورية الاتحادية.
وقد أدرجت معظم بلاد مغول الشمال والقوقاز ضمن المقاطعات والجمهوريات ذات الاستقلال الذاتي, التي تخضع لجمهورية روسيا الاتحادية, أما القرم فخضعت لجمهورية أوكرانيا الاتحادية.
وعندما انحل الاتحاد السوفيتي عام 1411هـ استطاعت الجمهوريات الاتحادية المسلمة أن تستقل عن روسيا وهي: أذربيجان, قازاكستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، طاجكستان، تركمانستان, بينما لم تستطع الجمهوريات والمقاطعات ذات الاستقلال الذاتي التابعة لروسيا وأوكرانيا أن تستقل عنهما.
وتبين الخريطة أهم الجمهوريات والمقاطعات الإسلامية ذات الاستقلال الذاتي في روسيا الاتحادية؛ وهي: جمهورية باشكيريا وعاصمتها سترليتاماك, وجمهورية تتاريا (تترستان) وعاصمتها قازان, وجمهورية جوفاشيا وعاصمتها شبوقساري, وجمهورية موردوف وعاصمتها سارانسك, وجمهورية ماريا وعاصمتها يوشكاريولا, وجمهورية أدمورت وعاصمتها آيجفسك, ومقاطعة أورنبرغ وعاصمتها مدينة أورنبرغ.
مقاومة المسلمين:
برغم كل هذه الجهود المضنية لتنصير المسلمين وإبادتهم إلا أن المسلمين تحملوا وتمسكوا بدينهم, وكانوا أقوياء في صبرهم كما كانوا أقوياء في حروبهم، وكان للمسلمين التتر النصيب الأكبر من البطش والظلم الروسي, وذلك لقرب بلادهم من موسكو, ولكن بالرغم من ذلك عملوا على نشر الإسلام في روسيا فدخلت الكثير من القبائل الوثنية في الإسلام, وكان التتر يستغلون الفرصة عندما يخفف عنهم الروس من وطأتهم, كما حدث في عهد الإمبراطورة كاترينا الثانية عندما أعطت لهم الحرية الدينية، فعكفوا على نشر دينهم وأظهروا إسلامهم الذي أخفوه في عهد من سبقها من القياصرة, وبمجرد انتهاء عهد كاترينا جاء لحكم روسيا قياصرة أشد بطشًا بالمسلمين ممن سبقوهم, فعاد المسلمون إلى إخفاء إسلامهم, وترسخ لديهم الكره الشديد للروس، حتى ارتبط الإسلام عندهم ارتباطًا عصبيًّا بجنسهم فتلازم لفظ تتري مع لفظ مسلم لشدة ما فعله الروس بهم.
وفي الحرب العالمية الأولى حاول المسلمون الانضمام لكل قوة تناهض النظام الحاكم في روسيا, ولكن -للأسف الشديد- كلما تعاونوا مع أي حركة تبدي في البداية الوعود لهم ثم تنقضها بمجرد الوصول للحكم, وتواصل التنكيل بهم بصورة أشد, وبرغم ذلك كان المسلمون على درجة كبيرة من السذاجة, ولم يتعلموا من الدروس السابقة ومن أمثلة ذلك تأييدهم للحزب الدستوري الديمقراطي فغدر بهم، ثم اتجهوا إلى الحزب الاشتراكي الثوري فنكلوا بهم، وهكذا.
وعندما جاءت الثورة البلشفية عام 1336هـ ووعدت المسلمين باحترام دينهم وثقافتهم ورفع الظلم الذي عانوه في عهد القياصرة إذا ما نصروا الثورة، واستمر المسلمون في سذاجتهم ونصروا الثورة وما إن استتب الأمر للشيوعيين حتى أذاقوا المسلمين الأمرين, ومارسوا ضدهم سياسة عدوانية رهيبة. وقد جرت محاولات أخرى للمسلمين تعبر عن مقاومتهم تمثلت في تأسيس الجمعيات والهيئات السياسية الخاصة بهم وقد قضى الشيوعيون على أغلبها وما بقى منها اشترك الشيوعيون في الإشراف عليه.
محاولات الاستقلال:
حاول المسلمون التتر الاستقلال عن روسيا، ونظموا وحدات عسكرية لهم تسيطر عليها منظمة (حربي شوري) وأعلنوا في عام 1336هـ قيام جمهورية مستقلة باسم ايديل أورال تشمل منطقتي باشكيريا وتترستان, ولكن جاءتها قوة روسية قضت عليها, وكان قد سبقهم تتار القرم بانتخاب لجنة مسلمة لتكون نواة حكومة إسلامية وطنية, ولكنها لم تستمر أكثر من ثلاثة شهور, فقد جاءتها أيضًا قوة روسية قضت عليها.
وقد أعاد تتار القرم المحاولة أيام الحرب العالمية الثانية, فتعاونوا مع الألمان واستسلموا لهجومهم الكاسح, وظنوا أن الألمان سيحفظون لهم هذا الجميل, ولكن الألمان أمروا الفرقة التترية المستسلمة لهم بالسير 150 كم حفاة, فهلك منهم الكثير في الطريق, ثم أودع من تبقى منهم في أحد السجون ثم منع عنهم الطعام ليموتوا جوعًا, فبدأ الأحياء يأكلون جثث الموتى فأخرجوهم من السجن وقتلوهم رميًا بالرصاص، وما إن هزمت ألمانيا وسيطر الروس على القرم حتى بدأ الروس الانتقام الأكبر من تتر القرم فأعلنوا أن تتر القرم عملاء للألمان وهدموا مساجدهم, وأحرقوا المصاحف في ميادين عامة, وفتحوا نيران أسلحتهم على السكان العزل بدون تمييز, ونفوا من بقي حيًّا إلى مجاهل سيبيريا حيث الزمهرير الشديد, فمات منهم الكثير وهام الباقون على وجوههم ولم يتبقَّ الآن في شبه جزيرة القرم من التتار إلا القليل.
ويعيش الآن المسلمون التتر في روسيا وهم يجهلون الكثير عن دينهم؛ نظرًا لأثر المحاولات المستمرة من الروس لغزو فكرهم وتشويه الإسلام
محمد كراي:
تولى الحكم عام 921هـ بعد موت أبيه منكلي كراي، واستطاع أن يولي أخاه صاحب كراي على قازان، واستطاع أن يسيطر على استراخان فتوحدت هذه الإمارات في حرب الروس, ولكن هجوم الروس المتواصل على قازان قد جعل أهلها يطلبون الصلح من الروس, ولم يستطع تتار القرم تثبيت أرجلهم فيها وكان تتار القرم دائمي الحرب مع الروس، واستطاعوا دخول مدينة تولا على بعد 150 كم من موسكو وانتشروا في ولاية رزان حول تولا حتى استنجدت روسيا بالخليفة العثماني سليم الأول، فأرسل الخليفة يمنعه، وبرغم توضيح محمد كراي للخليفة عداوة روسيا الشديدة للإسلام والتنكيل بالمسلمين إلا أنه صمم على رأيه، وكذلك الخليفة العثماني سليمان القانوني وخاصة زوجته روكسلان الروسية التي كان لها تأثير كبير عليه؛ فلذلك لم تستمر الغارات على الروس وحارب محمد كراي أيضًا البولنديين.
سعادت كراي:
وعرف الغدر طريقه إلى محمد كراي عام 929هـ من قبل ولديه غازي وبابا اللذين قتلاه وتسلم غازي الخانية ولم يرض الخليفة العثماني عما حدث في القرم, فعين من قبله سعادت كراي أخا محمد كراي، وما إن استتب له الأمر في القرم حتى قبض على غازي وبابا وقتلهما.
إسلام كراي:
استولى إسلام كراي على الحكم في القرم عام 938هـ، فاتفق الخليفة العثماني مع إسلام كراي على جعل القرم ولاية عثمانية, وإسلام كراي هو الوالي عليها، ثم عاد صاحب كراي فساعده العثمانيون على السيطرة على الحكم في القرم وقتل ابن أخيه إسلام.
صاحب كراي:
اشتعلت الحروب مع الروس وخاصة وأن صاحب كراي كان خانًا على قازان، ثم رحل منها وترك مكانه صفا كراي بن أخيه واستطاع أن يضم استراخان عام 958هـ.
دولت كراي:
قتل صاحب كراي؛ لانشغاله بضم استراخان من قازان، ولكنه لم يستطيع تخليص قازان من أيدي الروس واستمر خانًا للقرم حتى عام 985هـ.
محمد كراي الثاني:
تباطأ محمد كراي في مساعدة عثمان باشا قائد الجيش العثماني في حروبه في القوقاز, فتحرك عثمان باشا في اتجاهه، ووعد أخاه إسلام كراي بجعله واليًا للقرم إذا ساعده، فقتل إسلام محمد وتسلم منصب الوالي، ومن وقتها أصبح تعيين ولاة القرم من قبل العثمانيين في إستانبول.
النفوذ الروسي في القرم:
استطاعت روسيا أن تجتذب إليها القوزاق نتيجة للمعاملة السيئة التي تعرضوا لها من الصدر الأعظم العثماني قرة مصطفى, وفي معاهدة أدرنه عام 1125هـ تخلصت روسيا من الجزية التي كانت تدفعها للقرم، واستطاعت احتلال ميناء آزوف ثم تدخلت في تعيين شاهين كراي واليًّا للقرم عام 1186هـ وبرغم تمكن دولت كراي الثالث من السيطرة على القرم عام 1189هـ، إلا أن روسيا أجبرت العثمانيين على إعطاء القرم الاستقلال في معاهدة كوجوك قينارجة, وأعادت شاهين كراي لحكم القرم واستطاعت أن تضم القرم عام 1197هـ، ولم تستطع الدولة العثمانية استعادة القرم من روسيا، وفي العصر الحديث أهدت روسيا القرم إلى جمهورية أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفيتي, وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي ما تزال القرم تتبع جمهورية أوكرانيا المستقلة.
استطاع الروس أن يبتلعوا أجزاء من بلاد المسلمين مثل مغول الشمال والقوقاز والتركستان، وبمجرد دخولهم لأي جزء منها وخاصة القريبة من موسكو كانوا يقومون بأبشع الجرائم للتنكيل بالمسلمين, والتي فاقت محاكم التفتيش في إسبانيا، وحاولوا باستمرار تطوير أساليبهم وقد اخترنا بعضًا من هذه الوسائل على سبيل المثال لا الحصر:
من هذه الوسائل:
1- مراسلة إسبانيا ليأخذوا منها خبرتها في التنكيل بمسلمي الأندلس.
2- القتل وهتك الأعراض وغيرها من وسائل التعذيب والإبادة.
3- التشريد والتهجير حتى هاجر الكثير من التتر المسلمين إلى الأمصار الإسلامية وأوربا وأمريكا, وما بقي منهم في الاتحاد السوفيتي تم توزيع الكثير منهم على أنحاء الاتحاد السوفيتي؛ حتى يكون المسلمون أقلية في أي مكان يعيشون فيه، بل وزجوا بالألوف من المسلمين في مجاهل سيبيريا حيث تصعب الحياة، فقضى على كثير منهم فيها، وكان الروس ينفون إلى سيبيريا شعوبًا بأكملها مثلما فعلوا مع تتار القرم والشيشان والباشكير وغيرهم.
4- توطين الروس في المناطق المسلمة للمساهمة في تقليل نسبة المسلمين الكاسحة فيها, ونزع ملكية أخصب الأراضي في تلك المناطق, وإعطائها للمستوطنين الروس, وهدم ديار الكثير من المسلمين فيها، وقد وطنوا شعوبًا أخرى غير مسلمة في مناطق المسلمين أيضًا، كما وطنوا الكثير من اليهود في القرم.
5- هدم الكثير من المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس وإسطبلات للخيول ومسارح وثكنات عسكرية، ودور للخمر, ومصادرة الأوقاف الإسلامية، وتحويل المدارس القرآنية والكتاتيب إلى دور لنشر المسيحية.
6- فرض الضرائب الباهظة على المسلمين, والعمل على خفض مستوى معيشتهم, وإجبارهم على الخدمة العسكرية, في حين كانت تعفى المرتد عن دينه, وكانوا قله قليلة جدًّا, إضافةً لمن يكتم إسلامه منهم.
7- الإجبار على التنصير واعتبار اعتناق أي دين غير الأرثوذكسية جريمة عقوبتها الإعدام, وإصدار قانون بذلك في عهد القياصرة؛ إيفان الرهيب وبطرس الأكبر, والإمبراطورة حنا, والقيصر اسكندر الثاني. وحتى القياصرة الذين كانوا يلغون هذا القانون, مثل الإمبراطورة كاترين الثانية, لم يفعلوا ذلك حبًا في الإسلام ولكن لخوفهم من العثمانيين الذين كانوا في حرب معهم, ولمحاولة كسب المسلمين ضد أعداء الروس لذلك اضطر الكثير من المسلمين إلى إظهار النصرانية لعدة قرون بينما قلوبهم مطمئنة بالإيمان, وكانوا يورثون الإسلام سرًّا إلى أبنائهم ثم إلى أحفادهم, حتى أعطيت الحرية الدينية الكاملة عام 1323هـ، وأظهر الكثير من التتار الذين أجبروا على النصرانية إسلامهم الذي كتموه لعدة قرون.
8- اختطاف أطفال المسلمين وفصلهم عن أهليهم، وتربيتهم في مدارس نصرانية.
9- عندما سيطر الشيوعيون على الحكم, وأعلنوا أن الأديان هي أفيون الشعوب, وعملوا على تحجيم الأنشطة الدينية بصفة عامة سواء للمسلمين أو النصارى أو اليهود أو البوذيين، بيد أنهم اختصوا المسلمين بالاضطهاد والبطش دون غيرهم.
وتمثل ذلك في الآتي:
أ- لم تفعل تجاه الأديان الأخرى شيئًا مقارنة بما فعلته بالمسلمين, ويرجع ذلك لأن أصحاب الفكر الشيوعي يهود, ويشترك معهم النصارى الذين يمثلون الحكام في السيطرة على الحزب الشيوعي، ومهما حاول أي مسلم الوصول إلى الحزب الشيوعي وأظهر إخلاصه لهم بخلوا عليه بالثقة ولو للحظة بل وفتكوا بالكثير منهم لمجرد الشك.
ب- منعوا المسلمين من أداء فريضة الحج ومنعوا الزكاة وأعمال الخير، وأجبروا المسلمات على السفور، وزادوا من ساعات العمل في رمضان ليشقوا على المسلمين، وأرهبوا المسلمين إذا ما أدوا الصلاة في المسجد.
ج- العمل على تمكين (جمعية نشر المعلومات السياسية) من تحقيق أهدافها والتي تقوم بحملات دعاية ضد الإسلام، وإصدار الكتب بكل اللغات الموجودة في الاتحاد السوفيتي التي تتضمن الاستهزاء والسخرية بالإسلام، وإلصاقه بالتخلف والتأخر للتأثير على المسلمين.
د- فرض اللغة الروسية على السكان وكتابة لغاتهم بحروف أجنبية.
هـ- الحرص على التعليم المختلط لما فيه من فساد للأخلاق وإثارة للشهوات.
و- الإبادة المستمرة لأي صوت معارض، وذكر أنه في عهد ستالين أبيد من المسلمين ما يقارب 11 مليون مسلم, واتهمت الكثير من الشعوب المسلمة بالخيانة في الحرب العالمية الثانية، ونفيت إلى مجاهل سيبيريا.
ز- تعطى الإحصائيات الروسية باستمرار نسبًا وأعدادًا قليلة للمسلمين لتثبيط هممهم وإشعارهم بأنهم أقلية ضعيفة يجب أن تستسلم للأمر الواقع وتخضع للروس؛ لأن أي محاولة من جانبهم لن يكون لها تأثير، ولن تؤدي إلا للإجهاز عليهم، وفي حين أن أعداد المسلمين أكثر بكثير مما تعطيه الإحصائيات الروسية حيث يزيدون على عشرين مليون مسلم, وتزايدهم يفوق تزايد الروس والشعوب غير المسلمة الأخرى.
ح- تفتيت وحدة المسلمين, وتقسيم بلادهم إلى وحدات صغيرة, وتقوية النزعة القومية فيهم, وإثارة المشاكل بينهم ودمجهم في المجتمع الروسي ليسهل السيطرة عليهم, ولتصعب عليهم أي محاولة للاستقلال.
والتقسيم السياسي في روسيا أثناء فترة الاتحاد السوفيتي بالغ التعقيد حيث يضم ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول: وهو الجمهوريات الاتحادية وهم 15 جمهورية تكون باتحادها الاتحاد السوفيتي الذي يدار من موسكو, وكان من ضمنها جمهوريات التركستان وجمهورية أذربيجان ذوو الأغلبية المسلمة.
وتتضمن هذه الجمهوريات الاتحادية الخمسة عشر جمهوريات أخرى ذات استقلال ذاتي, وهو استقلال اسمي فقط؛ لخداع شعوبها وإيهامهم بأن لهم شخصية ظاهرة وهذا هو المستوى الثاني في التقسيم السياسي.
أما المستوى الثالث: فهو مقاطعات ذات استقلال ذاتي وهو كذلك يعتبر اسميًّا فقط بينما في الحقيقة لا يمت للاستقلال بصلة، وقد تتبع هذه المقاطعات الجمهوريات ذات الاستقلال الذاتي أو تتبع مباشرة الجمهورية الاتحادية.
وقد أدرجت معظم بلاد مغول الشمال والقوقاز ضمن المقاطعات والجمهوريات ذات الاستقلال الذاتي, التي تخضع لجمهورية روسيا الاتحادية, أما القرم فخضعت لجمهورية أوكرانيا الاتحادية.
وعندما انحل الاتحاد السوفيتي عام 1411هـ استطاعت الجمهوريات الاتحادية المسلمة أن تستقل عن روسيا وهي: أذربيجان, قازاكستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، طاجكستان، تركمانستان, بينما لم تستطع الجمهوريات والمقاطعات ذات الاستقلال الذاتي التابعة لروسيا وأوكرانيا أن تستقل عنهما.
وتبين الخريطة أهم الجمهوريات والمقاطعات الإسلامية ذات الاستقلال الذاتي في روسيا الاتحادية؛ وهي: جمهورية باشكيريا وعاصمتها سترليتاماك, وجمهورية تتاريا (تترستان) وعاصمتها قازان, وجمهورية جوفاشيا وعاصمتها شبوقساري, وجمهورية موردوف وعاصمتها سارانسك, وجمهورية ماريا وعاصمتها يوشكاريولا, وجمهورية أدمورت وعاصمتها آيجفسك, ومقاطعة أورنبرغ وعاصمتها مدينة أورنبرغ.
مقاومة المسلمين:
برغم كل هذه الجهود المضنية لتنصير المسلمين وإبادتهم إلا أن المسلمين تحملوا وتمسكوا بدينهم, وكانوا أقوياء في صبرهم كما كانوا أقوياء في حروبهم، وكان للمسلمين التتر النصيب الأكبر من البطش والظلم الروسي, وذلك لقرب بلادهم من موسكو, ولكن بالرغم من ذلك عملوا على نشر الإسلام في روسيا فدخلت الكثير من القبائل الوثنية في الإسلام, وكان التتر يستغلون الفرصة عندما يخفف عنهم الروس من وطأتهم, كما حدث في عهد الإمبراطورة كاترينا الثانية عندما أعطت لهم الحرية الدينية، فعكفوا على نشر دينهم وأظهروا إسلامهم الذي أخفوه في عهد من سبقها من القياصرة, وبمجرد انتهاء عهد كاترينا جاء لحكم روسيا قياصرة أشد بطشًا بالمسلمين ممن سبقوهم, فعاد المسلمون إلى إخفاء إسلامهم, وترسخ لديهم الكره الشديد للروس، حتى ارتبط الإسلام عندهم ارتباطًا عصبيًّا بجنسهم فتلازم لفظ تتري مع لفظ مسلم لشدة ما فعله الروس بهم.
وفي الحرب العالمية الأولى حاول المسلمون الانضمام لكل قوة تناهض النظام الحاكم في روسيا, ولكن -للأسف الشديد- كلما تعاونوا مع أي حركة تبدي في البداية الوعود لهم ثم تنقضها بمجرد الوصول للحكم, وتواصل التنكيل بهم بصورة أشد, وبرغم ذلك كان المسلمون على درجة كبيرة من السذاجة, ولم يتعلموا من الدروس السابقة ومن أمثلة ذلك تأييدهم للحزب الدستوري الديمقراطي فغدر بهم، ثم اتجهوا إلى الحزب الاشتراكي الثوري فنكلوا بهم، وهكذا.
وعندما جاءت الثورة البلشفية عام 1336هـ ووعدت المسلمين باحترام دينهم وثقافتهم ورفع الظلم الذي عانوه في عهد القياصرة إذا ما نصروا الثورة، واستمر المسلمون في سذاجتهم ونصروا الثورة وما إن استتب الأمر للشيوعيين حتى أذاقوا المسلمين الأمرين, ومارسوا ضدهم سياسة عدوانية رهيبة. وقد جرت محاولات أخرى للمسلمين تعبر عن مقاومتهم تمثلت في تأسيس الجمعيات والهيئات السياسية الخاصة بهم وقد قضى الشيوعيون على أغلبها وما بقى منها اشترك الشيوعيون في الإشراف عليه.
محاولات الاستقلال:
حاول المسلمون التتر الاستقلال عن روسيا، ونظموا وحدات عسكرية لهم تسيطر عليها منظمة (حربي شوري) وأعلنوا في عام 1336هـ قيام جمهورية مستقلة باسم ايديل أورال تشمل منطقتي باشكيريا وتترستان, ولكن جاءتها قوة روسية قضت عليها, وكان قد سبقهم تتار القرم بانتخاب لجنة مسلمة لتكون نواة حكومة إسلامية وطنية, ولكنها لم تستمر أكثر من ثلاثة شهور, فقد جاءتها أيضًا قوة روسية قضت عليها.
وقد أعاد تتار القرم المحاولة أيام الحرب العالمية الثانية, فتعاونوا مع الألمان واستسلموا لهجومهم الكاسح, وظنوا أن الألمان سيحفظون لهم هذا الجميل, ولكن الألمان أمروا الفرقة التترية المستسلمة لهم بالسير 150 كم حفاة, فهلك منهم الكثير في الطريق, ثم أودع من تبقى منهم في أحد السجون ثم منع عنهم الطعام ليموتوا جوعًا, فبدأ الأحياء يأكلون جثث الموتى فأخرجوهم من السجن وقتلوهم رميًا بالرصاص، وما إن هزمت ألمانيا وسيطر الروس على القرم حتى بدأ الروس الانتقام الأكبر من تتر القرم فأعلنوا أن تتر القرم عملاء للألمان وهدموا مساجدهم, وأحرقوا المصاحف في ميادين عامة, وفتحوا نيران أسلحتهم على السكان العزل بدون تمييز, ونفوا من بقي حيًّا إلى مجاهل سيبيريا حيث الزمهرير الشديد, فمات منهم الكثير وهام الباقون على وجوههم ولم يتبقَّ الآن في شبه جزيرة القرم من التتار إلا القليل.
ويعيش الآن المسلمون التتر في روسيا وهم يجهلون الكثير عن دينهم؛ نظرًا لأثر المحاولات المستمرة من الروس لغزو فكرهم وتشويه الإسلام
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:32 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة المغول المسلمين في إيران))
قصة المغول المسلمين فى ايران
المغول في إيران
أعطى جنكيز خان لابنه تولوي بلاد فارس وخراسان وما يمكن ضمه من بلاد العرب وآسيا الصغرى, وتعتبر أسرة تولوي هي الأوفر حظًا من حيث المساحة التي حكمتها, فقد حكم هولاكو بن تولوي ومن بعده أبناؤه المنطقة التي نتناولها في هذا الفصل, والتي عرفت بالدولة الإيلخانية،ومن جهة أخرى أسس قوبيلاي أسرة حكمت في بلاد الصين, سيرد ذكرها في الفصل القادم، ونتناول الآن تاريخ الدولة الإيلخانية وحتى وقتنا الحالي.
هولاكو:
سبق أن تكلمنا عنه في نهاية الدولة العباسية, وهو الذي كان له الدور الرئيسي في نقل الفكرة السيئة عن المغول للمسلمين, لما ارتكبه فيهم من جرائم بشعة تقشعر منها الأبدان.
واستطاع أن يضم إلى ملكه بغداد وتوغل في بلاد الشام فدخل حلب عام 658هـ وغادر البلاد إلى قرة قورم لتهدئة الأوضاع بين أخوته المتنازعين على الخانية العظمى, فاستطاع تهدئة الأمور وتنصيب قوبيلاي خانًا أعظم, وإخضاع أبناء أوغطاى ثم عاد ليجد كتبغا قد دخل دمشق, ولكنه انهزم في عين جالوت وقتل فيها وازداد غيظه من ابن عمه بركة خان, فأخذ يحاربه فانتصر بركة خان في الجولة الأولى ثم عاود هولاكو الحرب ومعه ابنه أباقا فانتصروا على جيش بركة خان عند مدينة دربنت (باب الأبواب), ثم جمع بركة خان جيوشه وهزمهم عند نهر ترك في بلاد القوقاز, وأخذت أعداد من جنوده تفر إلى بلاد الشام وتنضم للظاهر بيبرس وتدخل في الإسلام, فنزلت به المصائب من كل مكان, فأصيب بالصرع وكان شديد الكره للمسلمين وزاد من ذلك الكره زواجه بنصرانية أخذت تشجعه على إبادة المسلمين, إلا أنه في أواخر أيامه عهد بتربية ابنه الثاني تكودار لمرب مسلم ومات هولاكو عام 663هـ.
أباقا خان:
كانت مدته كلها حروبًا على جميع الجبهات, فمن الشمال كانت حروبه مع أبناء عمومته مغول الشمال, ففى البداية مع بركة خان ثم مع مانكوتيمر وقد أحرز على مانكوتيمر انتصارًا كبيرًا, ثم ما لبث أن اتحدت عليه أسرة أوغطاي بقيادة قيدو بن قاشين وأسرة جغطاي بقيادة براق خان مع مغول الشمال, فكونت ضده الجبهة الشرقية أما من الغرب فكانت حروبه لا تنقطع مع المماليك, وقد انتصروا عليه عدة مرات منها عام 673هـ، واستطاعوا الوصول إلى الأناضول في عهد بيبرس, ثم حاول غزو الشام مرة أخرى ولكنه فشل عام 679هـ, ثم انهزم مرة أخرى أمام جيوش السلطان قلاوون عام 680هـ, وكان نهر الفرات يمثل الحدود بين الدولة الإيلخانية والمماليك, ومات أباقا عام 680هـ وتسلم مكانه أخوه تكودار وقد ورث أباقا كره المسلمين عن أبيه وورثه لابنه أرغون ومما زاد في كراهيته للإسلام زواجه من ابنة إمبراطور القسطنطينية بتخطيط صليبي.
تكودار:
أول من أسلم من أسرة هولاكو, وهو ابنه الذي عهد إلى مرب مسلم بتربيته فشب على الإسلام, وتسمى باسم أحمد وحاول عقد صلح مع السلطان قلاوون عام 681هـ، ولكن ابن أباقا خان أرغون قد تمرد على عمه تكودار وقتله, وتولى مكانه في الوقت الذي أرسل فيه تكودار وفدًا إلى السلطان قلاوون لعقد الصلح.
أرغـون:
ورث كراهية الإسلام عن أبيه أباقا خان, ولذلك تخلص من عمه تكودار المسلم وأخذ يتحالف مع الصليبيين والأرمن ضد المماليك, وكذلك ضد تدان مانكو خان مغول الشمال الذي أسلم، ومات عام 691هـ وتسلم مكانه أخوه كيغاتو.
كيغاتو:
لم يمكث في الحكم إلا قليلاً حتى قتل عام 693هـ.
بيدو:
وهو ابن عم كيغاتو وابن طرخاي بن هولاكو ولم تطل مدة حكمه، إذ قتل عام 695هـ.
غازان:
كان يدين بالبوذية ثم أعلن إسلامه عام 694هـ وتسمى باسم محمود, وعندما تولى الحكم عام 695هـ أسلمت معه أسرة تولوي كلها وسبعون ألفا من التتار, وأصبحت الدولة الإيلخانية مسلمة, وبرغم ذلك لم تنته حروبه مع المماليك وكان معظمها ينتهى بهزيمته, ومن أشهر هزائمه أمام المماليك معركة شقحب عام 702هـ في بلاد الشام التي اشترك فيها الخليفة العباسي وسلطان المماليك وابن تيمية, وكانت هزيمة منكرة لغازان, وفي نفس الوقت كانت هناك حروب مع مغول الشمال في عهد طقطاي بسبب مراغة وتبريز التي يسيطر عليها الإيلخانيون, وتسببت الهزائم التي منى بها غازان في الشام إلى توقف الحرب بينه وبين طقطاي، وتوفي غازان عام 703هـ وخلفه أخوه أولجايتو.
أولجايتو:
نشأ على النصرانية ثم اعتنق الإسلام وتسمى باسم محمد (محمد خرابنده) ولكن -للأسف الشديد- اعتنق المذهب الرافضي (الشيعي) عام 709هـ وأخذ يجبر رعيته على اتباع هذا المذهب, وقعت حروب بينه وبين المماليك ومغول الشمال, كان للأميرين الفارين من المماليك قرة سنقر والأفرم دور كبير في الانتصار على طقطاي خان مغول الشمال؛ ولذلك راسل طقطاي المماليك للاتحاد ضد الإيلخانيين ولكن ما لبث أن مات طقطاي، وكان المماليك في حروبهم مع الإيلخانيين لهم الغلبة في أكثر الأحيان، وفي عام 716هـ جاء إلى محمد خرابنده من مكة حميضة بن أبي نمى لمحاربة أهل مكة فساعده محمد خرابنده، وخاصة أن أهل مكة من السنة ولكن مات محمد خرابنده قبل الهجوم على مكة فلم تحدث حرب، وتولى بعد محمد خرابنده ابنه أبو سعيد.
أبو سعيد:
عندما تولى الحكم كان صغيرًا وراسل جوبان وزير أبيه محمد أوزبك خان مغول الشمال بتسلم البلاد ولكنه رفض, ثم قامت الحرب بين ييسور قائد جيوش أسرة جغطاي وأبى سعيد, استطاع أبو سعيد أن ينتصر وكان محمد أوزبك قد اتفق مع ييسور على حرب أبى سعيد ولكن هزيمة ييسور جعلت محمد أوزبك ينسحب من الحرب.
وحاول محمد أوزبك الاتحاد مع السلطان محمد بن قلاوون سلطان المماليك لمحاربة أبي سعيد، ولكن السلطان محمد قلاوون عقد صلحًا مع أبي سعيد.
وفي عهد أبي سعيد بدأ المذهب السنى يعود للبلاد بعد أن حاول أبوه فرض المذهب الشيعى عليها، وبدأت الأوضاع تتدهور في الدولة الإيلخانية، وتظهر فيها الانقسامات ويستقل الولاة بما لديهم, وظهرت عدة دول منها الجلائرية والأراتقة فعمت الفوضى في البلاد, وانقرضت الدولة الإيلخانية والتي كان آخر حكامها أبو سعيد.
جاء تيمورلنك عام 784هـ ليجتاح البلاد واستطاع السيطرة على كافة أجزائها عام 807هـ، ثم بموت تيمور تجزأت مملكته وتوزعت بين أبنائه وأحفاده وكان تيمورلنك يعتنق المذهب الرافضي (الشيعي)، وورث ذلك لأبنائه وأحفاده، وكان لهم دور كبير في نشره في عدة مناطق من أملاك الدولة التيمورية.
الصفويون
ومع تجزؤ دولة تيمورلنك بين أبنائه وأحفاده والضعف الذي بدأ ينخر في أرجائها، ظهر الصفويون في الدولة الإيلخانية.
إسماعيل الصفوي:
تمكن إسماعيل بن حيدر بن الجنيد بين صفي الدين الأردبيلي (أردبيل بلد في أذربيجان) من أن يجمع حوله أنصارًا من التركمان، وأن يسيطر على أملاك أسرة الأق قيلوني عام 907هـ ويضم أكثر أجزاء من العراق وأذربيجان, واتخذ من تبريز عاصمة لملكه، وأخضع الأمراء التيموريين في الجهات التي سيطر عليها واعتنق المذهب الشيعي واستطاع في وقت قصير أن يمد نفوذه إلى هراة ونهر جيحون شرقا والخليج العربي وخليج عمان جنوبًا، مستغلاًّ الأقلية الشيعية التي تقف بجانبه في كل حرب يخوضها, أو في أي منطقة يدخلها، وهزم إسماعيل الصفوي أمام العثمانيين في موقعة جالديران عام 920هـ وفقد بعدها ديار بكر وتبريز وغيرها, وكان يقاتل أيضًا الأوزبك في الشرق, وانتصر عليهم في بداية الأمر ثم انهزم أمامهم واستردوا منه كل ما ضمه من بلادهم, وكانوا يدعونه للعودة إلى السنة والإسلام الصحيح، ولكنه كان متمسكًا بالمذهب الشيعي, وكانت له علاقات طيبة مع ظهير الدين محمد بابر حاكم الهند, ثم ما لبث أن توترت هذه العلاقات بسبب مذهبه الشيعي.
وكان إسماعيل الصفوي شديد الكره للمسلمين السنة، فبالإضافة إلى حروبه معهم اتفق مع البرتغاليين والصليبيين على حرب أهل السنة بصفة عامة، وحرب الدولة العثمانية بصفة خاصة.
وتوفي إسماعيل الصفوي عام 930هـ وخلفه ابنه طهماسب، وقد تلقب إسماعيل بلقب شاه وتبعه في ذلك من جاء بعده.
طهماسب:
تولى الحكم صغيرًا, فكان زعماء الشيعة هم الحكام الفعليين في بداية الأمر حتى اشتد عوده فحارب الأوزبك وانتصر عليهم, واتجه لتـأديب والي بغداد الذي أعلن خضوعه للعثمانيين، ولكن العثمانيين استطاعوا دخول العراق وضموا إليهم بغداد وطردوا الصفويين من العراق, وفي الوقت ذاته كان الأوزبك يتقدمون من الشرق في بلاد الصفويين, ودخلوا مدينة مشهد عاصمة خراسان, فاضطر طهماسب لأن يعقد صلحًا مع العثمانيين, وهدأت الأوضاع على الجبهتين الشرقية والغربية وتوفي طهماسب عام 984هـ وتولى بعده ابنه إسماعيل. وكان طهماسب شديد القسوة عديم الثقة بأي شخص حتى أبنائه، فقد حبس ابنه إسماعيل في السجن قرابة 25 عامًا ولم يخرج إلا بعدما توفي أبوه، وحدث صراع على السلطة بين أبناء طهماسب إسماعيل ومحمد وعباس، فتولى في البداية إسماعيل ثم قتل، ثم تولى (محمد خرابنك) لمدة 10 سنوات ثم تبعهم عباس عام 995هـ.
عباس:
استغل العثمانيون فترة الفوضى التي عمت الدولة الصفوية وضموا إليهم تبريز وأرمينيا وبلاد الكرج (جورجيا) والداغستان ففكر عباس في تهدئة الأوضاع على الجبهة الغربية للتفرغ للأوزبك في الجهة الشرقية, فنقل العاصمة إلى أصفهان وعقد معاهدة صلح مع العثمانيين اعترف فيها بضمهم للأراضي السابق ذكرها مع أذربيجان, واتجه لحرب الأوزبك فانتصر عليهم واقتطع جزءًا من أرضهم.
وبعد 15 عامًا من الصلح مع العثمانيين، وبعدما استتب له الأمر من جهة الشرق اتجه غربًا لقتال العثمانيين لاسترداد ما ضموه من الصفويين، وكان قد درب الإنجليز جنوده وأعدوهم جيدًا للقتال, واستغل عباس الثورات الداخلية في الأناضول, فهجم على الأراضي العثمانية المتاخمة له استطاع أن يضم تبريز وأرمينيا وجزءًا كبيرًا من أذربيجان، وقارص, واتجه إلى بغداد فلم يستطع دخولها فلجأ إلى المكر والخديعة مع حاكمها الذي يعطى الأولوية لمصلحته الشخصية, فتمكن من دخولها, وكان أمر البرتغال قد بدأ يضعف فاتفق عباس مع الإنجليز على طرد البرتغاليين من الخليج العربي, وتمكنوا من طردهم من هرمز عام 1031هـ وكان أيضًا شديد التعصب للمذهب الشيعي شديد الحقد على المسلمين السنة, وكان يتمنى لو يتحالف معه الأوربيون ضد العثمانيين، وكان شديد الغلظة فقد قتل ولده الكبير, وفقع أعين اثنين من أبنائه ومات عام 1037هـ، وتولى بعده حفيده صفي الدين.
صفي الدين:
بدأ الضعف يعرف طريقه للدولة الصفوية, فحاربهم العثمانيون واستردوا منهم العراق وبغداد, وعقد معاهدة بين الدولتين عام 1049هـ؛ لتحديد الحدود بينهما.
عباس الثاني:
تولى الحكم عام 1052هـ، وأهمل شئون الحكم.
سليمان الأول (صفى الثاني):
تولى عام 1077هـ، واستولى في عهده الهولنديون على جزيرة قشم, وضم الأوزبك خراسان وأغار حكام عمان (اليعاربة) على ميناء بندر عباس.
حسين الأول:
وهو ابن عباس الثاني, وفي عهده بدأت تظهر الحركات الأفغانية, فأعلن مير محمود بن أويس في هراه التمرد على الصفويين، واستطاع أن يضم مشهد عام 1135هـ, وأخذ يتوغل في الدولة الصفوية ودخل أصفهان عاصمتهم ولم يبق للصفويين إلا بعض الأجزاء الشمالية، واستغل الروس هذه الفرصة وأبدوا للشاه حسين الأول مساعدته ضد الأفغان, وهم في الحقيقة يريدون ضم المزيد من أراضي الدولة الصفوية، فأبدى الصفويون موافقتهم.
طهماسب الثاني:
كان الروس قد توغلوا في الدولة الصفوية واحتلوا بلاد داغستان, وأخذوا يتقدمون نحو بلدة شماكا، فبرز لهم العثمانيون, وهددوهم بأن أي تقدم في أراضي الصفويين، يعني إعلان الحرب على العثمانيين فتوقف هجومهم.
ووقع طهماسب مع الروس معاهدة يتنازل فيها عن الكثير من الأجزاء الشمالية للبلاد, فاستنجد أهلها بالعثمانيين المسلمين من الروس الصليبيين, فوقعت معاهده بين الروس والعثمانيين, تضمنت ضم الروس لسواحل بحر قزوين وجيلان ومازندران, في حين يأخذ العثمانيون الولايات الغربية، وواصل العثمانيون بعدها تقدمهم في فارس فضموا تبريز وهمدان, في الوقت الذي كان مير محمود يذبح ما بقي من الأسرة الصفوية، ثم ضعفت الإمكانيات العقلية لمير محمود فاتفق الأفغان على تولية الأمير أشرف عليهم عام 1137هـ، ووقع القتال بينه وبين العثمانيين, ثم عقد بينهما صلح بمقتضاه يعترف أشرف بأن السلطان العثماني هو خليفة المسلمين, ويعترف العثمانيون به شاهًا على فارس وأبقى العثمانيون ما ضموه من أراضي فارس.
ظهر نادر خان وكان من قطاع الطرق وجمع حوله الأتباع وأيد طهماسب واستطاع أن يطرد الأفغان من هراة ومشهد، وأخذ يتبعهم حتى دخل أصفهان وسقط أشرف قتيلاً في حروبه مع نادر خان عام 1142هـ، وبهذا انتهى حكم الأفغان لفارس بعد سبع سنوات حكموا فيها.
واصل نادر خان انتصاراته فاتجه لحرب العثمانيين, واستطاع أن يهزمهم عند همدان ودخل أذربيجان.
أحب طهماسب أن يثبت وجوده, فحارب العثمانيين، ولكنه انهزم أمامهم عام 1144هـ، واضطر أن يوقع معهم معاهدة للتنازل عن جزء من أراضيه.
الأفشار
نادر خان:
استغل نادر خان وهو مؤسس أسرة الأفشار الفرصة لبسط نفوذه على البلاد, فانتقد المعاهدة التي أبرمها طهماسب، وقبض عليه وعين ابنه الصغير عباس مكانه وأعلن نفسه وصيًّا عليه لمحاربة الدولة العثمانية, واستطاع في النهاية أن ينتصر وأبرم مع الدولة العثمانية معاهدة أعادت له بمقتضاها الأراضي التي دخلتها في فارس, باستثناء العراق واستعاد مازندران وجيلان من الروس, ثم استعاد داغستان وأذربيجان منهم؛ لأنه هددهم بالتحالف مع العثمانيين ضدهم.. وبموت ولى العهد عباس الثالث عام 1148هـ أعلن نادر خان نفسه حاكمًا على البلاد, واستطاع أن يتوسع في ملكه, فضم إليه كافة بلاد الأفغان وأغار على عمان عام 1150هـ, واستطاع دخول بلاد الهند ودخل دهلي عام 1151هـ، ولكنه لم يعلن نفسه سلطانًا عليها وتوغل في بلاد الأوزبك، وضم بخارى وخوارزم، ولكن عمت الفوضى بلاده وكثرت الثورات, منها ثورة قبائل اللزكي في داغستان, التي سار ليؤدبها فانهزم فتأثر بذلك نفسيًّا وكثرت الضغوط عليه في البلاد من ثورات وحروب مع العثمانيين وغيرها، وحاول إعادة المذهب السني للبلاد, وعمل على جعل مذهب الإمام جعفر الصادق مذهبًا خامسًا للمسلمين، ولكن العثمانيين لم يقبلوا وأكره الفرس على ذلك، وحاول إنشاء أسطول فارسي، ولكنه فشل ومات وهو في طريقه لإخماد ثورة في بلاد الأكراد عام 1160هـ.
علي بن إبراهيم:
اختلف قادة نادر خان، فانسحب أحدهم وهو أحمد خان الدوراني وأسس إمارة الأفغان في قندهار, وضم إليها أجزاء كثيرة, بينما عين علي قولي ابن أخي نادر خان سلطانًا على الفرس، وعرف بعادل شاه وقتل كل أسرة نادر خان باستثناء حفيده شاه رخ، ثم حدثت خلافات بين على وأخيه إبراهيم قتل على إثرها إبراهيم, ثم قتل على وتولى الحكم بعدهما شاه رخ.
شاه رخ:
عندما تولى كان صغيرًا فثار عليه مرزا سيد محمد, وأعلن أن شاه رخ ينوى مواصلة ما بدأه جده في القضاء على المذهب الشيعي, واستطاع مرزا أن يتمكن من شاه رخ ويضعه في السجن, وأعلن نفسه شاهًا على فارس ولكن يوسف على قائد جيوش شاه رخ قد تمكن من قتل مرزا وأبنائه, وأعاد شاه رخ إلى الحكم وأعلن نفسه وصيًّا عليه؛ لأنه كفيف وصغير.
وتدخل قائدان أحدهما يقود فرقة بحرية عربية ويدعى علم خان, والآخر يقود فرقة كردية ويدعى جعفر خان فقبضا على يوسف وقتلاه وأودعا شاه رخ في السجن, ثم اختلفا واقتتلا فانتصر علم خان, ثم قتل علم خان في حربه مع أحمد خان الدوراني حاكم بلاد الأفغان, الذي ضم إليه بلاد خراسان من الفرس، ومات شاه رخ في السجن عام 1210هـ وانتهى حكم الأفشار.
المغول في إيران
أعطى جنكيز خان لابنه تولوي بلاد فارس وخراسان وما يمكن ضمه من بلاد العرب وآسيا الصغرى, وتعتبر أسرة تولوي هي الأوفر حظًا من حيث المساحة التي حكمتها, فقد حكم هولاكو بن تولوي ومن بعده أبناؤه المنطقة التي نتناولها في هذا الفصل, والتي عرفت بالدولة الإيلخانية،ومن جهة أخرى أسس قوبيلاي أسرة حكمت في بلاد الصين, سيرد ذكرها في الفصل القادم، ونتناول الآن تاريخ الدولة الإيلخانية وحتى وقتنا الحالي.
هولاكو:
سبق أن تكلمنا عنه في نهاية الدولة العباسية, وهو الذي كان له الدور الرئيسي في نقل الفكرة السيئة عن المغول للمسلمين, لما ارتكبه فيهم من جرائم بشعة تقشعر منها الأبدان.
واستطاع أن يضم إلى ملكه بغداد وتوغل في بلاد الشام فدخل حلب عام 658هـ وغادر البلاد إلى قرة قورم لتهدئة الأوضاع بين أخوته المتنازعين على الخانية العظمى, فاستطاع تهدئة الأمور وتنصيب قوبيلاي خانًا أعظم, وإخضاع أبناء أوغطاى ثم عاد ليجد كتبغا قد دخل دمشق, ولكنه انهزم في عين جالوت وقتل فيها وازداد غيظه من ابن عمه بركة خان, فأخذ يحاربه فانتصر بركة خان في الجولة الأولى ثم عاود هولاكو الحرب ومعه ابنه أباقا فانتصروا على جيش بركة خان عند مدينة دربنت (باب الأبواب), ثم جمع بركة خان جيوشه وهزمهم عند نهر ترك في بلاد القوقاز, وأخذت أعداد من جنوده تفر إلى بلاد الشام وتنضم للظاهر بيبرس وتدخل في الإسلام, فنزلت به المصائب من كل مكان, فأصيب بالصرع وكان شديد الكره للمسلمين وزاد من ذلك الكره زواجه بنصرانية أخذت تشجعه على إبادة المسلمين, إلا أنه في أواخر أيامه عهد بتربية ابنه الثاني تكودار لمرب مسلم ومات هولاكو عام 663هـ.
أباقا خان:
كانت مدته كلها حروبًا على جميع الجبهات, فمن الشمال كانت حروبه مع أبناء عمومته مغول الشمال, ففى البداية مع بركة خان ثم مع مانكوتيمر وقد أحرز على مانكوتيمر انتصارًا كبيرًا, ثم ما لبث أن اتحدت عليه أسرة أوغطاي بقيادة قيدو بن قاشين وأسرة جغطاي بقيادة براق خان مع مغول الشمال, فكونت ضده الجبهة الشرقية أما من الغرب فكانت حروبه لا تنقطع مع المماليك, وقد انتصروا عليه عدة مرات منها عام 673هـ، واستطاعوا الوصول إلى الأناضول في عهد بيبرس, ثم حاول غزو الشام مرة أخرى ولكنه فشل عام 679هـ, ثم انهزم مرة أخرى أمام جيوش السلطان قلاوون عام 680هـ, وكان نهر الفرات يمثل الحدود بين الدولة الإيلخانية والمماليك, ومات أباقا عام 680هـ وتسلم مكانه أخوه تكودار وقد ورث أباقا كره المسلمين عن أبيه وورثه لابنه أرغون ومما زاد في كراهيته للإسلام زواجه من ابنة إمبراطور القسطنطينية بتخطيط صليبي.
تكودار:
أول من أسلم من أسرة هولاكو, وهو ابنه الذي عهد إلى مرب مسلم بتربيته فشب على الإسلام, وتسمى باسم أحمد وحاول عقد صلح مع السلطان قلاوون عام 681هـ، ولكن ابن أباقا خان أرغون قد تمرد على عمه تكودار وقتله, وتولى مكانه في الوقت الذي أرسل فيه تكودار وفدًا إلى السلطان قلاوون لعقد الصلح.
أرغـون:
ورث كراهية الإسلام عن أبيه أباقا خان, ولذلك تخلص من عمه تكودار المسلم وأخذ يتحالف مع الصليبيين والأرمن ضد المماليك, وكذلك ضد تدان مانكو خان مغول الشمال الذي أسلم، ومات عام 691هـ وتسلم مكانه أخوه كيغاتو.
كيغاتو:
لم يمكث في الحكم إلا قليلاً حتى قتل عام 693هـ.
بيدو:
وهو ابن عم كيغاتو وابن طرخاي بن هولاكو ولم تطل مدة حكمه، إذ قتل عام 695هـ.
غازان:
كان يدين بالبوذية ثم أعلن إسلامه عام 694هـ وتسمى باسم محمود, وعندما تولى الحكم عام 695هـ أسلمت معه أسرة تولوي كلها وسبعون ألفا من التتار, وأصبحت الدولة الإيلخانية مسلمة, وبرغم ذلك لم تنته حروبه مع المماليك وكان معظمها ينتهى بهزيمته, ومن أشهر هزائمه أمام المماليك معركة شقحب عام 702هـ في بلاد الشام التي اشترك فيها الخليفة العباسي وسلطان المماليك وابن تيمية, وكانت هزيمة منكرة لغازان, وفي نفس الوقت كانت هناك حروب مع مغول الشمال في عهد طقطاي بسبب مراغة وتبريز التي يسيطر عليها الإيلخانيون, وتسببت الهزائم التي منى بها غازان في الشام إلى توقف الحرب بينه وبين طقطاي، وتوفي غازان عام 703هـ وخلفه أخوه أولجايتو.
أولجايتو:
نشأ على النصرانية ثم اعتنق الإسلام وتسمى باسم محمد (محمد خرابنده) ولكن -للأسف الشديد- اعتنق المذهب الرافضي (الشيعي) عام 709هـ وأخذ يجبر رعيته على اتباع هذا المذهب, وقعت حروب بينه وبين المماليك ومغول الشمال, كان للأميرين الفارين من المماليك قرة سنقر والأفرم دور كبير في الانتصار على طقطاي خان مغول الشمال؛ ولذلك راسل طقطاي المماليك للاتحاد ضد الإيلخانيين ولكن ما لبث أن مات طقطاي، وكان المماليك في حروبهم مع الإيلخانيين لهم الغلبة في أكثر الأحيان، وفي عام 716هـ جاء إلى محمد خرابنده من مكة حميضة بن أبي نمى لمحاربة أهل مكة فساعده محمد خرابنده، وخاصة أن أهل مكة من السنة ولكن مات محمد خرابنده قبل الهجوم على مكة فلم تحدث حرب، وتولى بعد محمد خرابنده ابنه أبو سعيد.
أبو سعيد:
عندما تولى الحكم كان صغيرًا وراسل جوبان وزير أبيه محمد أوزبك خان مغول الشمال بتسلم البلاد ولكنه رفض, ثم قامت الحرب بين ييسور قائد جيوش أسرة جغطاي وأبى سعيد, استطاع أبو سعيد أن ينتصر وكان محمد أوزبك قد اتفق مع ييسور على حرب أبى سعيد ولكن هزيمة ييسور جعلت محمد أوزبك ينسحب من الحرب.
وحاول محمد أوزبك الاتحاد مع السلطان محمد بن قلاوون سلطان المماليك لمحاربة أبي سعيد، ولكن السلطان محمد قلاوون عقد صلحًا مع أبي سعيد.
وفي عهد أبي سعيد بدأ المذهب السنى يعود للبلاد بعد أن حاول أبوه فرض المذهب الشيعى عليها، وبدأت الأوضاع تتدهور في الدولة الإيلخانية، وتظهر فيها الانقسامات ويستقل الولاة بما لديهم, وظهرت عدة دول منها الجلائرية والأراتقة فعمت الفوضى في البلاد, وانقرضت الدولة الإيلخانية والتي كان آخر حكامها أبو سعيد.
جاء تيمورلنك عام 784هـ ليجتاح البلاد واستطاع السيطرة على كافة أجزائها عام 807هـ، ثم بموت تيمور تجزأت مملكته وتوزعت بين أبنائه وأحفاده وكان تيمورلنك يعتنق المذهب الرافضي (الشيعي)، وورث ذلك لأبنائه وأحفاده، وكان لهم دور كبير في نشره في عدة مناطق من أملاك الدولة التيمورية.
الصفويون
ومع تجزؤ دولة تيمورلنك بين أبنائه وأحفاده والضعف الذي بدأ ينخر في أرجائها، ظهر الصفويون في الدولة الإيلخانية.
إسماعيل الصفوي:
تمكن إسماعيل بن حيدر بن الجنيد بين صفي الدين الأردبيلي (أردبيل بلد في أذربيجان) من أن يجمع حوله أنصارًا من التركمان، وأن يسيطر على أملاك أسرة الأق قيلوني عام 907هـ ويضم أكثر أجزاء من العراق وأذربيجان, واتخذ من تبريز عاصمة لملكه، وأخضع الأمراء التيموريين في الجهات التي سيطر عليها واعتنق المذهب الشيعي واستطاع في وقت قصير أن يمد نفوذه إلى هراة ونهر جيحون شرقا والخليج العربي وخليج عمان جنوبًا، مستغلاًّ الأقلية الشيعية التي تقف بجانبه في كل حرب يخوضها, أو في أي منطقة يدخلها، وهزم إسماعيل الصفوي أمام العثمانيين في موقعة جالديران عام 920هـ وفقد بعدها ديار بكر وتبريز وغيرها, وكان يقاتل أيضًا الأوزبك في الشرق, وانتصر عليهم في بداية الأمر ثم انهزم أمامهم واستردوا منه كل ما ضمه من بلادهم, وكانوا يدعونه للعودة إلى السنة والإسلام الصحيح، ولكنه كان متمسكًا بالمذهب الشيعي, وكانت له علاقات طيبة مع ظهير الدين محمد بابر حاكم الهند, ثم ما لبث أن توترت هذه العلاقات بسبب مذهبه الشيعي.
وكان إسماعيل الصفوي شديد الكره للمسلمين السنة، فبالإضافة إلى حروبه معهم اتفق مع البرتغاليين والصليبيين على حرب أهل السنة بصفة عامة، وحرب الدولة العثمانية بصفة خاصة.
وتوفي إسماعيل الصفوي عام 930هـ وخلفه ابنه طهماسب، وقد تلقب إسماعيل بلقب شاه وتبعه في ذلك من جاء بعده.
طهماسب:
تولى الحكم صغيرًا, فكان زعماء الشيعة هم الحكام الفعليين في بداية الأمر حتى اشتد عوده فحارب الأوزبك وانتصر عليهم, واتجه لتـأديب والي بغداد الذي أعلن خضوعه للعثمانيين، ولكن العثمانيين استطاعوا دخول العراق وضموا إليهم بغداد وطردوا الصفويين من العراق, وفي الوقت ذاته كان الأوزبك يتقدمون من الشرق في بلاد الصفويين, ودخلوا مدينة مشهد عاصمة خراسان, فاضطر طهماسب لأن يعقد صلحًا مع العثمانيين, وهدأت الأوضاع على الجبهتين الشرقية والغربية وتوفي طهماسب عام 984هـ وتولى بعده ابنه إسماعيل. وكان طهماسب شديد القسوة عديم الثقة بأي شخص حتى أبنائه، فقد حبس ابنه إسماعيل في السجن قرابة 25 عامًا ولم يخرج إلا بعدما توفي أبوه، وحدث صراع على السلطة بين أبناء طهماسب إسماعيل ومحمد وعباس، فتولى في البداية إسماعيل ثم قتل، ثم تولى (محمد خرابنك) لمدة 10 سنوات ثم تبعهم عباس عام 995هـ.
عباس:
استغل العثمانيون فترة الفوضى التي عمت الدولة الصفوية وضموا إليهم تبريز وأرمينيا وبلاد الكرج (جورجيا) والداغستان ففكر عباس في تهدئة الأوضاع على الجبهة الغربية للتفرغ للأوزبك في الجهة الشرقية, فنقل العاصمة إلى أصفهان وعقد معاهدة صلح مع العثمانيين اعترف فيها بضمهم للأراضي السابق ذكرها مع أذربيجان, واتجه لحرب الأوزبك فانتصر عليهم واقتطع جزءًا من أرضهم.
وبعد 15 عامًا من الصلح مع العثمانيين، وبعدما استتب له الأمر من جهة الشرق اتجه غربًا لقتال العثمانيين لاسترداد ما ضموه من الصفويين، وكان قد درب الإنجليز جنوده وأعدوهم جيدًا للقتال, واستغل عباس الثورات الداخلية في الأناضول, فهجم على الأراضي العثمانية المتاخمة له استطاع أن يضم تبريز وأرمينيا وجزءًا كبيرًا من أذربيجان، وقارص, واتجه إلى بغداد فلم يستطع دخولها فلجأ إلى المكر والخديعة مع حاكمها الذي يعطى الأولوية لمصلحته الشخصية, فتمكن من دخولها, وكان أمر البرتغال قد بدأ يضعف فاتفق عباس مع الإنجليز على طرد البرتغاليين من الخليج العربي, وتمكنوا من طردهم من هرمز عام 1031هـ وكان أيضًا شديد التعصب للمذهب الشيعي شديد الحقد على المسلمين السنة, وكان يتمنى لو يتحالف معه الأوربيون ضد العثمانيين، وكان شديد الغلظة فقد قتل ولده الكبير, وفقع أعين اثنين من أبنائه ومات عام 1037هـ، وتولى بعده حفيده صفي الدين.
صفي الدين:
بدأ الضعف يعرف طريقه للدولة الصفوية, فحاربهم العثمانيون واستردوا منهم العراق وبغداد, وعقد معاهدة بين الدولتين عام 1049هـ؛ لتحديد الحدود بينهما.
عباس الثاني:
تولى الحكم عام 1052هـ، وأهمل شئون الحكم.
سليمان الأول (صفى الثاني):
تولى عام 1077هـ، واستولى في عهده الهولنديون على جزيرة قشم, وضم الأوزبك خراسان وأغار حكام عمان (اليعاربة) على ميناء بندر عباس.
حسين الأول:
وهو ابن عباس الثاني, وفي عهده بدأت تظهر الحركات الأفغانية, فأعلن مير محمود بن أويس في هراه التمرد على الصفويين، واستطاع أن يضم مشهد عام 1135هـ, وأخذ يتوغل في الدولة الصفوية ودخل أصفهان عاصمتهم ولم يبق للصفويين إلا بعض الأجزاء الشمالية، واستغل الروس هذه الفرصة وأبدوا للشاه حسين الأول مساعدته ضد الأفغان, وهم في الحقيقة يريدون ضم المزيد من أراضي الدولة الصفوية، فأبدى الصفويون موافقتهم.
طهماسب الثاني:
كان الروس قد توغلوا في الدولة الصفوية واحتلوا بلاد داغستان, وأخذوا يتقدمون نحو بلدة شماكا، فبرز لهم العثمانيون, وهددوهم بأن أي تقدم في أراضي الصفويين، يعني إعلان الحرب على العثمانيين فتوقف هجومهم.
ووقع طهماسب مع الروس معاهدة يتنازل فيها عن الكثير من الأجزاء الشمالية للبلاد, فاستنجد أهلها بالعثمانيين المسلمين من الروس الصليبيين, فوقعت معاهده بين الروس والعثمانيين, تضمنت ضم الروس لسواحل بحر قزوين وجيلان ومازندران, في حين يأخذ العثمانيون الولايات الغربية، وواصل العثمانيون بعدها تقدمهم في فارس فضموا تبريز وهمدان, في الوقت الذي كان مير محمود يذبح ما بقي من الأسرة الصفوية، ثم ضعفت الإمكانيات العقلية لمير محمود فاتفق الأفغان على تولية الأمير أشرف عليهم عام 1137هـ، ووقع القتال بينه وبين العثمانيين, ثم عقد بينهما صلح بمقتضاه يعترف أشرف بأن السلطان العثماني هو خليفة المسلمين, ويعترف العثمانيون به شاهًا على فارس وأبقى العثمانيون ما ضموه من أراضي فارس.
ظهر نادر خان وكان من قطاع الطرق وجمع حوله الأتباع وأيد طهماسب واستطاع أن يطرد الأفغان من هراة ومشهد، وأخذ يتبعهم حتى دخل أصفهان وسقط أشرف قتيلاً في حروبه مع نادر خان عام 1142هـ، وبهذا انتهى حكم الأفغان لفارس بعد سبع سنوات حكموا فيها.
واصل نادر خان انتصاراته فاتجه لحرب العثمانيين, واستطاع أن يهزمهم عند همدان ودخل أذربيجان.
أحب طهماسب أن يثبت وجوده, فحارب العثمانيين، ولكنه انهزم أمامهم عام 1144هـ، واضطر أن يوقع معهم معاهدة للتنازل عن جزء من أراضيه.
الأفشار
نادر خان:
استغل نادر خان وهو مؤسس أسرة الأفشار الفرصة لبسط نفوذه على البلاد, فانتقد المعاهدة التي أبرمها طهماسب، وقبض عليه وعين ابنه الصغير عباس مكانه وأعلن نفسه وصيًّا عليه لمحاربة الدولة العثمانية, واستطاع في النهاية أن ينتصر وأبرم مع الدولة العثمانية معاهدة أعادت له بمقتضاها الأراضي التي دخلتها في فارس, باستثناء العراق واستعاد مازندران وجيلان من الروس, ثم استعاد داغستان وأذربيجان منهم؛ لأنه هددهم بالتحالف مع العثمانيين ضدهم.. وبموت ولى العهد عباس الثالث عام 1148هـ أعلن نادر خان نفسه حاكمًا على البلاد, واستطاع أن يتوسع في ملكه, فضم إليه كافة بلاد الأفغان وأغار على عمان عام 1150هـ, واستطاع دخول بلاد الهند ودخل دهلي عام 1151هـ، ولكنه لم يعلن نفسه سلطانًا عليها وتوغل في بلاد الأوزبك، وضم بخارى وخوارزم، ولكن عمت الفوضى بلاده وكثرت الثورات, منها ثورة قبائل اللزكي في داغستان, التي سار ليؤدبها فانهزم فتأثر بذلك نفسيًّا وكثرت الضغوط عليه في البلاد من ثورات وحروب مع العثمانيين وغيرها، وحاول إعادة المذهب السني للبلاد, وعمل على جعل مذهب الإمام جعفر الصادق مذهبًا خامسًا للمسلمين، ولكن العثمانيين لم يقبلوا وأكره الفرس على ذلك، وحاول إنشاء أسطول فارسي، ولكنه فشل ومات وهو في طريقه لإخماد ثورة في بلاد الأكراد عام 1160هـ.
علي بن إبراهيم:
اختلف قادة نادر خان، فانسحب أحدهم وهو أحمد خان الدوراني وأسس إمارة الأفغان في قندهار, وضم إليها أجزاء كثيرة, بينما عين علي قولي ابن أخي نادر خان سلطانًا على الفرس، وعرف بعادل شاه وقتل كل أسرة نادر خان باستثناء حفيده شاه رخ، ثم حدثت خلافات بين على وأخيه إبراهيم قتل على إثرها إبراهيم, ثم قتل على وتولى الحكم بعدهما شاه رخ.
شاه رخ:
عندما تولى كان صغيرًا فثار عليه مرزا سيد محمد, وأعلن أن شاه رخ ينوى مواصلة ما بدأه جده في القضاء على المذهب الشيعي, واستطاع مرزا أن يتمكن من شاه رخ ويضعه في السجن, وأعلن نفسه شاهًا على فارس ولكن يوسف على قائد جيوش شاه رخ قد تمكن من قتل مرزا وأبنائه, وأعاد شاه رخ إلى الحكم وأعلن نفسه وصيًّا عليه؛ لأنه كفيف وصغير.
وتدخل قائدان أحدهما يقود فرقة بحرية عربية ويدعى علم خان, والآخر يقود فرقة كردية ويدعى جعفر خان فقبضا على يوسف وقتلاه وأودعا شاه رخ في السجن, ثم اختلفا واقتتلا فانتصر علم خان, ثم قتل علم خان في حربه مع أحمد خان الدوراني حاكم بلاد الأفغان, الذي ضم إليه بلاد خراسان من الفرس، ومات شاه رخ في السجن عام 1210هـ وانتهى حكم الأفشار.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 6:50 am عدل 2 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة أيران منذالزنديون حتى الان))
قصة إيران منذ الزنديون حتى الآن
الزنديـون
كريم خان:
كان كريم خان الزندي الكردي في جيش نادر خان قد تحالف مع زعيم البختيار, ثم اختلف معه فقتله وخضع له بذلك الجزء الجنوبي، ثم دخل في حرب مع القاجار والأفغان، واستطاع في النهاية أن ينتصر عليهم واستقرت البلاد.
زكى خان:
هو أخو كريم خان من أمه، تسلم الحكم بعد وفاة أخيه ولكنه وُوجه بأبي الفتح بن كريم, فلجأ إلى الحيلة بإعلان أنه من جند كريم خان, وما إن استتب له الأمر حتى قضى على كل خصومه, ووقف جنده بعد ذلك مع صادق خان أخي كريم خان فهدد بإبادة كل من يعين صادق خان فخاف الناس.
أرسل جيشًا لمحاربة القاجار المعارضين له وكان قائدهم أغا محمد, فانقلب قائد جيش زكي خان، وكان يدعى مراد خان علي زكي خان، واغتالوه عام 1195هـ.
سقوط الدولة الزندية:
خلا الجو لأبي الفتح بن كريم فتولى الحكم ولكن صادق خان عمه قد وقف في وجهه, وخلعه وتسلم مكانه ثم جاء القائد علي مراد خان وتمرد على صادق خان وقتله, وقتل جميع أسرته باستثناء جعفر خان, ووقعت الحرب بين علي مراد خان والقاجار فاستغل جعفر خان الفرصة وقام بثورة, ومات على مراد خان وهو في طريقه لإخماد الثورة.
ثم أصبحت الحرب بين القاجار بقيادة أغا محمد وجعفر خان ومات جعفر مسمومًا, ثم تولى ابنه لطف خان قيادة جيشه فهزم أمام القاجار، واضطر في النهاية إلى الاستسلام إليهم فقتلوه, وقتلوا كل من بقي في أسرة الزندية، وانتهت تمامًا عام 1209هـ.
القاجار
أغا محمد قاجار:
بعد أن قضى على أسرة الزندية عام 1209هـ، واستطاع أن يضم إليه جورجيا وأرمينيا, وكان الجيش الروسي قد احتل داغستان، وبدأ يتوغل في أذربيجان, ولكنه انسحب عندما ماتت القيصرة كاترينا الثانية, وجاء من بعدها قيصر مسالم.. واتخذ أغا محمد من طهران عاصمة لدولته، وقتل عام 1211هـ.
فتح علي شاه:
حاول عقد المعاهدات مع الصليبيين ولكنهم كانوا باستمرار يخذلونه, فقد حاول مع الإنجليز وكانوا على وشك إبرامها, ولكن خافت إنجلترا من أن ينتج عن المعاهدة تعاون بين الروس والفرنسيين فلم يبرمها, فاتجه إلى فرنسا وأبرم معاهدة وتنازل لها عن جزيرة خرج في الخليج العربي, وبعد شهرين من المعاهدة أبرمت فرنسا مع روسيا معاهدة تعطى لروسيا الحق في التوسع في الدولة الفارسية والعثمانية, وبالفعل هاجمت روسيا الأراضي الفارسية, واحتلت أرمينيا, واضطر الشاه أن يعقد اتفاقية مع روسيا يتنازل فيها عن داغستان وجورجيا وأرمينيا ونصف أذربيجان وغيرها, ولم يقنع الروس بهذا بل احتلوا تبريز عام 1243هـ، وأجبروا الشاه على توقيع معاهدة تركمان جاي.
حارب العثمانيين عام 1235هـ، وكان يريد بذلك استرداد العراق, وقد استطاع أن يستعيد بعض أملاكه السابقة, ووقع معاهدة أرضروم عام 1238هـ بين الطرفين.
محمد شاه عباس:
وهو حفيد فتح علي شاه, تولى الحكم عام 1250هـ، وكثرت في عهده الثورات ولكنه قضى عليها جميعًا, وظهرت في عهده الحركة البابية والتي تفرعت منها البهائية, وهي إحدى الفرق الضالة, بدعم من الروس لكي تنشب الفتنة بين المسلمين، وحارب فرقة الإسماعيلية الضالة بعد أن فر قائدها إلى الهند, ودعمه الإنجليز في شن غارات على فارس. وتوغل الأفغان في إقليم سستان، واحتل الإنجليز جزيرة خرج.
ناصر الدين شاه:
تولى الحكم عام 1264هـ وفي عهده قامت ثورة البابية عام 1264هـ وأعدم زعيمهم, ونفى حسن بن علي المازندراني وبهاء الله الذي أسس فرقة البهائية الضالة, والتي دعمها الإنجليز وساعد الإنجليز ضد أمير الأفغان ووش محمد, واضطر ناصر الدين أن ينسحب من غرب أفغانستان, بعد معاهدة باريس عام 1274هـ بين إنجلترا والأفغان, واحتل الإنجليز ميناء بوشهر على الخليج العربي وميناء المحمرة على شط العرب، وزاد النفوذ الروسي في شمال البلاد بينما زاد النفوذ البريطاني في الجنوب.
وقامت ضد الشاه حركة سلمية يقودها أحد علماء الشيعة وذلك للتدخل الإنجليزي, واستبداد الشاه, فأحب الشاه أن يرضيهم, فألغى معاهدة التبغ مع شركة تالبوت الإنجليزية.
مظفر الدين شاه:
تولى الحكم عام 1313هـ وأقام في عهده المجلس التشريعي وقامت في عهده عدة حركات، وتوفي عام 1324هـ.
محمد علي شاه:
قسم الروس والإنجليز البلاد في عهده إلى مناطق نفوذ, وأراد أن يفرض الحكم العسكري على البلاد, فتحرك الجنود الروس وضربوا مبنى المجلس النيابي, فحدثت ثورة في البلاد لاستبداد الحاكم ونفوذ الروس الكبير في البلاد, حتى اضطر إلى منح البلاد دستورًا ولكن الثورات لم تهدأ، فاضطر أن يغادر البلاد إلى روسيا, وعين بدلاً منه ابنه الصغير أحمد شاه, وعين عضد الملك وصيًّا عليه, ولما مات عين أبا القاسم خان ناصر الملك وصيًّا.
أحمد شاه:
عندما تسلم الحكم كان تحت الوصاية فعاش حياة الترف واللهو وحتى بعدما بلغ سن الرشد وتوج ملكًا لم يتغير أسلوبه في الحياة, وفي عهده اتفق الإنجليز والروس على تقسيم البلاد إلى 3 مناطق نفوذ, الأولى: في الشمال وهي للروس, والثانية: في الجنوب وهي لإنجلترا, والثالثة: في الوسط وهي محايدة, وفيها حكومة طهران وتعهدوا بعدم المنافسة في أي من المجالات السياسية أو التجارية.. وحدثت الحرب العالمية الأولى وكانت فارس أرضًا لنزاع الروس والإنجليز من جهة, والألمان والعثمانيين من جهة أخرى، فلما انتهت الحرب كانت روسيا قد سحبت نفوذها من فارس, حتى تتفرغ للثورة الشيوعية, وحتى لا تعين فارس معارضي الثورة الشيوعية, فخلا الأمر للإنجليز وعقدت مع فارس اتفاقية عام 1337هـ تعترف باستقلال فارس، ولكنها في الحقيقة تتضمن فرض الحماية البريطانية على فارس, فانتقد الشعب الفارسي هذه الاتفاقية وقامت الثورات والحركات الانفصالية في أذربيجان وجيلان وخراسان ومازندران وغيرها, إضافةً إلى أن الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى قد رفضتها.
انقلاب حوت:
قاده كل من رضا بهلوي وضياء الدين الطباطبائي وهو انقلاب سلمي لتغيير الحكومة وإلغاء الاتفاقية بين فارس وإنجلترا, ووجد الإنجليز في رضا بهلوي الصفات التي يتمنونها في رجالهم من تسلط وحب للزعامة, فأعانوه واضطر الشاه لأن يغير الحكومة ويكلف ضياء الدين الطباطبائي بتشكيل الحكومة الجديدة وأشار الطباطبائي إلى إنجلترا بأن الحكومة الجديدة لكي تنجح يجب أن تلغي الاتفاقية مع إنجلترا, فوافقت إنجلترا على إلغائها ليكون نفوذها في إيران خفيًّا لا ظاهرًا ولإنجاح عملائها.
أما رضا بهلوي فكان طموحه أكبر من ذلك بكثير, فتولى قيادة فرق القوزاق التي هي القوة العسكرية العظمى في إيران، وبذلك يكون له التحكم الحقيقي، ويستطيع في أي وقت أن يغير النظام، وأخذ يفرض إرادته على الحكومة, وأجبرها على دمج الشرطة في وزارة الحربية وفرض نفسه زعيمًا لوزارة الحربية مع احتفاظه بقيادة فرق القوزاق, وأخذ يتصل بالكتلة الوطنية ليحقق بها أهدافه المنشودة, ثم أخذ يحرج الحكومة ويعمل على تشويه صورتها حتى تقوم عليها الثورات، وأجبر الشاه على عزل صديقه ضياء الدين الطباطبائي من رئاسة الحكومة؛ ليخلو له الجو ودعت بريطانيا فارس لتولية رضا بهلوي رئاسة الحكومة, ولكن الشاه رفض فتوالى على رئاسة الحكومة عدة رؤساء كان رضا بهلوي يعمل دائمًا على إفشالهم، وعزلهم حتى اضطر الشاه إلى تعيين رضا بهلوي رئيسًا للحكومة، فاستتب له الأمر وفرض نفسه وجعل المجلس النيابي يختاره ملكًا للبلاد عام 1344هـ, وبذلك انتهى حكم الأسرة القاجارية.
الأسرة البهلوية
رضا بهلوي:
أعلن نفسه شاها بعدم سيطرة للبلاد وأصبحت كل مقاليد الحكم بيده وغير اسم البلاد من فارس إلى إيران, ليوهم الشعب الفرس على الشعوب الأخرى داخل بلاده من ترك وعرب وأكراد, وغيرهم, وكان منفتحًا على الفكر الأوربي فظهرت نساؤه الثلاث سافرات, وأمر بخلع الزي الإيراني, ولبس الزي الإفرنجي وأمر الشرطة بنزع الحجاب عن وجوه النساء, وكل ذلك إرضاءً لأوربا, ولم يستطع زعماء الشيعة معارضته باستثناء والد الخميني في مدينة قم, فذهب إليه الشاه بنفسه وضربه حتى أسكته, واستطاع رضا بهلوي أن يقضي على جميع معارضيه، وعمد إلى تطبيق القانون الفرنسي.
ووقع الشاه اتفاقية مع العراق عام 1356هـ، تنازل فيها العراق عن جزء من شط العرب يقدر بـ 7750 مترًا.
إيران والحرب العالمية الثانية:
أعلن الشاه حياده التام في بداية الأمر, ثم اكتسحت ألمانيا أوربا اكتساحًا كبيرًا فأخذ الشاه يميل إلى ألمانيا, وكانت إيران هي المصدر الوحيد لألمانيا في المواد الخام, وخاصة في بداية الحرب حيث كان الروس متحالفين مع ألمانيا, ثم تحول التحالف بين الروس والألمان إلى عداء ودخلت ألمانيا الأراضي الروسية, فأكد الشاه حياد بلاده, وفي نفس الوقت كان التعاون مع الألمان يتم سرًّا وكثر عدد العملاء والخبراء الألمان في إيران، فدعا الحلفاء إلى ترحيل الألمان الذين لا تدعو الحاجة لوجودهم في إيران, فرفض الشاه وهو يظن أن الألمان ستكون لهم الغلبة, وسيردون إليه القوقاز من روسيا.
ولكن انهزم الألمان فوافق الشاه على إبعاد الألمان من بلاده ثم فرض الحلفاء عليه تسليمهم, فاضطر للموافقة على ذلك وحاولوا التذرع بأي شيء لدخول إيران حتى أسرعوا بدخولها عام 1360هـ، وتقدم الروس في أذربيجان واحتلوا تبريز ودخل الإنجليز من الهند ومن العراق إلى ولاية كرمنشاه, وفي نفس الوقت تقدمت البحرية الإنجليزية في اتجاه ميناء المحمرة واضطرت إيران في النهاية إلى توقيع اتفاقية توافق بموجبها على بقاء القوات الروسية والإنجليزية في الأراضي التي احتلتها في إيران, وطرد البعثات السياسية لدول المحور, وأجبرت روسيا وإنجلترا الشاه على التنازل عن العرش لابنه محمد, وغادر الشاه البلاد إلى جزيرة موريشيوس حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية هناك, ثم انتهى به المطاف إلى مدينة جوهانسبرج في جنوب إفريقيا حتى مات.
محمد رضا بهلوي:
تسلم الحكم عام 1360هـ في أثناء الحرب العالمية الثانية وأظهر ميله للإنجليز والروس, لأنهم يسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد وكان الشاه ميالاً لحياة اللهو والترف, وكون شرطة سرية بلغت في آخر أيامه 50000 شرطي سرى (السافاك) عقدت معاهدة بين الإنجليز والروس وإيران تعترف فيها إنجلترا وروسيا باستقلال إيران, وتعهدا بسحب قواتهما من إيران بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب مع ألمانيا, وأعلنت إيران عام 1362هـ الحرب على دول المحور لترضى الحلفاء.
وبدأ النفوذ الأمريكي يدخل إيران في الحرب العالمية الثانية, وأخذ الخبراء الأمريكيون يتدفقون على إيران ويحلون محل الألمان.. وفي عام 1362هـ عقد مؤتمر في طهران حضره كل من رئيس أمريكا روزفلت, والرئيس الروسي ستالين, ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل, أكدوا فيها استقلال إيران وأشاع الروس والإنجليز أنهم سيعيدون الأسرة القاجارية إلى الحكم حتى يخضع لهم الشاه، فلجأ لأمريكا فأصدر الرئيس الأمريكي بيانًا يؤكد فيه أنه لن يسمح أبدًا بتقسيم إيران.
وكانت الشعوب الغير فارسية في إيران دائمًا مهملة, ويفضل عليهم الفرس, فأخذت الحركات الثورية تقوم, وفي نفس الوقت كانت روسيا وإنجلترا تساعدهم وذلك لإثارة الفتن بين المسلمين والعمل على تفتيتهم ونشر مفاهيم القومية.
ومن الحركات التي ظهرت إعلان جمهوريتي أذربيجان وكردستان المستقلتين عن إيران عام 1365هـ ولكن حكومة إيران عملت على إيقاع الشقاق بينهما, ثم داهمت القوات الإيرانية الجمهوريتين فاستسلمت أذربيجان, واقتحمت القوات الإيرانية كردستان, التي قاومت واستطاعت إيران إخضاع كردستان بعد أن قتلت 15.000كردى, وأعدمت زعماء الانفصال. ونظرًا لنفوذ الإنجليز فكان الشاه يجاملهم ولو على حساب دينه, فعندما ظهرت قضية فلسطين وتقسيمها وإعلان دولة إسرائيل رفضت الدول الإسلامية كلها ذلك باستثناء تركيا وإيران اللتين كان للإنجليز نفوذ فيهما.
وحرصت أمريكا على تقوية إيران عسكريًّا, وذلك لعدة أهداف منها: مناهضة الشيوعية القريبة منها في روسيا, ولأن السكان أكثرهم من الشيعة فيختلفون عمن حولهم من المسلمين السُّنَّة, فتكون قنبلة موقوتة للمنطقة, وفي نفس الوقت لا تعادي إيران إسرائيل وليدة أمريكا, وفي نفس الوقت تكون ردءًا للعراق ذات النفوذ الإنجليزي؛ ولذلك دعمت إيران الأكراد المتمردين في العراق حتى التقى ممثلو الدولتين في الجزائر في مؤتمر أوبك (الدول المصدرة للبترول) عام 1395هـ، واتفقوا على كف إيران عن مساعدة التمرد الكردي في العراق في مقابل التفاهم حول منطقة شط العرب.
الثورة الإسلامية
شاع في البلاد فساد الشاه, وولعه بالنساء والجنس, وجزيرة كبش التي أعدها لتكون مقرًّا للرذيلة والفجور, وانتشرت أفاعيل أخته الأميرة أشرف في قصرها, وزاد الطين بله فساد المجتمع وانتشار زواج المتعة في البلاد الذي يحله الشيعة, إضافةً إلى الإسراف والبذخ, وتدهور اقتصاد البلاد برغم إمكانياتها وما ترتكبه الشرطة السرية (السافاك) من تعذيب وقتل لكل من يظهر المعارضة للشاه, وبرز الخميني واندلعت الثورات في أنحاء إيران واستمرت لمدة عام وكان ذلك في عام 1399هـ قتل فيها أكثر من 76 ألف قتيل من الشعب الإيراني, واضطر الشاه أن يغادر البلاد ووصل الخميني من فرنسا فاستقبلته الجماهير الإيرانية، وأعلن قيام الجمهورية الإسلامية, وعين أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية ومهدي بازر رئيسًا للوزراء.
وأعلنت الثورة مبادئها التي كانت تبديها فقط لتكسب التأييد الداخلي والخارجي من المسلمين, ومنها العمل بالإسلام دون التعصب للمذهب الشيعي ومبادئه، وكذلك تأييد القضية الفلسطينية ومعاداة الصليبية، وقطعت علاقاتها مع أمريكا, ولكن بمجرد ما استتب لهم الأمر بدأت الأقنعة تسقط, وبدءوا يظهرون نزعتهم الشيعية المتعصبة ضد المسلمين السنة, وبدءوا يضيقون الخناق عليهم, وكان الخميني هو الحاكم الفعلي لإيران والحكومة كانت صورة فقط للدولة.
الحرب مع العراق:
طالبت العراق إيران بإيعاز من أمريكا باسترجاع ما أخذته من شط العرب, والانسحاب من جزيرتي طنب وأبي موسى اللتين احتلتهما إيران من الإمارات عام 1391هـ؛ ولكي تفرض على إيران الحرب طالبت بمنطقة عربستان من إيران, والتي تقطنها غالبية عربية, وبها المصدر الرئيسي للبترول في إيران، فاندلعت الحرب بين الدولتين عام 1400هـ، والتي بدأتها العراق بدخول قواتها لأراضي إيران, واستمرت الحرب ثمانية أعوام حتى توقف إطلاق النار في بداية عام 1409هـ، وتبين في هذه الحرب أن أمريكا كانت تمد إيران بالأسلحة, وكذلك اليهود, وبذلك انكشفت المؤامرة التي أشعلت نيران الحرب لاستنزاف المسلمين.
ومنذ قيام الثورة وحتى موت الخميني كان الخميني هو المتحكم الفعلي في البلاد, وكان له الدور الأكبر في عزل وتولية رؤساء إيران، فقد عزل أبا الحسن بني صدر, وعين مكانه محمد رجائي, وفر أبو الحسن بني صدر إلى باريس, هو ومسعود رجوي, الذي كوَّن منظمة مجاهدي خلق ضد النظام الإيراني, وفي عام 1401هـ قتل رئيس الجمهورية محمد علي رجائي، وكذلك رئيس الحكومة محمد جواد في انفجار قنبلة, ثم تولى المنصب الرئيس على خامنئي حتى عام 1409هـ، وفي هذا العام مات الخميني, ثم تولى رئاسة إيران على أكبر هاشمي رفسنجاني ثم محمد خاتمي.
ثم عاد رفسنجاني ليخوض معركة انتخابية بعد انتهاء فترة محمد خاتمي، ولكنه مُني بهزيمة ساحقة أمام أحمدي نجاد محافظ طهران.
تبلغ نسبة المسلمين السنة في إيران 36% بينما تبلغ نسبة الشيعة 62%، ومما هو جدير بالذكر أن نسبة الشيعة في إيران كانت لا تزيد على 10% في عهد إسماعيل الصفوي, ولكن استمرار حكم الصفويين الشيعة الذي بلغ ما يقرب من 200 عام قد أثر في الشعب الفارسي, وخاصة مع الوسائل التي كان الشيعة يتبعونها مع السنة من اضطهاد وإجبار في كثير من الأحيان على اعتناق المذهب الشيعي؛ فأدى ذلك إلى انتشار المذهب الشيعي في البلاد وهجرة الكثير من أهل السنة، والذين بقوا منهم حتى الآن يضيق عليهم الخناق باستمرار
الزنديـون
كريم خان:
كان كريم خان الزندي الكردي في جيش نادر خان قد تحالف مع زعيم البختيار, ثم اختلف معه فقتله وخضع له بذلك الجزء الجنوبي، ثم دخل في حرب مع القاجار والأفغان، واستطاع في النهاية أن ينتصر عليهم واستقرت البلاد.
زكى خان:
هو أخو كريم خان من أمه، تسلم الحكم بعد وفاة أخيه ولكنه وُوجه بأبي الفتح بن كريم, فلجأ إلى الحيلة بإعلان أنه من جند كريم خان, وما إن استتب له الأمر حتى قضى على كل خصومه, ووقف جنده بعد ذلك مع صادق خان أخي كريم خان فهدد بإبادة كل من يعين صادق خان فخاف الناس.
أرسل جيشًا لمحاربة القاجار المعارضين له وكان قائدهم أغا محمد, فانقلب قائد جيش زكي خان، وكان يدعى مراد خان علي زكي خان، واغتالوه عام 1195هـ.
سقوط الدولة الزندية:
خلا الجو لأبي الفتح بن كريم فتولى الحكم ولكن صادق خان عمه قد وقف في وجهه, وخلعه وتسلم مكانه ثم جاء القائد علي مراد خان وتمرد على صادق خان وقتله, وقتل جميع أسرته باستثناء جعفر خان, ووقعت الحرب بين علي مراد خان والقاجار فاستغل جعفر خان الفرصة وقام بثورة, ومات على مراد خان وهو في طريقه لإخماد الثورة.
ثم أصبحت الحرب بين القاجار بقيادة أغا محمد وجعفر خان ومات جعفر مسمومًا, ثم تولى ابنه لطف خان قيادة جيشه فهزم أمام القاجار، واضطر في النهاية إلى الاستسلام إليهم فقتلوه, وقتلوا كل من بقي في أسرة الزندية، وانتهت تمامًا عام 1209هـ.
القاجار
أغا محمد قاجار:
بعد أن قضى على أسرة الزندية عام 1209هـ، واستطاع أن يضم إليه جورجيا وأرمينيا, وكان الجيش الروسي قد احتل داغستان، وبدأ يتوغل في أذربيجان, ولكنه انسحب عندما ماتت القيصرة كاترينا الثانية, وجاء من بعدها قيصر مسالم.. واتخذ أغا محمد من طهران عاصمة لدولته، وقتل عام 1211هـ.
فتح علي شاه:
حاول عقد المعاهدات مع الصليبيين ولكنهم كانوا باستمرار يخذلونه, فقد حاول مع الإنجليز وكانوا على وشك إبرامها, ولكن خافت إنجلترا من أن ينتج عن المعاهدة تعاون بين الروس والفرنسيين فلم يبرمها, فاتجه إلى فرنسا وأبرم معاهدة وتنازل لها عن جزيرة خرج في الخليج العربي, وبعد شهرين من المعاهدة أبرمت فرنسا مع روسيا معاهدة تعطى لروسيا الحق في التوسع في الدولة الفارسية والعثمانية, وبالفعل هاجمت روسيا الأراضي الفارسية, واحتلت أرمينيا, واضطر الشاه أن يعقد اتفاقية مع روسيا يتنازل فيها عن داغستان وجورجيا وأرمينيا ونصف أذربيجان وغيرها, ولم يقنع الروس بهذا بل احتلوا تبريز عام 1243هـ، وأجبروا الشاه على توقيع معاهدة تركمان جاي.
حارب العثمانيين عام 1235هـ، وكان يريد بذلك استرداد العراق, وقد استطاع أن يستعيد بعض أملاكه السابقة, ووقع معاهدة أرضروم عام 1238هـ بين الطرفين.
محمد شاه عباس:
وهو حفيد فتح علي شاه, تولى الحكم عام 1250هـ، وكثرت في عهده الثورات ولكنه قضى عليها جميعًا, وظهرت في عهده الحركة البابية والتي تفرعت منها البهائية, وهي إحدى الفرق الضالة, بدعم من الروس لكي تنشب الفتنة بين المسلمين، وحارب فرقة الإسماعيلية الضالة بعد أن فر قائدها إلى الهند, ودعمه الإنجليز في شن غارات على فارس. وتوغل الأفغان في إقليم سستان، واحتل الإنجليز جزيرة خرج.
ناصر الدين شاه:
تولى الحكم عام 1264هـ وفي عهده قامت ثورة البابية عام 1264هـ وأعدم زعيمهم, ونفى حسن بن علي المازندراني وبهاء الله الذي أسس فرقة البهائية الضالة, والتي دعمها الإنجليز وساعد الإنجليز ضد أمير الأفغان ووش محمد, واضطر ناصر الدين أن ينسحب من غرب أفغانستان, بعد معاهدة باريس عام 1274هـ بين إنجلترا والأفغان, واحتل الإنجليز ميناء بوشهر على الخليج العربي وميناء المحمرة على شط العرب، وزاد النفوذ الروسي في شمال البلاد بينما زاد النفوذ البريطاني في الجنوب.
وقامت ضد الشاه حركة سلمية يقودها أحد علماء الشيعة وذلك للتدخل الإنجليزي, واستبداد الشاه, فأحب الشاه أن يرضيهم, فألغى معاهدة التبغ مع شركة تالبوت الإنجليزية.
مظفر الدين شاه:
تولى الحكم عام 1313هـ وأقام في عهده المجلس التشريعي وقامت في عهده عدة حركات، وتوفي عام 1324هـ.
محمد علي شاه:
قسم الروس والإنجليز البلاد في عهده إلى مناطق نفوذ, وأراد أن يفرض الحكم العسكري على البلاد, فتحرك الجنود الروس وضربوا مبنى المجلس النيابي, فحدثت ثورة في البلاد لاستبداد الحاكم ونفوذ الروس الكبير في البلاد, حتى اضطر إلى منح البلاد دستورًا ولكن الثورات لم تهدأ، فاضطر أن يغادر البلاد إلى روسيا, وعين بدلاً منه ابنه الصغير أحمد شاه, وعين عضد الملك وصيًّا عليه, ولما مات عين أبا القاسم خان ناصر الملك وصيًّا.
أحمد شاه:
عندما تسلم الحكم كان تحت الوصاية فعاش حياة الترف واللهو وحتى بعدما بلغ سن الرشد وتوج ملكًا لم يتغير أسلوبه في الحياة, وفي عهده اتفق الإنجليز والروس على تقسيم البلاد إلى 3 مناطق نفوذ, الأولى: في الشمال وهي للروس, والثانية: في الجنوب وهي لإنجلترا, والثالثة: في الوسط وهي محايدة, وفيها حكومة طهران وتعهدوا بعدم المنافسة في أي من المجالات السياسية أو التجارية.. وحدثت الحرب العالمية الأولى وكانت فارس أرضًا لنزاع الروس والإنجليز من جهة, والألمان والعثمانيين من جهة أخرى، فلما انتهت الحرب كانت روسيا قد سحبت نفوذها من فارس, حتى تتفرغ للثورة الشيوعية, وحتى لا تعين فارس معارضي الثورة الشيوعية, فخلا الأمر للإنجليز وعقدت مع فارس اتفاقية عام 1337هـ تعترف باستقلال فارس، ولكنها في الحقيقة تتضمن فرض الحماية البريطانية على فارس, فانتقد الشعب الفارسي هذه الاتفاقية وقامت الثورات والحركات الانفصالية في أذربيجان وجيلان وخراسان ومازندران وغيرها, إضافةً إلى أن الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى قد رفضتها.
انقلاب حوت:
قاده كل من رضا بهلوي وضياء الدين الطباطبائي وهو انقلاب سلمي لتغيير الحكومة وإلغاء الاتفاقية بين فارس وإنجلترا, ووجد الإنجليز في رضا بهلوي الصفات التي يتمنونها في رجالهم من تسلط وحب للزعامة, فأعانوه واضطر الشاه لأن يغير الحكومة ويكلف ضياء الدين الطباطبائي بتشكيل الحكومة الجديدة وأشار الطباطبائي إلى إنجلترا بأن الحكومة الجديدة لكي تنجح يجب أن تلغي الاتفاقية مع إنجلترا, فوافقت إنجلترا على إلغائها ليكون نفوذها في إيران خفيًّا لا ظاهرًا ولإنجاح عملائها.
أما رضا بهلوي فكان طموحه أكبر من ذلك بكثير, فتولى قيادة فرق القوزاق التي هي القوة العسكرية العظمى في إيران، وبذلك يكون له التحكم الحقيقي، ويستطيع في أي وقت أن يغير النظام، وأخذ يفرض إرادته على الحكومة, وأجبرها على دمج الشرطة في وزارة الحربية وفرض نفسه زعيمًا لوزارة الحربية مع احتفاظه بقيادة فرق القوزاق, وأخذ يتصل بالكتلة الوطنية ليحقق بها أهدافه المنشودة, ثم أخذ يحرج الحكومة ويعمل على تشويه صورتها حتى تقوم عليها الثورات، وأجبر الشاه على عزل صديقه ضياء الدين الطباطبائي من رئاسة الحكومة؛ ليخلو له الجو ودعت بريطانيا فارس لتولية رضا بهلوي رئاسة الحكومة, ولكن الشاه رفض فتوالى على رئاسة الحكومة عدة رؤساء كان رضا بهلوي يعمل دائمًا على إفشالهم، وعزلهم حتى اضطر الشاه إلى تعيين رضا بهلوي رئيسًا للحكومة، فاستتب له الأمر وفرض نفسه وجعل المجلس النيابي يختاره ملكًا للبلاد عام 1344هـ, وبذلك انتهى حكم الأسرة القاجارية.
الأسرة البهلوية
رضا بهلوي:
أعلن نفسه شاها بعدم سيطرة للبلاد وأصبحت كل مقاليد الحكم بيده وغير اسم البلاد من فارس إلى إيران, ليوهم الشعب الفرس على الشعوب الأخرى داخل بلاده من ترك وعرب وأكراد, وغيرهم, وكان منفتحًا على الفكر الأوربي فظهرت نساؤه الثلاث سافرات, وأمر بخلع الزي الإيراني, ولبس الزي الإفرنجي وأمر الشرطة بنزع الحجاب عن وجوه النساء, وكل ذلك إرضاءً لأوربا, ولم يستطع زعماء الشيعة معارضته باستثناء والد الخميني في مدينة قم, فذهب إليه الشاه بنفسه وضربه حتى أسكته, واستطاع رضا بهلوي أن يقضي على جميع معارضيه، وعمد إلى تطبيق القانون الفرنسي.
ووقع الشاه اتفاقية مع العراق عام 1356هـ، تنازل فيها العراق عن جزء من شط العرب يقدر بـ 7750 مترًا.
إيران والحرب العالمية الثانية:
أعلن الشاه حياده التام في بداية الأمر, ثم اكتسحت ألمانيا أوربا اكتساحًا كبيرًا فأخذ الشاه يميل إلى ألمانيا, وكانت إيران هي المصدر الوحيد لألمانيا في المواد الخام, وخاصة في بداية الحرب حيث كان الروس متحالفين مع ألمانيا, ثم تحول التحالف بين الروس والألمان إلى عداء ودخلت ألمانيا الأراضي الروسية, فأكد الشاه حياد بلاده, وفي نفس الوقت كان التعاون مع الألمان يتم سرًّا وكثر عدد العملاء والخبراء الألمان في إيران، فدعا الحلفاء إلى ترحيل الألمان الذين لا تدعو الحاجة لوجودهم في إيران, فرفض الشاه وهو يظن أن الألمان ستكون لهم الغلبة, وسيردون إليه القوقاز من روسيا.
ولكن انهزم الألمان فوافق الشاه على إبعاد الألمان من بلاده ثم فرض الحلفاء عليه تسليمهم, فاضطر للموافقة على ذلك وحاولوا التذرع بأي شيء لدخول إيران حتى أسرعوا بدخولها عام 1360هـ، وتقدم الروس في أذربيجان واحتلوا تبريز ودخل الإنجليز من الهند ومن العراق إلى ولاية كرمنشاه, وفي نفس الوقت تقدمت البحرية الإنجليزية في اتجاه ميناء المحمرة واضطرت إيران في النهاية إلى توقيع اتفاقية توافق بموجبها على بقاء القوات الروسية والإنجليزية في الأراضي التي احتلتها في إيران, وطرد البعثات السياسية لدول المحور, وأجبرت روسيا وإنجلترا الشاه على التنازل عن العرش لابنه محمد, وغادر الشاه البلاد إلى جزيرة موريشيوس حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية هناك, ثم انتهى به المطاف إلى مدينة جوهانسبرج في جنوب إفريقيا حتى مات.
محمد رضا بهلوي:
تسلم الحكم عام 1360هـ في أثناء الحرب العالمية الثانية وأظهر ميله للإنجليز والروس, لأنهم يسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد وكان الشاه ميالاً لحياة اللهو والترف, وكون شرطة سرية بلغت في آخر أيامه 50000 شرطي سرى (السافاك) عقدت معاهدة بين الإنجليز والروس وإيران تعترف فيها إنجلترا وروسيا باستقلال إيران, وتعهدا بسحب قواتهما من إيران بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب مع ألمانيا, وأعلنت إيران عام 1362هـ الحرب على دول المحور لترضى الحلفاء.
وبدأ النفوذ الأمريكي يدخل إيران في الحرب العالمية الثانية, وأخذ الخبراء الأمريكيون يتدفقون على إيران ويحلون محل الألمان.. وفي عام 1362هـ عقد مؤتمر في طهران حضره كل من رئيس أمريكا روزفلت, والرئيس الروسي ستالين, ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل, أكدوا فيها استقلال إيران وأشاع الروس والإنجليز أنهم سيعيدون الأسرة القاجارية إلى الحكم حتى يخضع لهم الشاه، فلجأ لأمريكا فأصدر الرئيس الأمريكي بيانًا يؤكد فيه أنه لن يسمح أبدًا بتقسيم إيران.
وكانت الشعوب الغير فارسية في إيران دائمًا مهملة, ويفضل عليهم الفرس, فأخذت الحركات الثورية تقوم, وفي نفس الوقت كانت روسيا وإنجلترا تساعدهم وذلك لإثارة الفتن بين المسلمين والعمل على تفتيتهم ونشر مفاهيم القومية.
ومن الحركات التي ظهرت إعلان جمهوريتي أذربيجان وكردستان المستقلتين عن إيران عام 1365هـ ولكن حكومة إيران عملت على إيقاع الشقاق بينهما, ثم داهمت القوات الإيرانية الجمهوريتين فاستسلمت أذربيجان, واقتحمت القوات الإيرانية كردستان, التي قاومت واستطاعت إيران إخضاع كردستان بعد أن قتلت 15.000كردى, وأعدمت زعماء الانفصال. ونظرًا لنفوذ الإنجليز فكان الشاه يجاملهم ولو على حساب دينه, فعندما ظهرت قضية فلسطين وتقسيمها وإعلان دولة إسرائيل رفضت الدول الإسلامية كلها ذلك باستثناء تركيا وإيران اللتين كان للإنجليز نفوذ فيهما.
وحرصت أمريكا على تقوية إيران عسكريًّا, وذلك لعدة أهداف منها: مناهضة الشيوعية القريبة منها في روسيا, ولأن السكان أكثرهم من الشيعة فيختلفون عمن حولهم من المسلمين السُّنَّة, فتكون قنبلة موقوتة للمنطقة, وفي نفس الوقت لا تعادي إيران إسرائيل وليدة أمريكا, وفي نفس الوقت تكون ردءًا للعراق ذات النفوذ الإنجليزي؛ ولذلك دعمت إيران الأكراد المتمردين في العراق حتى التقى ممثلو الدولتين في الجزائر في مؤتمر أوبك (الدول المصدرة للبترول) عام 1395هـ، واتفقوا على كف إيران عن مساعدة التمرد الكردي في العراق في مقابل التفاهم حول منطقة شط العرب.
الثورة الإسلامية
شاع في البلاد فساد الشاه, وولعه بالنساء والجنس, وجزيرة كبش التي أعدها لتكون مقرًّا للرذيلة والفجور, وانتشرت أفاعيل أخته الأميرة أشرف في قصرها, وزاد الطين بله فساد المجتمع وانتشار زواج المتعة في البلاد الذي يحله الشيعة, إضافةً إلى الإسراف والبذخ, وتدهور اقتصاد البلاد برغم إمكانياتها وما ترتكبه الشرطة السرية (السافاك) من تعذيب وقتل لكل من يظهر المعارضة للشاه, وبرز الخميني واندلعت الثورات في أنحاء إيران واستمرت لمدة عام وكان ذلك في عام 1399هـ قتل فيها أكثر من 76 ألف قتيل من الشعب الإيراني, واضطر الشاه أن يغادر البلاد ووصل الخميني من فرنسا فاستقبلته الجماهير الإيرانية، وأعلن قيام الجمهورية الإسلامية, وعين أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية ومهدي بازر رئيسًا للوزراء.
وأعلنت الثورة مبادئها التي كانت تبديها فقط لتكسب التأييد الداخلي والخارجي من المسلمين, ومنها العمل بالإسلام دون التعصب للمذهب الشيعي ومبادئه، وكذلك تأييد القضية الفلسطينية ومعاداة الصليبية، وقطعت علاقاتها مع أمريكا, ولكن بمجرد ما استتب لهم الأمر بدأت الأقنعة تسقط, وبدءوا يظهرون نزعتهم الشيعية المتعصبة ضد المسلمين السنة, وبدءوا يضيقون الخناق عليهم, وكان الخميني هو الحاكم الفعلي لإيران والحكومة كانت صورة فقط للدولة.
الحرب مع العراق:
طالبت العراق إيران بإيعاز من أمريكا باسترجاع ما أخذته من شط العرب, والانسحاب من جزيرتي طنب وأبي موسى اللتين احتلتهما إيران من الإمارات عام 1391هـ؛ ولكي تفرض على إيران الحرب طالبت بمنطقة عربستان من إيران, والتي تقطنها غالبية عربية, وبها المصدر الرئيسي للبترول في إيران، فاندلعت الحرب بين الدولتين عام 1400هـ، والتي بدأتها العراق بدخول قواتها لأراضي إيران, واستمرت الحرب ثمانية أعوام حتى توقف إطلاق النار في بداية عام 1409هـ، وتبين في هذه الحرب أن أمريكا كانت تمد إيران بالأسلحة, وكذلك اليهود, وبذلك انكشفت المؤامرة التي أشعلت نيران الحرب لاستنزاف المسلمين.
ومنذ قيام الثورة وحتى موت الخميني كان الخميني هو المتحكم الفعلي في البلاد, وكان له الدور الأكبر في عزل وتولية رؤساء إيران، فقد عزل أبا الحسن بني صدر, وعين مكانه محمد رجائي, وفر أبو الحسن بني صدر إلى باريس, هو ومسعود رجوي, الذي كوَّن منظمة مجاهدي خلق ضد النظام الإيراني, وفي عام 1401هـ قتل رئيس الجمهورية محمد علي رجائي، وكذلك رئيس الحكومة محمد جواد في انفجار قنبلة, ثم تولى المنصب الرئيس على خامنئي حتى عام 1409هـ، وفي هذا العام مات الخميني, ثم تولى رئاسة إيران على أكبر هاشمي رفسنجاني ثم محمد خاتمي.
ثم عاد رفسنجاني ليخوض معركة انتخابية بعد انتهاء فترة محمد خاتمي، ولكنه مُني بهزيمة ساحقة أمام أحمدي نجاد محافظ طهران.
تبلغ نسبة المسلمين السنة في إيران 36% بينما تبلغ نسبة الشيعة 62%، ومما هو جدير بالذكر أن نسبة الشيعة في إيران كانت لا تزيد على 10% في عهد إسماعيل الصفوي, ولكن استمرار حكم الصفويين الشيعة الذي بلغ ما يقرب من 200 عام قد أثر في الشعب الفارسي, وخاصة مع الوسائل التي كان الشيعة يتبعونها مع السنة من اضطهاد وإجبار في كثير من الأحيان على اعتناق المذهب الشيعي؛ فأدى ذلك إلى انتشار المذهب الشيعي في البلاد وهجرة الكثير من أهل السنة، والذين بقوا منهم حتى الآن يضيق عليهم الخناق باستمرار
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 6:48 am عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة المغول في بلاد الصين ومنغوليا))
قصة المغول في بلاد الصين ومنغوليا
نتعرف هنا على تاريخ المنطقة التي أقطعها جنكيز خان لابنه أوغطاي وهي :بلاد المغول (منغوليا) ,والصين والخطا (تركستان الشرقية)، ونوجه انتباه القارئ إلى تداخل أسرة جغطاي وأسرة تولوي في حكم هذه المنطقة مع أسرة أوغطاي؛ كي لا يلتبس الأمر على القارئ، وسنتناول دراسة المنطقة التي تمثل الآن جمهورية الصين الشعبية وجمهورية منغوليا.
أوغطاي:
عندما مات جوجي بن جنكيز خان قبل موت أبيه نصب أوغطاي خانًا أعظم للمغول بعد موت جنكيز خان عام 626هـ.
كيوك:
عندما توفي أوغطاي تسلم ابنه كيوك منصب الخان الأعظم, وكان في ذلك الوقت يحارب تحت قيادة ابن عمه باتو بن جوجي في أوربا, وبمجرد تولى كيوك المنصب عام 644هـ أعلن تنصره بإيعاز من مربيه النصرانى وزاد في عهده الرهبان والقساوسة في البلاد الخاضعة للمغول، وأخذوا يحثون كيوك على قتال المسلمين، وقتال ابن عمه باتو الذي يعطف على المسلمين, وأعد كيوك العدة لقتال باتو ولكنه مات عام 647هـ وجيشه في الطريق إلى باتو، فلم يحدث قتال.
خروج منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي:
ما إن مات كيوك حتى استغل ابن عمه باتو الفرصة وأرسل قوة إلى قرة قورم لتنصيب مانغو بن تولوي, فانتقل منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي إلى أسرة تولوي، فاغتاظت لذلك أسرة أوغطاي, وكان كبيرها حينئذ قاشين أخو كيوك.
خرج مانغو مع أخيه قوبيلاي لحرب من خرج عليه في بلاد الخطا, وترك مكانه لحين عودته أخاه أرتق بوكا, ومات مانغو قبل أن يعود إلى قرة قورم فدعم كل من بركة خان بن جوجي وقيدو بن قاشين بن أوغطاي أرتق بوكا وحثوه على التمسك بمنصب الخان الأعظم، في حين كان قوبيلاي يريد نفس المنصب، فوقع بين الأخوين أرتق بوكا وقوبيلاي الحرب, فترك أخوهم هولاكو الحروب في غرب مملكة المغول, وجاء ليوقف القتال واستطاع بالفعل أن يوقفه وأن ينصب أخاه قوبيلاي خانًا أعظم، وأن يخضع قيدو بن قاشين بن أوغطاي.
نقل قوبيلاي مقر الحكم من قرة قورم إلى (خان باليغ) وهي مدينة بكين الآن, وخان باليغ تعني مقر الخان, وبذلك انقسمت المنطقة الخاضعة لأسرة أوغطاي إلى منطقتي نفوذ:
1- منطقة منغوليا وبلاد الخطا (تركستان الشرقية) وعاصمتها مدينة قرة قورم تحكمها أسرة أوغطاي, وستدخل في حكمها أسرة جغطاي.
2- منطقة بلاد الصين وعاصمتها بكين، ويحكمها قوبيلاي بن تولوي.
وسندرس كل منطقة على حدة حتى نصل إلى ما آلت إليه في تاريخنا المعاصر.
منطقة منغوليا وبلاد الخطا:
عندما نقل قوبيلاي مقر الخان الأعظم إلى بكين بقيت قرة قورم وما يحيط بها من بلاد الخطا لأبناء أوغطاي.
قيدو:
وقد تولى قيدو بن قاشين بن أوغطاي بعد أبيه قاشين, وكان قيدو يوالى المسلمين, ويتمتع بعلاقة طيبة مع بركة خان, والسلطان بيبرس وقد وقع القتال بين قيدو وبراق خان من أسرة جغطاي, انتهت بهزيمة قيدو فأصبح الجغطائيون هم أسياد الموقف, وبموت قيدو عام 704هـ وافقوا على تعيين ابنه شابار مكانه, ثم اندلعت الحروب من جديد بين الأوغطائيين والجغطائيين، انتهت بانتصار الجغطائيين على الأوغطائيين وكان زعيمهم هو دوداخان وخضعت له التركستان الشرقية كلها (الخطا) والغربية وبلاد الأوغطائيين، واختلط في حكم هذه المنطقة الجغطائيون والأوغطائيون فقد تولى حكمها عام 741هـ أحد أفراد أسرة أوغطاي وهو على خان, وانتشر الإسلام في هذه المنطقة أيام طرما تشيبرين (722- 735هـ) الذي أسلم وأسلم معه الكثير من المغول من أسرة جغطاي.
وحكم أيضًا هذه المنطقة من أسرة أوغطاي دانشمندجه ولما احتل تيمورلنك المنطقة ولى سيورغتمشر بن دانشمندجة, وتبعه ابنه محمود ولكن السلطة الفعلية للمنطقة كانت بيد تيمورلنك, ثم بموت تيمورلنك تفككت مملكته, وعندما حكم منغ الصين وطرد منها ما بقي من أسرة قوبيلاي توجهوا للشمال في قرة قورم، فتبعهم وأخضعهم وجعل تعيينهم من قبله في حين أن الوضع في التركستان الشرقية كان أشبه بالتفتت، وأصبحت عبارة عن عدة خانات في كاشغر وأقصو وغيرها تدين بالولاء لمانغو, وبذلك أصبحت منطقتا منغوليا وبلاد الخطا (تركستان الشرقية) والأويغور (كانسو) تدين بالولاء لأسرة مانغو، وسنستكمل ما حدث لهما في الحديث عن منطقة الصين.
بلاد الصين:
عهد أسرة قوبيلاي (675 - 769هـ):
(العهد المغولي) عندما نقل قوبيلاي مقر الخان الأعظم إلى بكين, كان المغول يسيطرون على الجزء الشمالي من الصين، أما الجزء الجنوبي والذي يشمل مملكة سونغ فقد استطاع قوبيلاي أن يضمه عام 679هـ, وأسس قوبيلاي امبراطورية واسعة في الصين, وأخذت أسرة قوبيلاي تحكم هذه الإمبراطورية حتى عام 771هـ في عهد طوغان تيمور، واشتهرت هذه الأسرة بالبذخ والإسراف في المتع والشهوات.
وصل الإسلام إلى الصين منذ أيام عثمان بن عفان عن طريق التجارة والدعوة, وبلغ عدد البعثات الإسلامية للصين في عهد الأمويين 16 بعثة وفي عهد العباسيين 12 بعثه, وقد انتشر الإسلام في عهد أسرة قوبيلاي (العهد المغولي) فقد اعتمد حكامها على المغول المسلمين سواء في الجيش أو في المناصب، ففي الجيش جاء الكثير من المسلمين من تركستان وبلاد ما وراء النهر جنودًا، وفي المناصب وصل نفوذ المسلمين إلى أنهم حكموا 8 ولايات من 12 ولاية تتكون منها الصين, ومن أشهر المسلمين نفوذًا في الصين شمس الدين عمر الذي كان ضابطًا في الجيش ثم حاكمًا عسكريًّا في مدينة تاي يوان، ثم حاكمًا لمدينة بنيانغ, ثم قاضيًا في مدينة بكين, ثم حاكمًا لبكين ثم مديرًا سياسيًّا في بلاط قبلاي خان، ثم حاكمًا لولاية ستشوان, ثم حاكمًا لولاية يونان, وقد قام بإنشاء المدارس والمعاهد الدينية, ولعل أكثر المساجد الموجودة الآن في الصين كان بناؤها في العهد المغولي، وكان المسلمون في الصين لهم مكانة مرموقة، سواء من الناحية المادية أو الفكرية أو الثقافية, وكانوا دائمًا يشغلون أعلى المناصب؛ لتميزهم وبروز شخصيتهم بين السكان.
عهد منغ (770 - 1052هـ):
تمكن منغ أحد أعداء امبراطورية المغول أن يدخل بكين عام 770هـ في عهد طوغان تيمور, وأن يطرد أسرة قوبيلاي من الإمبراطورية, ففروا إلى الشمال في قرة قورم وما حولها، وتوالى عدة خانات من أسرة قوبيلاي على قرة قورم وما حولها يعينون من قبل أسرة منغ, حتى تمت السيطرة الصينية الكاملة عليها عام 1043هـ وكان الضعف والتفكك قد دب في أوصال تركستان الشرقية وقامت عدة إمارات, فيها في كاشغر وأقصو وطرفان يحكمها أفراد من أسرة جغطاي, ويدينون بالولاء لأسرة منغ فبسطت أسرة منغ نفوذها على منغوليا وبلاد تركستان الشرقية والأويغور (كانسو).. وظل وضع المسلمين في عهد أسرة منغ, كما كان في عهد أسرة قوبيلاي، وظل لهم دور بارز في البلاد.
العهد المانشوري (1054- 1329هـ):
عندما جاءت أسرة تسونغ (الأسرة المانشورية) إلى الحكم اختلف تعاملها مع المسلمين عمن سبقوها, فقد ظل المسلمون في الصين سواء من جاءوها من خارجها أو الذين أسلموا فيها أصحاب مناصب عالية في البلاد, ولهم عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية الرفيعة, التي تجبر الناس على احترامهم, والنظر إليهم بتقدير واحترام ويرفضون الرضوخ لأي شيء يخالف دينهم، فخشي حكام الأسرة المانشورية من المسلمين ومن نفوذهم, واشتعل الحقد في نفوس الموظفين الصينيين الذين يرون المسلمين أصحاب مراكز عالية, وقيم مثلى, ومؤهلات وإمكانات عالية لم يكن للصينيين مثلها، فعمل الموظفون الصينيون على إثارة الدسائس ضد المسلمين.
ومما زاد من غضب وحقد الأسرة المانشورية على المسلمين مساعدة قائدين مسلمين لينغان وانغ آخر أمراء أسرة منغ في محاولة استعادة ملكه, وأعلنا العصيان في ولاية كانسو عام (1058هـ)، ولكن قضي على الحركة وقتل 5 آلاف مسلم وبدأ حكام الأسرة المانشورية يتربصون بالمسلمين للقضاء عليهم وتوترت العلاقات بين الحكام والمسلمين, فقام المسلمون بعدة ثورات. وللأسف الشديد، كان المسلمون يختلفون معًا ويقتل بعضهم بعضًا لأتفه الأسباب، وللاختلاف في أمور فقهية بسيطة, فكانت السلطات المانشورية ترسل الجيش إلى المناطق التي يحدث فيها نزاع بين المسلمين بحجة تهدئة الأوضاع, ولكنها في الحقيقة كانت ترسل الجيش لإبادة المسلمين, وقتل الكثير منهم, مستغلة الفرقة بينهم، وظل المسلمون يقومون بثورات ضد الحكام, ولكن لتفرقهم وقيام الثورات الإسلامية في مناطق كثيرة دون التنسيق بينها, كانت السلطات المانشورية تقضى عليها، وتقتل الكثير من المسلمين، ويبدو أن السياسة القمعية التي اتبعتها الأسرة المانشورية مع المسلمين, قد جعلت أكثرهم يتجه للسلم, وحاول حكام الأسرة المانشورية أيضًا اتباع نفس الأسلوب بعد ذلك, ووافقوا عام 1321هـ على إعطاء ترخيص لإمام مسجد بكين (إلياس عبد الرحمن) بإنشاء معهد إسلامي وتدريس اللغة العربية فيه, وحاول الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني الاتصال بمسلمي الصين وإرسال مبعوثين إلى بكين أسسوا مدرسة في مسجد بكين والتحق بها الكثير، ولكن السلطات الصينية لاحقتهما؛ لخوفها من إحياء النشاط الإسلامي في الصين فعادا إلى إستانبول.
العهد الجمهوري (1329- 1369هـ):
أيد المسلمون قيام الحكم الجمهوري ليخلصهم من اضطهاد الأسرة المانشورية، واعترف الحكم الجمهوري بأن المسلمين أحد العناصر التي تكون شعب الصين، وبذا يتكون الشعب الصيني من:
(1) الصينيون. (2) المانشوريون.
(3) المغول. (4) المسلمون (الهوي).
(5) التبت.
وقد كان العلم الصيني مكونًا من خمسة ألوان هي الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود, ويمثل المسلمون اللون الأبيض, وهدأت أوضاع المسلمين في الصين باستثناء تركستان الشرقية، وتأسس الكثير من المؤسسات الإسلامية التي أدت دورًا كبيرًا في تعليم المسلمين, وجمع التبرعات لهم, والقيام بالأعمال الخيرية والاتصال بالدول الإسلامية.
الوضع في تركستان الشرقية:
فتح قتيبة بن مسلم الباهلي إقليم تركستان الشرقية, ودخل مدينة كاشغر عام 96هـ وسيطر المسلمون عليها فترة من الزمن, وأسلم أكثر أهلها وكان لهم دور كبير في نشر الإسلام في الصين عن طريق الدعوة، ثم سيطر عليها المغول ثم أخذ الضعف ينخر في أوصالها, وتفككت إلى عدة خانات مما سهل للأسرة المانشورية السيطرة عليها في الفترة ما بين 1149- 1199هـ، وأطلقت عليها سيكيا نغ أي الولاية الجديدة.
كثرت الثورات في منطقة تركستان الشرقية وكانسو ومن أشهرها ثورة يعقوب بك عام 1271هـ, وتمكنت تركستان الشرقية من الاستقلال عن الصين وأعلنت قيام جمهورية تركستان الشرقية واستمر استقلالها 13 عامًا، وفي نفس الوقت كانت كانسو تناهض الاحتلال الصيني ولم تؤازرها تركستان الشرقية كما يجب, فسحق الصينيون المقاومة في كانسو, وتفرغوا لتركستان الشرقية، واستطاعوا أن يسيطروا عليها عام 1291هـ وقتلوا يعقوب بك.
وجاء العصر الجمهوري فاستفز الصينيون مسلمي تركستان ببعض التصرفات, منها بطش الحاكم المعين من قبل الصين مسعود بك, وقيامه بقتل الكثير من المسلمين المعارضين لظلمه, فطلب المسلمون من الحكومة الصينية سماع قضاياهم دون أن تمر على هذا الطاغية, فنصحته الحكومة بالكف عن البطش بالناس فأبدى طاعته ولكن في الحقيقة تمادى في الظلم والبطش بالناس، فثار السكان وقتلوا المفوض السياسي في البلاد, وانتخبوا تيمور قائدًا لهم وأرسلت الصين جيشًا لوقف الثورة، ولجأ قائده للحلول السلمية مع الثائرين واتفق معهم على العفو العام ومغادرة تيمور البلاد وهدأت الأوضاع.
واعتدى رئيس الشرطة في عام 1349هـ على امرأة مسلمة, فجن جنون السكان وقتلوا رئيس الشرطة في حفلة استدرجوه إليها، واتحد المسلمون في تركستان الشرقية, واستطاعوا السيطرة عليها، برغم معاونة روسيا للصين في حربها مع المسلمين، وأعلن المسلمون قيام جمهورية باسم تركستان الشرقية عام 1352هـ عاصمتها كاشغر, وعين جوجنياز رئيسًا لها, وثبت دامل رئيسًا لوزرائها ولكنها لم تستمر أكثر من عام, فداهم الصينيون والروس البلاد وسيطروا عليها عام 1353هـ، وأعدم رئيس الدولة ورئيس وزرائها وأعضاء الحكومة وعشرة آلاف مسلم.
الوضع أثناء الحرب العالمية الثانية:
استطاعت اليابان في الحرب العالمية الثانية أن تخضع شمالي الصين لقبضتها, وتمكنت من دخول بكين في الفترة من 1352 - 1357هـ وكانت الصين وروسيا تحاربان اليابان، وحاولت اليابان تقريب المسلمين إليها ليساعدوها في السيطرة على الصين, فتركت لهم حرية إنشاء المدارس التعليمية، وإصدار الجرائد ونظم المسلمون في تركستان الشرقية أنفسهم, وأنشئوا المطابع والمدارس والمجلات والجرائد, وأصدرت اليابان قرارًا بإطلاق الحرية للصينيين في اعتناق الإسلام, ويسرت السفر لأداء فريضة الحج.
انقسم المسلمون إلى فريقين, فريق يؤيد اليابان, وفريق آخر يؤيد الشيوعيين, الذين بدءوا يظهرون نتيجة للعلاقات مع روسيا, فحارب فريق مع اليابان وحارب فريق آخر مع الشيوعيين الذين أكثروا من الوعود للمسلمين, وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وهزمت اليابان, استطاع الشيوعيون بسط نفوذهم على أكثر أجزاء الصين, باستثناء جزيرة تايوان التي انتقلت إليها الحكومة الوطنية السابقة وكان الروس يحاولون ضم أكبر قدر ممكن من أراضي الصين بسياستهم التوسعية, وحاول المسلمون الاستقلال في كانسو, لكنهم هزموا من الشيوعيين في معركة لانتشو، وكان قائد المسلمين حسين مابوفانغ, ثم تابع الشيوعيون سيرهم إلى تركستان الشرقية، وكان المسلمون قد استقلوا بجزئها الشمالي بدعم من الروس بقيادة على خان, ولكن الشيوعيين قد تمكنوا من السيطرة الكاملة على تركستان الشرقية وفر زعماء البلاد.
وما زالت تركستان الشرقية حتى الآن تحاول الاستقلال عن الصين, ولكن الصينيين يخمدون أي محاولة تظهر هناك, والإعلام يعتم على ما يحدث للمسلمين في الصين.
وبالنظر إلى وضع الصين الآن فقد سيطر الصينيون على كافة أجزاء الصين وتركستان الشرقية ما عدا جزيرة تايوان التي يدعمها الغرب ضد الصينيين, واستطاعت منغوليا أن تنفصل بجزء كبير من أراضيها وتستقل عن الصينيين, وذلك بدعم الروس وتكون دولة منغوليا وعاصمتها آلان باتور (قرة قورم سابقًا) ويكثر المسلمون في الأجزاء الشمالية الغربية حيث تزيد نسبتهم بينما تقل كلما اتجهنا نحو الشرق, ويشكل الآن المسلمون في الصين حوالي 10% من إجمالي السكان البالغ عددهم ما يزيد على مليار و300 مليون نسمة, ويحاول الصينيون إعطاء إحصائيات أقل بكثير من العدد الحقيقي للمسلمين, حتى تثبط عزائم المسلمين, وغيّر الصينيون أسماء الكثير من المدن الإسلامية لفصلها عن تاريخها ولتصبح مرتبطة بالفكر الشيوعي، ومن أمثلة ذلك مدن أورمجي، تيهوا يارقند، سوجي، كاشغر، شوفو، وغيرها.
نتعرف هنا على تاريخ المنطقة التي أقطعها جنكيز خان لابنه أوغطاي وهي :بلاد المغول (منغوليا) ,والصين والخطا (تركستان الشرقية)، ونوجه انتباه القارئ إلى تداخل أسرة جغطاي وأسرة تولوي في حكم هذه المنطقة مع أسرة أوغطاي؛ كي لا يلتبس الأمر على القارئ، وسنتناول دراسة المنطقة التي تمثل الآن جمهورية الصين الشعبية وجمهورية منغوليا.
أوغطاي:
عندما مات جوجي بن جنكيز خان قبل موت أبيه نصب أوغطاي خانًا أعظم للمغول بعد موت جنكيز خان عام 626هـ.
كيوك:
عندما توفي أوغطاي تسلم ابنه كيوك منصب الخان الأعظم, وكان في ذلك الوقت يحارب تحت قيادة ابن عمه باتو بن جوجي في أوربا, وبمجرد تولى كيوك المنصب عام 644هـ أعلن تنصره بإيعاز من مربيه النصرانى وزاد في عهده الرهبان والقساوسة في البلاد الخاضعة للمغول، وأخذوا يحثون كيوك على قتال المسلمين، وقتال ابن عمه باتو الذي يعطف على المسلمين, وأعد كيوك العدة لقتال باتو ولكنه مات عام 647هـ وجيشه في الطريق إلى باتو، فلم يحدث قتال.
خروج منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي:
ما إن مات كيوك حتى استغل ابن عمه باتو الفرصة وأرسل قوة إلى قرة قورم لتنصيب مانغو بن تولوي, فانتقل منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي إلى أسرة تولوي، فاغتاظت لذلك أسرة أوغطاي, وكان كبيرها حينئذ قاشين أخو كيوك.
خرج مانغو مع أخيه قوبيلاي لحرب من خرج عليه في بلاد الخطا, وترك مكانه لحين عودته أخاه أرتق بوكا, ومات مانغو قبل أن يعود إلى قرة قورم فدعم كل من بركة خان بن جوجي وقيدو بن قاشين بن أوغطاي أرتق بوكا وحثوه على التمسك بمنصب الخان الأعظم، في حين كان قوبيلاي يريد نفس المنصب، فوقع بين الأخوين أرتق بوكا وقوبيلاي الحرب, فترك أخوهم هولاكو الحروب في غرب مملكة المغول, وجاء ليوقف القتال واستطاع بالفعل أن يوقفه وأن ينصب أخاه قوبيلاي خانًا أعظم، وأن يخضع قيدو بن قاشين بن أوغطاي.
نقل قوبيلاي مقر الحكم من قرة قورم إلى (خان باليغ) وهي مدينة بكين الآن, وخان باليغ تعني مقر الخان, وبذلك انقسمت المنطقة الخاضعة لأسرة أوغطاي إلى منطقتي نفوذ:
1- منطقة منغوليا وبلاد الخطا (تركستان الشرقية) وعاصمتها مدينة قرة قورم تحكمها أسرة أوغطاي, وستدخل في حكمها أسرة جغطاي.
2- منطقة بلاد الصين وعاصمتها بكين، ويحكمها قوبيلاي بن تولوي.
وسندرس كل منطقة على حدة حتى نصل إلى ما آلت إليه في تاريخنا المعاصر.
منطقة منغوليا وبلاد الخطا:
عندما نقل قوبيلاي مقر الخان الأعظم إلى بكين بقيت قرة قورم وما يحيط بها من بلاد الخطا لأبناء أوغطاي.
قيدو:
وقد تولى قيدو بن قاشين بن أوغطاي بعد أبيه قاشين, وكان قيدو يوالى المسلمين, ويتمتع بعلاقة طيبة مع بركة خان, والسلطان بيبرس وقد وقع القتال بين قيدو وبراق خان من أسرة جغطاي, انتهت بهزيمة قيدو فأصبح الجغطائيون هم أسياد الموقف, وبموت قيدو عام 704هـ وافقوا على تعيين ابنه شابار مكانه, ثم اندلعت الحروب من جديد بين الأوغطائيين والجغطائيين، انتهت بانتصار الجغطائيين على الأوغطائيين وكان زعيمهم هو دوداخان وخضعت له التركستان الشرقية كلها (الخطا) والغربية وبلاد الأوغطائيين، واختلط في حكم هذه المنطقة الجغطائيون والأوغطائيون فقد تولى حكمها عام 741هـ أحد أفراد أسرة أوغطاي وهو على خان, وانتشر الإسلام في هذه المنطقة أيام طرما تشيبرين (722- 735هـ) الذي أسلم وأسلم معه الكثير من المغول من أسرة جغطاي.
وحكم أيضًا هذه المنطقة من أسرة أوغطاي دانشمندجه ولما احتل تيمورلنك المنطقة ولى سيورغتمشر بن دانشمندجة, وتبعه ابنه محمود ولكن السلطة الفعلية للمنطقة كانت بيد تيمورلنك, ثم بموت تيمورلنك تفككت مملكته, وعندما حكم منغ الصين وطرد منها ما بقي من أسرة قوبيلاي توجهوا للشمال في قرة قورم، فتبعهم وأخضعهم وجعل تعيينهم من قبله في حين أن الوضع في التركستان الشرقية كان أشبه بالتفتت، وأصبحت عبارة عن عدة خانات في كاشغر وأقصو وغيرها تدين بالولاء لمانغو, وبذلك أصبحت منطقتا منغوليا وبلاد الخطا (تركستان الشرقية) والأويغور (كانسو) تدين بالولاء لأسرة مانغو، وسنستكمل ما حدث لهما في الحديث عن منطقة الصين.
بلاد الصين:
عهد أسرة قوبيلاي (675 - 769هـ):
(العهد المغولي) عندما نقل قوبيلاي مقر الخان الأعظم إلى بكين, كان المغول يسيطرون على الجزء الشمالي من الصين، أما الجزء الجنوبي والذي يشمل مملكة سونغ فقد استطاع قوبيلاي أن يضمه عام 679هـ, وأسس قوبيلاي امبراطورية واسعة في الصين, وأخذت أسرة قوبيلاي تحكم هذه الإمبراطورية حتى عام 771هـ في عهد طوغان تيمور، واشتهرت هذه الأسرة بالبذخ والإسراف في المتع والشهوات.
وصل الإسلام إلى الصين منذ أيام عثمان بن عفان عن طريق التجارة والدعوة, وبلغ عدد البعثات الإسلامية للصين في عهد الأمويين 16 بعثة وفي عهد العباسيين 12 بعثه, وقد انتشر الإسلام في عهد أسرة قوبيلاي (العهد المغولي) فقد اعتمد حكامها على المغول المسلمين سواء في الجيش أو في المناصب، ففي الجيش جاء الكثير من المسلمين من تركستان وبلاد ما وراء النهر جنودًا، وفي المناصب وصل نفوذ المسلمين إلى أنهم حكموا 8 ولايات من 12 ولاية تتكون منها الصين, ومن أشهر المسلمين نفوذًا في الصين شمس الدين عمر الذي كان ضابطًا في الجيش ثم حاكمًا عسكريًّا في مدينة تاي يوان، ثم حاكمًا لمدينة بنيانغ, ثم قاضيًا في مدينة بكين, ثم حاكمًا لبكين ثم مديرًا سياسيًّا في بلاط قبلاي خان، ثم حاكمًا لولاية ستشوان, ثم حاكمًا لولاية يونان, وقد قام بإنشاء المدارس والمعاهد الدينية, ولعل أكثر المساجد الموجودة الآن في الصين كان بناؤها في العهد المغولي، وكان المسلمون في الصين لهم مكانة مرموقة، سواء من الناحية المادية أو الفكرية أو الثقافية, وكانوا دائمًا يشغلون أعلى المناصب؛ لتميزهم وبروز شخصيتهم بين السكان.
عهد منغ (770 - 1052هـ):
تمكن منغ أحد أعداء امبراطورية المغول أن يدخل بكين عام 770هـ في عهد طوغان تيمور, وأن يطرد أسرة قوبيلاي من الإمبراطورية, ففروا إلى الشمال في قرة قورم وما حولها، وتوالى عدة خانات من أسرة قوبيلاي على قرة قورم وما حولها يعينون من قبل أسرة منغ, حتى تمت السيطرة الصينية الكاملة عليها عام 1043هـ وكان الضعف والتفكك قد دب في أوصال تركستان الشرقية وقامت عدة إمارات, فيها في كاشغر وأقصو وطرفان يحكمها أفراد من أسرة جغطاي, ويدينون بالولاء لأسرة منغ فبسطت أسرة منغ نفوذها على منغوليا وبلاد تركستان الشرقية والأويغور (كانسو).. وظل وضع المسلمين في عهد أسرة منغ, كما كان في عهد أسرة قوبيلاي، وظل لهم دور بارز في البلاد.
العهد المانشوري (1054- 1329هـ):
عندما جاءت أسرة تسونغ (الأسرة المانشورية) إلى الحكم اختلف تعاملها مع المسلمين عمن سبقوها, فقد ظل المسلمون في الصين سواء من جاءوها من خارجها أو الذين أسلموا فيها أصحاب مناصب عالية في البلاد, ولهم عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية الرفيعة, التي تجبر الناس على احترامهم, والنظر إليهم بتقدير واحترام ويرفضون الرضوخ لأي شيء يخالف دينهم، فخشي حكام الأسرة المانشورية من المسلمين ومن نفوذهم, واشتعل الحقد في نفوس الموظفين الصينيين الذين يرون المسلمين أصحاب مراكز عالية, وقيم مثلى, ومؤهلات وإمكانات عالية لم يكن للصينيين مثلها، فعمل الموظفون الصينيون على إثارة الدسائس ضد المسلمين.
ومما زاد من غضب وحقد الأسرة المانشورية على المسلمين مساعدة قائدين مسلمين لينغان وانغ آخر أمراء أسرة منغ في محاولة استعادة ملكه, وأعلنا العصيان في ولاية كانسو عام (1058هـ)، ولكن قضي على الحركة وقتل 5 آلاف مسلم وبدأ حكام الأسرة المانشورية يتربصون بالمسلمين للقضاء عليهم وتوترت العلاقات بين الحكام والمسلمين, فقام المسلمون بعدة ثورات. وللأسف الشديد، كان المسلمون يختلفون معًا ويقتل بعضهم بعضًا لأتفه الأسباب، وللاختلاف في أمور فقهية بسيطة, فكانت السلطات المانشورية ترسل الجيش إلى المناطق التي يحدث فيها نزاع بين المسلمين بحجة تهدئة الأوضاع, ولكنها في الحقيقة كانت ترسل الجيش لإبادة المسلمين, وقتل الكثير منهم, مستغلة الفرقة بينهم، وظل المسلمون يقومون بثورات ضد الحكام, ولكن لتفرقهم وقيام الثورات الإسلامية في مناطق كثيرة دون التنسيق بينها, كانت السلطات المانشورية تقضى عليها، وتقتل الكثير من المسلمين، ويبدو أن السياسة القمعية التي اتبعتها الأسرة المانشورية مع المسلمين, قد جعلت أكثرهم يتجه للسلم, وحاول حكام الأسرة المانشورية أيضًا اتباع نفس الأسلوب بعد ذلك, ووافقوا عام 1321هـ على إعطاء ترخيص لإمام مسجد بكين (إلياس عبد الرحمن) بإنشاء معهد إسلامي وتدريس اللغة العربية فيه, وحاول الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني الاتصال بمسلمي الصين وإرسال مبعوثين إلى بكين أسسوا مدرسة في مسجد بكين والتحق بها الكثير، ولكن السلطات الصينية لاحقتهما؛ لخوفها من إحياء النشاط الإسلامي في الصين فعادا إلى إستانبول.
العهد الجمهوري (1329- 1369هـ):
أيد المسلمون قيام الحكم الجمهوري ليخلصهم من اضطهاد الأسرة المانشورية، واعترف الحكم الجمهوري بأن المسلمين أحد العناصر التي تكون شعب الصين، وبذا يتكون الشعب الصيني من:
(1) الصينيون. (2) المانشوريون.
(3) المغول. (4) المسلمون (الهوي).
(5) التبت.
وقد كان العلم الصيني مكونًا من خمسة ألوان هي الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود, ويمثل المسلمون اللون الأبيض, وهدأت أوضاع المسلمين في الصين باستثناء تركستان الشرقية، وتأسس الكثير من المؤسسات الإسلامية التي أدت دورًا كبيرًا في تعليم المسلمين, وجمع التبرعات لهم, والقيام بالأعمال الخيرية والاتصال بالدول الإسلامية.
الوضع في تركستان الشرقية:
فتح قتيبة بن مسلم الباهلي إقليم تركستان الشرقية, ودخل مدينة كاشغر عام 96هـ وسيطر المسلمون عليها فترة من الزمن, وأسلم أكثر أهلها وكان لهم دور كبير في نشر الإسلام في الصين عن طريق الدعوة، ثم سيطر عليها المغول ثم أخذ الضعف ينخر في أوصالها, وتفككت إلى عدة خانات مما سهل للأسرة المانشورية السيطرة عليها في الفترة ما بين 1149- 1199هـ، وأطلقت عليها سيكيا نغ أي الولاية الجديدة.
كثرت الثورات في منطقة تركستان الشرقية وكانسو ومن أشهرها ثورة يعقوب بك عام 1271هـ, وتمكنت تركستان الشرقية من الاستقلال عن الصين وأعلنت قيام جمهورية تركستان الشرقية واستمر استقلالها 13 عامًا، وفي نفس الوقت كانت كانسو تناهض الاحتلال الصيني ولم تؤازرها تركستان الشرقية كما يجب, فسحق الصينيون المقاومة في كانسو, وتفرغوا لتركستان الشرقية، واستطاعوا أن يسيطروا عليها عام 1291هـ وقتلوا يعقوب بك.
وجاء العصر الجمهوري فاستفز الصينيون مسلمي تركستان ببعض التصرفات, منها بطش الحاكم المعين من قبل الصين مسعود بك, وقيامه بقتل الكثير من المسلمين المعارضين لظلمه, فطلب المسلمون من الحكومة الصينية سماع قضاياهم دون أن تمر على هذا الطاغية, فنصحته الحكومة بالكف عن البطش بالناس فأبدى طاعته ولكن في الحقيقة تمادى في الظلم والبطش بالناس، فثار السكان وقتلوا المفوض السياسي في البلاد, وانتخبوا تيمور قائدًا لهم وأرسلت الصين جيشًا لوقف الثورة، ولجأ قائده للحلول السلمية مع الثائرين واتفق معهم على العفو العام ومغادرة تيمور البلاد وهدأت الأوضاع.
واعتدى رئيس الشرطة في عام 1349هـ على امرأة مسلمة, فجن جنون السكان وقتلوا رئيس الشرطة في حفلة استدرجوه إليها، واتحد المسلمون في تركستان الشرقية, واستطاعوا السيطرة عليها، برغم معاونة روسيا للصين في حربها مع المسلمين، وأعلن المسلمون قيام جمهورية باسم تركستان الشرقية عام 1352هـ عاصمتها كاشغر, وعين جوجنياز رئيسًا لها, وثبت دامل رئيسًا لوزرائها ولكنها لم تستمر أكثر من عام, فداهم الصينيون والروس البلاد وسيطروا عليها عام 1353هـ، وأعدم رئيس الدولة ورئيس وزرائها وأعضاء الحكومة وعشرة آلاف مسلم.
الوضع أثناء الحرب العالمية الثانية:
استطاعت اليابان في الحرب العالمية الثانية أن تخضع شمالي الصين لقبضتها, وتمكنت من دخول بكين في الفترة من 1352 - 1357هـ وكانت الصين وروسيا تحاربان اليابان، وحاولت اليابان تقريب المسلمين إليها ليساعدوها في السيطرة على الصين, فتركت لهم حرية إنشاء المدارس التعليمية، وإصدار الجرائد ونظم المسلمون في تركستان الشرقية أنفسهم, وأنشئوا المطابع والمدارس والمجلات والجرائد, وأصدرت اليابان قرارًا بإطلاق الحرية للصينيين في اعتناق الإسلام, ويسرت السفر لأداء فريضة الحج.
انقسم المسلمون إلى فريقين, فريق يؤيد اليابان, وفريق آخر يؤيد الشيوعيين, الذين بدءوا يظهرون نتيجة للعلاقات مع روسيا, فحارب فريق مع اليابان وحارب فريق آخر مع الشيوعيين الذين أكثروا من الوعود للمسلمين, وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وهزمت اليابان, استطاع الشيوعيون بسط نفوذهم على أكثر أجزاء الصين, باستثناء جزيرة تايوان التي انتقلت إليها الحكومة الوطنية السابقة وكان الروس يحاولون ضم أكبر قدر ممكن من أراضي الصين بسياستهم التوسعية, وحاول المسلمون الاستقلال في كانسو, لكنهم هزموا من الشيوعيين في معركة لانتشو، وكان قائد المسلمين حسين مابوفانغ, ثم تابع الشيوعيون سيرهم إلى تركستان الشرقية، وكان المسلمون قد استقلوا بجزئها الشمالي بدعم من الروس بقيادة على خان, ولكن الشيوعيين قد تمكنوا من السيطرة الكاملة على تركستان الشرقية وفر زعماء البلاد.
وما زالت تركستان الشرقية حتى الآن تحاول الاستقلال عن الصين, ولكن الصينيين يخمدون أي محاولة تظهر هناك, والإعلام يعتم على ما يحدث للمسلمين في الصين.
وبالنظر إلى وضع الصين الآن فقد سيطر الصينيون على كافة أجزاء الصين وتركستان الشرقية ما عدا جزيرة تايوان التي يدعمها الغرب ضد الصينيين, واستطاعت منغوليا أن تنفصل بجزء كبير من أراضيها وتستقل عن الصينيين, وذلك بدعم الروس وتكون دولة منغوليا وعاصمتها آلان باتور (قرة قورم سابقًا) ويكثر المسلمون في الأجزاء الشمالية الغربية حيث تزيد نسبتهم بينما تقل كلما اتجهنا نحو الشرق, ويشكل الآن المسلمون في الصين حوالي 10% من إجمالي السكان البالغ عددهم ما يزيد على مليار و300 مليون نسمة, ويحاول الصينيون إعطاء إحصائيات أقل بكثير من العدد الحقيقي للمسلمين, حتى تثبط عزائم المسلمين, وغيّر الصينيون أسماء الكثير من المدن الإسلامية لفصلها عن تاريخها ولتصبح مرتبطة بالفكر الشيوعي، ومن أمثلة ذلك مدن أورمجي، تيهوا يارقند، سوجي، كاشغر، شوفو، وغيرها.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 7:11 am عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين قصة المسلمسن في وسط آسيا ...((المغول في تركستان الغربيه))
قصة المسلمين في وسط آسيا
المغول في تركستان الغربية
كان نصيب جغطاي من البلاد التي استولى عليها المغول كل من تركستان وبلاد الأويغور (كانسو) وبلاد ما وراء النهر, وقد علمنا من الفصل السابق أن بلاد الأويغور وتركستان الشرقية قد آلت في النهاية للصينيين, وتكون الآن إحدى الولايات الصينية، وسنتناول في هذا الفصل الجزء الباقي من تركستان.
تتابع على حكم هذه المنطقة من أسرة جغطاي العديد من الخانات كان أول من دخل في الإسلام منهم مبارك شاه الذي تولى الحكم عام 664هـ، وقد كان سبب إسلامه أمه أرغنه المسلمة زوجة قرة هولاكو حفيد جغطاي، ولم يدم ملكه إلا قليلاً فسرعان ما خلعه ابن عمه براق خان وحل محله في نفس العام.
واشتهر براق خان بحروبه ضد أسرة أوغطاى وانتصاره عليهم، ويقال إنه أسلم في آخر أيامه، وتسمى بغياث الدين ثم جاء من بعده حكام منهم:
دودا خان الذي استطاع إخضاع الأوغطائيين, وكجك خان الذي كثرت في عهده الحروب بين الجغطائيين والدولة الإيلخانية, وانتصرت فيها الدولة الإيلخانية, وضعف بعدها الجغطائيون, وخاصة أن مملكتهم الواسعة, والتي كانت تضم أملاكهم وأملاك الأوغطائيين, تسلم أمرها خانات ضعاف لم يتمكنوا من السيطرة عليها.
وعندما تسلم أمر هذه المملكة الواسعة طرما شيرين عام 722هـ اعتنق الإسلام، وأسلم معه الكثيرون من أسرة جغطاي, ولكن التفكك قد عرف طريقه إلى الدولة, واحتفظ بعض حكامها بوثنيتهم (مغولستان) وأسلم الآخرون، واستطاع بوزون خان أن يخلع طرما شيرين ويحل مكانه ولم يكن بوزون مسلمًا فاضطهد المسلمين وبرغم ذلك تمكن المسلمون من تنصيب حاكم مسلم هو على خان من أسرة أوغطاى على المنطقة, وجاء من بعده حاكم آخر مسلم هو محمد خان في الفترة من(743 - 744هـ)، ثم قازان الذي بوفاته عام 747هـ انقسمت المملكة إلى عدة إمارات, واستطاع الأمراء الأتراك أن يحاربوا المغول ويسيطروا على أجزاء كثيرة من البلاد, حتى ظهر توغلق خان الذي استقل بكاشغر في تركستان الشرقية في عام 748هـ, وأخذ يتوسع في ملكه حتى ضم بلاد ما وراء النهر وفي عهده أسلم ما يزيد على 160000 من المغول.
تيمورلنك
يرجع أصل تيمورلنك إلى قبيلة البرلاس التركية وقد دعم أحد أجداده جنكيز خان فأحبه، وجعله وصيًّا على ابنه جغطاي, فبرز بين المغول, وقد ولد تيمورلنك في بلدة كش عام 736هـ.
أرسل توغلق خان جيشًا إلى سمرقند لإخضاعها, وكانت قبيلة البرلاس تسكن في إحدى ضواحيها، فاتصل تيمورلنك بقائد الجيش وأكرمه فأعطى القائد أوامره للجيش بألا يقربوا من قبيلة البرلاس, ودعي تيمورلنك لمقابلة الخان، الذي كافأه بتعيينه حاكمًا لمدينة كش، وهي المدينة التي ولد فيها تيمورلنك.
تيمور يوسع ملكه:
عين تيمور أميرًا على مدينة سمرقند، وعين إلياس بن توغلق على بلاد ما وراء النهر، وكان تيمورلنك يسيء إلى أهل سمرقند فدب الخلاف بينهما فراسل إلياس أباه, فأوصاه أبوه بقتل تيمورلنك أمير سمرقند، ففر تيمور قبل أن يصلوا إليه واتحد مع أخي زوجته الأمير الفار أيضًا، وجمعوا حولهم بعض المؤيدين وحاربوا المغول فانتصروا عليهم, وعندما توفي توغلق خان غادر ابنه إلياس بلاد ما وراء النهر ليتسلم مكان أبيه, فدانت لتيمورلنك بلاد ما وراء النهر واتخذ سمرقند عاصمة لدولته.
حارب إلياس بن توغلق تيمورلنك وانتصر عليه, ولكن إلياس فشل في دخول سمرقند ثم أعلن أخو زوجة تيمورلنك نفسه أميرًا على سمرقند فلم يعترض تيمور حتى لا يتفرقوا أمام المغول, ثم ما لبث أن حاربه وانتصر عليه وأصبح تيمور أميرًا للتتار وسيطر تمامًا على ما وراء النهر, حتى أن قمر الدين المعين عليها اسميًا من قبل أسرة جغطاي اضطر لمغادرتها, وعين تيمور عام 771 سيورغتمش بن دانشمندجة من أسرة أوغطاي خانًا على بلاد ما وراء النهر, وعين تيمور نفسه وزيرًا لسيورغتمش بينما السيطرة الفعلية كانت بيد تيمور, واستطاع تيمور أن يضم إلى ملكه هراة وخوارزم, في الوقت الذي كانت تركستان الشرقية تحت سلطة جغطاي, وبذلك ضمن تيمور عدم اتحاد المنطقتين. وقد ظلت تركستان الشرقية تحت حكم الجغطائيين حتى احتلها الصينيون، استنجد توقتاميش خان بلاد مغول الشمال بتيمور بعدما دخل ماماي خان القرم مدينة سراي, فأنجده تيمور ودخل مدينة سراي، واستطاع أيضًا إخضاع الروس ودخل مدينة موسكو عام 783هـ، واستطاع تيمور في الفترة من 782- 786هـ أن يضم أكثر أجزاء الدولة الإيلخانية.
ووقعت الخلافات بين تيمورلنك وتوقتاميش فسار تيمورلنك إلى بلاد المغول الشمالية, وانتصر عليهم, وعين على سراي خانًا من قبله.
اتجه تيمورلنك عام 800هـ إلى الهند واستطاع ضم كشمير ودهلي وهزم السلطان محمود وعين على دهلي حاكمًا من قبله...
اتجه تيمورلنك إلى الأناضول لمحاربة السلطان العثماني بايزيد الأول؛ وذلك لإيوائه أحمد بن أويس, وقرة يوسف الخارجين على تيمورلنك بعد أن أخضع في طريقه حلب ودمشق وبغداد، وخاف المماليك من تيمور ودفعوا له إتاوة وخطب باسمه ثم واصل تيمور طريقه لمحاربة العثمانيين, فالتقى معهم في سهل أنقرة عام 805هـ وهزم العثمانيين ومات تيمورلنك عام 808هـ وهو في طريقه لغزو الصين، ومما يذكر عن تيمورلنك (لنك أي الأعرج) أنه نشأ على المذهب الشيعي وتبعه في ذلك أبناؤه وأحفاده, وهذا ما رسخ المذهب الشيعي في عدة مناطق من ملكه, وبالذات بلاد الفرس (إيران)، ولجأ الشيعة في أكثر الأحيان لفرض المذهب الشيعي على الناس.
وللأسف الشديد، لم تؤد توسعات تيمورلنك إلا لتفتيت البلاد، فكان من نتائج غزوه لبلاد مغول الشمال أن ازداد تفككها, وظهرت الإمارات فيها بشكل واسع وأعاد للأناضول عصر الطوائف، وتسبب في توقف فتوحات العثمانيين في أوربا, ليلموا شمل دولتهم التي فتتها, ولم يذق بأسه الشديد إلا المسلمون، برغم أنه كان مسلمًا ولكن الأمة كثيرا ما ترزأ بمصائب من أبنائها, وكان يسره إذا انتصر على جيش أن يجمع أفراده ويكون من جماجمهم هرمًا، وفي بعض الأحيان كان يضعهم في حفرة ويدفنهم أحياء، وكان يستمتع بإهانة الأمراء والملوك المهزومين، وبهذا انتمى تيمور للإسلام اسمًا فقط بينما سوّدت أفعاله تاريخه؛ ولذلك ترسخ عند الكثير من المسلمين الصورة السيئة للمغول والتتار حتى بعد إسلامهم, واستغل أعداء الإسلام انتساب تيمور للإسلام ليشوهوا به الإسلام والمسلمين والإسلام بريء تمامًا من أفاعيله.
تفكك الدولة التيمورية بعد وفاة تيمورلنك:
بعد موت تيمورلنك أخذت النزاعات تدب في أوصال الأسرة التيمورية, واستقل الكثير من أطراف البلاد, وظلت الأسرة التيمورية تحكم بلاد ما وراء النهر حتى جاء آخر ملوكها السلطان محمود ومات عام 900هـ, فدب الخلاف بين أبنائه وظهر الأوزبك والصفويون وغيرهم, أما في الهند فحكم فرع من الأسرة التيمورية, وسيرد ذكرها في الفصل الخاص بالهند.
وسنتناول الآن أحوال تركستان الغربية بعد الأسرة التيمورية وحتى الآن..
الأسرة الشيبانية:
ترجع أصول هذه الأسرة إلى شوبان بن جوجي, وكان باتو أخا شيبان قد أعطاه شرق أورال، بحيث يتبع سراي عاصمة مغول الشمال.
وقى منتصف القرن العاشر الهجرى اتجه محمد الشيباني أحد أحفاد شوبان من سيبيريا إلى بلاد ما وراء النهر, يقود جيشًا عرف بجيش أوزبك, مستغلاً التفكك الذي تعانى منه بلاد التتار, وقضى على أبناء محمود خان آخر السلاطين التيموريين, وهاجرت قبائل مع محمد الشيباني من سيبيريا إلى بلاد ما وراء النهر والذين بقوا منها هناك عرفوا بقياصرة تيومن.
أسس محمد الشيباني الدولة الشيبانية عام 906هـ في بلاد ما وراء النهر واستطاع أن يضم سمرقند ويتخذها عاصمة لدولته, وقد استنجد خان سمرقند بحاكم الهند ظهير الدين محمد بابر, والذي يرجع في أصوله للتيموريين, وقامت الحروب بين محمد الشيباني وظهير الدين محمد بابر, والذي كان يعاونه الصفويون في الدولة الإيلخانية، ولكن محمد الشيباني استطاع أن يبسط نفوذه على بلاد ما وراء النهر, برغم المقاومة من حاكم الهند، وتوفي محمد الشيباني قتيلاً في حروبه عام 916هـ, وتتابع من بعده على حكم بلاد ما وراء النهر عدد من الخانات من أسرة شوبان لمدة قرن من الزمان حتى عام 1007هـ؛ حيث دب الضعف في أواخر أيام الأسرة الشيبانية, فعندما آل الحكم إلى عبد الله الثاني عام 991هـ ثار عليه ابنه عبد المؤمن بإيعاز من الصفويين، فهُزم عبد الله أمام ابنه, وفقد الكثير من ملكه حتى مات عام 1006هـ ثم ما لبث ابنه أن قتل عام 1007هـ، وضاعت هيبة الشيبانيين (الأوزبك) وتولى الحكم بعدهم أنسباؤهم الذين عرفوا بالجانيين.
الأسرة الجانية:
وهم أنسباء الشيبانيين, ويعود أصلهم إلى استراخان, حيث فر الكثير من أمرائها عندما احتلها الروس، واستقروا في بخارى وقوى نفوذهم في عهد الشيبانيين (الأوزبك)، حتى تسلموا مقاليد البلاد وظلت تحكم البلاد حتى قضى عليهم عام 1200هـ، وفي فترة حكمهم انقسمت البلاد إلى عدة خانات هي بخارى وخوقند وفرغانه, وسمرقند وخوارزم وغيرها, والتي تشكل الأجزاء التي خضعت للاحتلال الروسي من تركستان، أما بلخ وبادخشان وغيرها من الأجزاء الواقعة شرقي نهر جيحون, فكونت بلاد الأفغان, والآن سندرس الأجزاء التي خضعت للاحتلال الروسي:
الأجزاء التي خضعت للاستعمار الروسي:
تكونت عدة خانات في تركستان الغربية، وأهمها:
خانية بخارى:
حكمت أسرة المانغيت خانية بخارى, فقد تولى أحد أبنائها وهو عبد الرحيم, وزارة بخارى أيام الجانيين, ثم تزوج مير معصوم شاه أحد أبناء الأسرة من ابنة أبى الغازي, آخر خانات الجانيين, فدانت له خانية بخارى عام 1200هـ وحاول استرداد ما فقده الجانيون في بلاد الأفغان, ولكنه فشل وضعفت خانية بخارى في بداية القرن الرابع عشر, وتوالت عليها الهجمات الروسية (1282- 1289هـ) وتقدم الروس في الخانية عام 1328هـ في الوقت الذي تولى فيه سيد مير الخانية, وقامت الحرب العالمية الأولى, وبدأ النفوذ الروسي يقل, فاستقل سيد مير بخانية بخارى, إلا أن الثورة الشيوعية قامت واستطاعت إتمام احتلال خانية بخارى عام 1338هـ.
خانية خوارزم:
كما سبق وأن ذكرنا, كانت خوارزم تابعة لدولة مغول الشمال, حتى ضمها تيمورلنك إلى أملاكه ثم بعد تفكك الدولة التيمورية, استطاع الشيبانيون أن يسيطروا عليها ويؤسسوا بها خانية خوارزم (خيوة) عام 921هـ ودخلوا في حروب مع خانية بخارى, وامتد حكمهم حتى عام 1219هـ باستثناء عام 1153هـ عندما استطاع نادر خان أن يحتل خوارزم, ثم ما لبث أن عادت إليهم منذ عام 1219هـ وبدأ وزراؤهم يتسلمون حكم الخانية, حتى دخل محمد سيد أحمد خان خوارزم في طاعة الروس عام 1290هـ ولكنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مستقلين، وعندما قامت الثورة الشيوعية انسحب الروس منها عام 1336هـ ثم ما لبث أن احتلها الشيوعيون عام 1337هـ.
خانية خوقند (فرغانة):
استقلت عام 1112هـ وحكمها أحفاد محمد بابر ظهير الدين مؤسس دولة المغول في الهند, واستطاع عالم خان أحد حكام خوقند أن يضم طشقند عام 1215هـ ونشبت الحرب بين خانية خوقند وخانية بخارى واستطاع حكام بخارى أن يستولوا على (فرغانة) خوقند ما بين عام (1255- 1256هـ)، ولكن حكام خوقند استطاعوا أن يستعيدوها, واستمر حكمهم لخوقند حتى عام 1293هـ حيث احتلها الروس.
التركستان تحت وطأة الاحتلال الروسي
استطاعت روسيا أن تضم جميع جهات التركستان, باستثناء تركستان الشرقية التي ضمتها الصين, وكان آخر ما ضموه من بلاد التركستان هي الثلاث خانيات السابقة, ومنعهم احتلال الإنجليز لأفغانستان من مواصلة ابتلاعهم لبلاد المسلمين.
وما إن وطئت أقدام الروس بلاد تركستان حتى واصلوا جرائمهم, التي سبق وأن ذكرناها في مقال مغول الشمال, ولكنها كانت بصورة أقل، ذلك لأن احتلال التركستان كان في فترة قريبة، وأيضًا لأن تركستان بعيدة عن موسكو, بينما كان التتار في حوض نهر الفولغا وشمال القوقاز كان لهم النصيب الأكبر من الطغيان الروسي.
وللأسف الشديد، اختلفت اتجاهات المسلمين من تتار وترك وقوقاز في روسيا, فكان البعض يريد الاستقلال التام والبعض يريد الاستقلال الذاتي، وكان كل فريق يسير في اتجاه غير الذي يسير فيه الآخرون، فالبعض يسير في اتجاه الاشتراكية والبعض يسير في اتجاه الشيوعية وغيرها، وكان السياسيون في روسيا يستغلون المسلمين باستمرار في الوصول إلى الحكم، ويمنونهم بالأماني إذا وصلوا للحكم, ولكنهم بمجرد وصولهم للحكم يذيقون المسلمين ألوانًا من العذاب تفوق سابقيهم.
لم يتعظ المسلمون من التجارب, وكانوا ينضمون لأي حركة معارضة للنظام الحاكم, حتى لو كانت مبادئها تتعارض مع الإسلام، وبالتالي يتنازلون عن بعض أمور دينهم ويظنون أن من انضموا إليهم سيخلصونهم من الظلم المحيط بهم, فما كان من الذين أحسنوا الظن بهم إلا أن غدروا بهم وزادوهم رهقًا وظلمًا بمجرد ما يستتب لهم الأمر، أضف إلى ذلك الجهل وعدم الفهم الصحيح للإسلام المنتشر بين كثير من المسلمين في روسيا ومحاولات روسيا المستمرة لتشويه صورة الإسلام, والاستهزاء به وغزوها الفكري للمسلمين، سواء في التعليم أو الدعاية أو برامج الإذاعة أو الكتب أو المجلات أو السينما أو النشاط الاجتماعي وغيرها.
وبرغم كل هذا فقد قاوم المسلمون الاحتلال الروسي ومن الأمثلة على ذلك: قيام قبائل الأوزبك بحركة ضد الروس عام 1322هـ (حركة الجهاد) ولكنها فشلت وعندما قامت الثورة الشيوعية في البلاد 1336هـ أعلن الأوزبك استقلال بلادهم, وكونوا حكومة تركستان المستقلة والتي اتخذت من مدينة خوقذو مقرًّا لها إلا أن الشيوعيين قد انقضوا عليهم وطوقوا بلادهم، وارتكبوا فيهم أبشع الجرائم لإخمادهم.
التقسيمات السياسية في تركستان:
عملت روسيا على تفريق وحدة سكان التركستان, فقسمت بلادهم إلى خمس جمهوريات اتحادية, بل وأعطت بعض المناطق بداخل هذه الجمهوريات الاستقلال الذاتي في شكل مقاطعات، وذلك كالتالي:
1- جمهورية قازاقستان (كازاخستان):
وهي ليست جزءًا من بلاد ما وراء النهر, ولكنها ضمن منطقة التركستان وهي جمهورية كبيرة المساحة 2.717.300كم2 وعاصمتها (ألما آتا) وقد دفعت روسيا بأعداد كبيرة من الروس والأوكرانيين ليرفعوا نسبة النصارى في هذه الجمهورية الشاسعة حتى وصلت نسبتهم الآن إلى 54% من إجمالي عدد السكان وكانت الجمهورية الإسلامية الوحيدة في روسيا التي تحتوي على معامل نووية.
2- أوزبكستان:
وبها أكبر مدن تركستان مثل سمرقند, والعاصمة طشقند, وبخارى, وخوقند, وتحتوى على مقاطعة ذات استقلال ذاتى, وهي قرة قالباق, وعاصمتها نوخوس وبها مدينة خوارزم (خيوة).
3-تركمانستان:
وعاصمتها عشق أباد وبها مدينة مرو, استولى الروس على القسم الأكبر من بلاد التركمان إثر الحرب التركمانية 1297- 1298هـ.
4- قيرغيزستان:
وكانت عاصمتها أثناء الاحتلال الروسي فرونزي, نسبة إلى القائد الروسي الذي احتلها, وبعد أن استقلت أصبحت العاصمة مدينة بيشكيك ويوجد بها مدينة فرغانة، وعند الاحتلال الروسي لها أبيد أكثر من ثلث سكانها والجمهوريات الأربع السابقة يرجع معظم سكانها إلى أصل تركي.
5- جمهورية طاجكستان:
ويرجع معظم سكانها إلى أصل فارسي وعاصمتها مدينة دوشانبي، وبها إقليم غورنو باداخشان ذو الاستقلال الذاتي.
الاستقلال عن روسيا
وكانت المقاومة للاستعمار على أشدها في التركستان ولكن الروس كانوا يعتمون عليها إعلاميًّا حتى جاء عام 1409هـ؛ حيث سقطت الشيوعية في الاتحاد السوفيتى ثم انحل الاتحاد السوفيتي عام 1411هـ، فاستقلت الجمهوريات الخمس السابقة, وبدأت تنفتح على العالم الإسلامي, وحرصت على تكوين علاقات طيبة مع الدول الإسلامية, وبخاصة تركيا لتشابهها معها في اللغة والأصل, وغيرها من الروابط وأصبحت علاقتها مع روسيا في ظل رابطة دول الكومنولث, واستقرت الأوضاع إلى حد كبير في الجمهوريات التركستانية باستثناء طاجكستان, حيث قامت فيها حرب أهلية بين المعارضة ورئيس طاجكستان الذي يدعمه الروس.
تواجه قازاقستان مشكلة زيادة نسبة المهاجرين الروس والأوكرانيين عن السكان الأصليين؛ حيث تصل نسبتهم إلى 54%، بينما السكان المسلمون الأصليون نسبتهم 45%، وبمجرد حصول قازاقستان على الاستقلال, أجبرتها أمريكا على التخلص من المفاعلات النووية التي في أرضها, وكذا الأسلحة النووية التي خلفها الروس.
تسعى روسيا لإيجاد نفوذ لها في تركستان, وأقرب دليل على ذلك مساعدتها لرئيس طاجكستان في حربه ضد المعارضة
المغول في تركستان الغربية
كان نصيب جغطاي من البلاد التي استولى عليها المغول كل من تركستان وبلاد الأويغور (كانسو) وبلاد ما وراء النهر, وقد علمنا من الفصل السابق أن بلاد الأويغور وتركستان الشرقية قد آلت في النهاية للصينيين, وتكون الآن إحدى الولايات الصينية، وسنتناول في هذا الفصل الجزء الباقي من تركستان.
تتابع على حكم هذه المنطقة من أسرة جغطاي العديد من الخانات كان أول من دخل في الإسلام منهم مبارك شاه الذي تولى الحكم عام 664هـ، وقد كان سبب إسلامه أمه أرغنه المسلمة زوجة قرة هولاكو حفيد جغطاي، ولم يدم ملكه إلا قليلاً فسرعان ما خلعه ابن عمه براق خان وحل محله في نفس العام.
واشتهر براق خان بحروبه ضد أسرة أوغطاى وانتصاره عليهم، ويقال إنه أسلم في آخر أيامه، وتسمى بغياث الدين ثم جاء من بعده حكام منهم:
دودا خان الذي استطاع إخضاع الأوغطائيين, وكجك خان الذي كثرت في عهده الحروب بين الجغطائيين والدولة الإيلخانية, وانتصرت فيها الدولة الإيلخانية, وضعف بعدها الجغطائيون, وخاصة أن مملكتهم الواسعة, والتي كانت تضم أملاكهم وأملاك الأوغطائيين, تسلم أمرها خانات ضعاف لم يتمكنوا من السيطرة عليها.
وعندما تسلم أمر هذه المملكة الواسعة طرما شيرين عام 722هـ اعتنق الإسلام، وأسلم معه الكثيرون من أسرة جغطاي, ولكن التفكك قد عرف طريقه إلى الدولة, واحتفظ بعض حكامها بوثنيتهم (مغولستان) وأسلم الآخرون، واستطاع بوزون خان أن يخلع طرما شيرين ويحل مكانه ولم يكن بوزون مسلمًا فاضطهد المسلمين وبرغم ذلك تمكن المسلمون من تنصيب حاكم مسلم هو على خان من أسرة أوغطاى على المنطقة, وجاء من بعده حاكم آخر مسلم هو محمد خان في الفترة من(743 - 744هـ)، ثم قازان الذي بوفاته عام 747هـ انقسمت المملكة إلى عدة إمارات, واستطاع الأمراء الأتراك أن يحاربوا المغول ويسيطروا على أجزاء كثيرة من البلاد, حتى ظهر توغلق خان الذي استقل بكاشغر في تركستان الشرقية في عام 748هـ, وأخذ يتوسع في ملكه حتى ضم بلاد ما وراء النهر وفي عهده أسلم ما يزيد على 160000 من المغول.
تيمورلنك
يرجع أصل تيمورلنك إلى قبيلة البرلاس التركية وقد دعم أحد أجداده جنكيز خان فأحبه، وجعله وصيًّا على ابنه جغطاي, فبرز بين المغول, وقد ولد تيمورلنك في بلدة كش عام 736هـ.
أرسل توغلق خان جيشًا إلى سمرقند لإخضاعها, وكانت قبيلة البرلاس تسكن في إحدى ضواحيها، فاتصل تيمورلنك بقائد الجيش وأكرمه فأعطى القائد أوامره للجيش بألا يقربوا من قبيلة البرلاس, ودعي تيمورلنك لمقابلة الخان، الذي كافأه بتعيينه حاكمًا لمدينة كش، وهي المدينة التي ولد فيها تيمورلنك.
تيمور يوسع ملكه:
عين تيمور أميرًا على مدينة سمرقند، وعين إلياس بن توغلق على بلاد ما وراء النهر، وكان تيمورلنك يسيء إلى أهل سمرقند فدب الخلاف بينهما فراسل إلياس أباه, فأوصاه أبوه بقتل تيمورلنك أمير سمرقند، ففر تيمور قبل أن يصلوا إليه واتحد مع أخي زوجته الأمير الفار أيضًا، وجمعوا حولهم بعض المؤيدين وحاربوا المغول فانتصروا عليهم, وعندما توفي توغلق خان غادر ابنه إلياس بلاد ما وراء النهر ليتسلم مكان أبيه, فدانت لتيمورلنك بلاد ما وراء النهر واتخذ سمرقند عاصمة لدولته.
حارب إلياس بن توغلق تيمورلنك وانتصر عليه, ولكن إلياس فشل في دخول سمرقند ثم أعلن أخو زوجة تيمورلنك نفسه أميرًا على سمرقند فلم يعترض تيمور حتى لا يتفرقوا أمام المغول, ثم ما لبث أن حاربه وانتصر عليه وأصبح تيمور أميرًا للتتار وسيطر تمامًا على ما وراء النهر, حتى أن قمر الدين المعين عليها اسميًا من قبل أسرة جغطاي اضطر لمغادرتها, وعين تيمور عام 771 سيورغتمش بن دانشمندجة من أسرة أوغطاي خانًا على بلاد ما وراء النهر, وعين تيمور نفسه وزيرًا لسيورغتمش بينما السيطرة الفعلية كانت بيد تيمور, واستطاع تيمور أن يضم إلى ملكه هراة وخوارزم, في الوقت الذي كانت تركستان الشرقية تحت سلطة جغطاي, وبذلك ضمن تيمور عدم اتحاد المنطقتين. وقد ظلت تركستان الشرقية تحت حكم الجغطائيين حتى احتلها الصينيون، استنجد توقتاميش خان بلاد مغول الشمال بتيمور بعدما دخل ماماي خان القرم مدينة سراي, فأنجده تيمور ودخل مدينة سراي، واستطاع أيضًا إخضاع الروس ودخل مدينة موسكو عام 783هـ، واستطاع تيمور في الفترة من 782- 786هـ أن يضم أكثر أجزاء الدولة الإيلخانية.
ووقعت الخلافات بين تيمورلنك وتوقتاميش فسار تيمورلنك إلى بلاد المغول الشمالية, وانتصر عليهم, وعين على سراي خانًا من قبله.
اتجه تيمورلنك عام 800هـ إلى الهند واستطاع ضم كشمير ودهلي وهزم السلطان محمود وعين على دهلي حاكمًا من قبله...
اتجه تيمورلنك إلى الأناضول لمحاربة السلطان العثماني بايزيد الأول؛ وذلك لإيوائه أحمد بن أويس, وقرة يوسف الخارجين على تيمورلنك بعد أن أخضع في طريقه حلب ودمشق وبغداد، وخاف المماليك من تيمور ودفعوا له إتاوة وخطب باسمه ثم واصل تيمور طريقه لمحاربة العثمانيين, فالتقى معهم في سهل أنقرة عام 805هـ وهزم العثمانيين ومات تيمورلنك عام 808هـ وهو في طريقه لغزو الصين، ومما يذكر عن تيمورلنك (لنك أي الأعرج) أنه نشأ على المذهب الشيعي وتبعه في ذلك أبناؤه وأحفاده, وهذا ما رسخ المذهب الشيعي في عدة مناطق من ملكه, وبالذات بلاد الفرس (إيران)، ولجأ الشيعة في أكثر الأحيان لفرض المذهب الشيعي على الناس.
وللأسف الشديد، لم تؤد توسعات تيمورلنك إلا لتفتيت البلاد، فكان من نتائج غزوه لبلاد مغول الشمال أن ازداد تفككها, وظهرت الإمارات فيها بشكل واسع وأعاد للأناضول عصر الطوائف، وتسبب في توقف فتوحات العثمانيين في أوربا, ليلموا شمل دولتهم التي فتتها, ولم يذق بأسه الشديد إلا المسلمون، برغم أنه كان مسلمًا ولكن الأمة كثيرا ما ترزأ بمصائب من أبنائها, وكان يسره إذا انتصر على جيش أن يجمع أفراده ويكون من جماجمهم هرمًا، وفي بعض الأحيان كان يضعهم في حفرة ويدفنهم أحياء، وكان يستمتع بإهانة الأمراء والملوك المهزومين، وبهذا انتمى تيمور للإسلام اسمًا فقط بينما سوّدت أفعاله تاريخه؛ ولذلك ترسخ عند الكثير من المسلمين الصورة السيئة للمغول والتتار حتى بعد إسلامهم, واستغل أعداء الإسلام انتساب تيمور للإسلام ليشوهوا به الإسلام والمسلمين والإسلام بريء تمامًا من أفاعيله.
تفكك الدولة التيمورية بعد وفاة تيمورلنك:
بعد موت تيمورلنك أخذت النزاعات تدب في أوصال الأسرة التيمورية, واستقل الكثير من أطراف البلاد, وظلت الأسرة التيمورية تحكم بلاد ما وراء النهر حتى جاء آخر ملوكها السلطان محمود ومات عام 900هـ, فدب الخلاف بين أبنائه وظهر الأوزبك والصفويون وغيرهم, أما في الهند فحكم فرع من الأسرة التيمورية, وسيرد ذكرها في الفصل الخاص بالهند.
وسنتناول الآن أحوال تركستان الغربية بعد الأسرة التيمورية وحتى الآن..
الأسرة الشيبانية:
ترجع أصول هذه الأسرة إلى شوبان بن جوجي, وكان باتو أخا شيبان قد أعطاه شرق أورال، بحيث يتبع سراي عاصمة مغول الشمال.
وقى منتصف القرن العاشر الهجرى اتجه محمد الشيباني أحد أحفاد شوبان من سيبيريا إلى بلاد ما وراء النهر, يقود جيشًا عرف بجيش أوزبك, مستغلاً التفكك الذي تعانى منه بلاد التتار, وقضى على أبناء محمود خان آخر السلاطين التيموريين, وهاجرت قبائل مع محمد الشيباني من سيبيريا إلى بلاد ما وراء النهر والذين بقوا منها هناك عرفوا بقياصرة تيومن.
أسس محمد الشيباني الدولة الشيبانية عام 906هـ في بلاد ما وراء النهر واستطاع أن يضم سمرقند ويتخذها عاصمة لدولته, وقد استنجد خان سمرقند بحاكم الهند ظهير الدين محمد بابر, والذي يرجع في أصوله للتيموريين, وقامت الحروب بين محمد الشيباني وظهير الدين محمد بابر, والذي كان يعاونه الصفويون في الدولة الإيلخانية، ولكن محمد الشيباني استطاع أن يبسط نفوذه على بلاد ما وراء النهر, برغم المقاومة من حاكم الهند، وتوفي محمد الشيباني قتيلاً في حروبه عام 916هـ, وتتابع من بعده على حكم بلاد ما وراء النهر عدد من الخانات من أسرة شوبان لمدة قرن من الزمان حتى عام 1007هـ؛ حيث دب الضعف في أواخر أيام الأسرة الشيبانية, فعندما آل الحكم إلى عبد الله الثاني عام 991هـ ثار عليه ابنه عبد المؤمن بإيعاز من الصفويين، فهُزم عبد الله أمام ابنه, وفقد الكثير من ملكه حتى مات عام 1006هـ ثم ما لبث ابنه أن قتل عام 1007هـ، وضاعت هيبة الشيبانيين (الأوزبك) وتولى الحكم بعدهم أنسباؤهم الذين عرفوا بالجانيين.
الأسرة الجانية:
وهم أنسباء الشيبانيين, ويعود أصلهم إلى استراخان, حيث فر الكثير من أمرائها عندما احتلها الروس، واستقروا في بخارى وقوى نفوذهم في عهد الشيبانيين (الأوزبك)، حتى تسلموا مقاليد البلاد وظلت تحكم البلاد حتى قضى عليهم عام 1200هـ، وفي فترة حكمهم انقسمت البلاد إلى عدة خانات هي بخارى وخوقند وفرغانه, وسمرقند وخوارزم وغيرها, والتي تشكل الأجزاء التي خضعت للاحتلال الروسي من تركستان، أما بلخ وبادخشان وغيرها من الأجزاء الواقعة شرقي نهر جيحون, فكونت بلاد الأفغان, والآن سندرس الأجزاء التي خضعت للاحتلال الروسي:
الأجزاء التي خضعت للاستعمار الروسي:
تكونت عدة خانات في تركستان الغربية، وأهمها:
خانية بخارى:
حكمت أسرة المانغيت خانية بخارى, فقد تولى أحد أبنائها وهو عبد الرحيم, وزارة بخارى أيام الجانيين, ثم تزوج مير معصوم شاه أحد أبناء الأسرة من ابنة أبى الغازي, آخر خانات الجانيين, فدانت له خانية بخارى عام 1200هـ وحاول استرداد ما فقده الجانيون في بلاد الأفغان, ولكنه فشل وضعفت خانية بخارى في بداية القرن الرابع عشر, وتوالت عليها الهجمات الروسية (1282- 1289هـ) وتقدم الروس في الخانية عام 1328هـ في الوقت الذي تولى فيه سيد مير الخانية, وقامت الحرب العالمية الأولى, وبدأ النفوذ الروسي يقل, فاستقل سيد مير بخانية بخارى, إلا أن الثورة الشيوعية قامت واستطاعت إتمام احتلال خانية بخارى عام 1338هـ.
خانية خوارزم:
كما سبق وأن ذكرنا, كانت خوارزم تابعة لدولة مغول الشمال, حتى ضمها تيمورلنك إلى أملاكه ثم بعد تفكك الدولة التيمورية, استطاع الشيبانيون أن يسيطروا عليها ويؤسسوا بها خانية خوارزم (خيوة) عام 921هـ ودخلوا في حروب مع خانية بخارى, وامتد حكمهم حتى عام 1219هـ باستثناء عام 1153هـ عندما استطاع نادر خان أن يحتل خوارزم, ثم ما لبث أن عادت إليهم منذ عام 1219هـ وبدأ وزراؤهم يتسلمون حكم الخانية, حتى دخل محمد سيد أحمد خان خوارزم في طاعة الروس عام 1290هـ ولكنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مستقلين، وعندما قامت الثورة الشيوعية انسحب الروس منها عام 1336هـ ثم ما لبث أن احتلها الشيوعيون عام 1337هـ.
خانية خوقند (فرغانة):
استقلت عام 1112هـ وحكمها أحفاد محمد بابر ظهير الدين مؤسس دولة المغول في الهند, واستطاع عالم خان أحد حكام خوقند أن يضم طشقند عام 1215هـ ونشبت الحرب بين خانية خوقند وخانية بخارى واستطاع حكام بخارى أن يستولوا على (فرغانة) خوقند ما بين عام (1255- 1256هـ)، ولكن حكام خوقند استطاعوا أن يستعيدوها, واستمر حكمهم لخوقند حتى عام 1293هـ حيث احتلها الروس.
التركستان تحت وطأة الاحتلال الروسي
استطاعت روسيا أن تضم جميع جهات التركستان, باستثناء تركستان الشرقية التي ضمتها الصين, وكان آخر ما ضموه من بلاد التركستان هي الثلاث خانيات السابقة, ومنعهم احتلال الإنجليز لأفغانستان من مواصلة ابتلاعهم لبلاد المسلمين.
وما إن وطئت أقدام الروس بلاد تركستان حتى واصلوا جرائمهم, التي سبق وأن ذكرناها في مقال مغول الشمال, ولكنها كانت بصورة أقل، ذلك لأن احتلال التركستان كان في فترة قريبة، وأيضًا لأن تركستان بعيدة عن موسكو, بينما كان التتار في حوض نهر الفولغا وشمال القوقاز كان لهم النصيب الأكبر من الطغيان الروسي.
وللأسف الشديد، اختلفت اتجاهات المسلمين من تتار وترك وقوقاز في روسيا, فكان البعض يريد الاستقلال التام والبعض يريد الاستقلال الذاتي، وكان كل فريق يسير في اتجاه غير الذي يسير فيه الآخرون، فالبعض يسير في اتجاه الاشتراكية والبعض يسير في اتجاه الشيوعية وغيرها، وكان السياسيون في روسيا يستغلون المسلمين باستمرار في الوصول إلى الحكم، ويمنونهم بالأماني إذا وصلوا للحكم, ولكنهم بمجرد وصولهم للحكم يذيقون المسلمين ألوانًا من العذاب تفوق سابقيهم.
لم يتعظ المسلمون من التجارب, وكانوا ينضمون لأي حركة معارضة للنظام الحاكم, حتى لو كانت مبادئها تتعارض مع الإسلام، وبالتالي يتنازلون عن بعض أمور دينهم ويظنون أن من انضموا إليهم سيخلصونهم من الظلم المحيط بهم, فما كان من الذين أحسنوا الظن بهم إلا أن غدروا بهم وزادوهم رهقًا وظلمًا بمجرد ما يستتب لهم الأمر، أضف إلى ذلك الجهل وعدم الفهم الصحيح للإسلام المنتشر بين كثير من المسلمين في روسيا ومحاولات روسيا المستمرة لتشويه صورة الإسلام, والاستهزاء به وغزوها الفكري للمسلمين، سواء في التعليم أو الدعاية أو برامج الإذاعة أو الكتب أو المجلات أو السينما أو النشاط الاجتماعي وغيرها.
وبرغم كل هذا فقد قاوم المسلمون الاحتلال الروسي ومن الأمثلة على ذلك: قيام قبائل الأوزبك بحركة ضد الروس عام 1322هـ (حركة الجهاد) ولكنها فشلت وعندما قامت الثورة الشيوعية في البلاد 1336هـ أعلن الأوزبك استقلال بلادهم, وكونوا حكومة تركستان المستقلة والتي اتخذت من مدينة خوقذو مقرًّا لها إلا أن الشيوعيين قد انقضوا عليهم وطوقوا بلادهم، وارتكبوا فيهم أبشع الجرائم لإخمادهم.
التقسيمات السياسية في تركستان:
عملت روسيا على تفريق وحدة سكان التركستان, فقسمت بلادهم إلى خمس جمهوريات اتحادية, بل وأعطت بعض المناطق بداخل هذه الجمهوريات الاستقلال الذاتي في شكل مقاطعات، وذلك كالتالي:
1- جمهورية قازاقستان (كازاخستان):
وهي ليست جزءًا من بلاد ما وراء النهر, ولكنها ضمن منطقة التركستان وهي جمهورية كبيرة المساحة 2.717.300كم2 وعاصمتها (ألما آتا) وقد دفعت روسيا بأعداد كبيرة من الروس والأوكرانيين ليرفعوا نسبة النصارى في هذه الجمهورية الشاسعة حتى وصلت نسبتهم الآن إلى 54% من إجمالي عدد السكان وكانت الجمهورية الإسلامية الوحيدة في روسيا التي تحتوي على معامل نووية.
2- أوزبكستان:
وبها أكبر مدن تركستان مثل سمرقند, والعاصمة طشقند, وبخارى, وخوقند, وتحتوى على مقاطعة ذات استقلال ذاتى, وهي قرة قالباق, وعاصمتها نوخوس وبها مدينة خوارزم (خيوة).
3-تركمانستان:
وعاصمتها عشق أباد وبها مدينة مرو, استولى الروس على القسم الأكبر من بلاد التركمان إثر الحرب التركمانية 1297- 1298هـ.
4- قيرغيزستان:
وكانت عاصمتها أثناء الاحتلال الروسي فرونزي, نسبة إلى القائد الروسي الذي احتلها, وبعد أن استقلت أصبحت العاصمة مدينة بيشكيك ويوجد بها مدينة فرغانة، وعند الاحتلال الروسي لها أبيد أكثر من ثلث سكانها والجمهوريات الأربع السابقة يرجع معظم سكانها إلى أصل تركي.
5- جمهورية طاجكستان:
ويرجع معظم سكانها إلى أصل فارسي وعاصمتها مدينة دوشانبي، وبها إقليم غورنو باداخشان ذو الاستقلال الذاتي.
الاستقلال عن روسيا
وكانت المقاومة للاستعمار على أشدها في التركستان ولكن الروس كانوا يعتمون عليها إعلاميًّا حتى جاء عام 1409هـ؛ حيث سقطت الشيوعية في الاتحاد السوفيتى ثم انحل الاتحاد السوفيتي عام 1411هـ، فاستقلت الجمهوريات الخمس السابقة, وبدأت تنفتح على العالم الإسلامي, وحرصت على تكوين علاقات طيبة مع الدول الإسلامية, وبخاصة تركيا لتشابهها معها في اللغة والأصل, وغيرها من الروابط وأصبحت علاقتها مع روسيا في ظل رابطة دول الكومنولث, واستقرت الأوضاع إلى حد كبير في الجمهوريات التركستانية باستثناء طاجكستان, حيث قامت فيها حرب أهلية بين المعارضة ورئيس طاجكستان الذي يدعمه الروس.
تواجه قازاقستان مشكلة زيادة نسبة المهاجرين الروس والأوكرانيين عن السكان الأصليين؛ حيث تصل نسبتهم إلى 54%، بينما السكان المسلمون الأصليون نسبتهم 45%، وبمجرد حصول قازاقستان على الاستقلال, أجبرتها أمريكا على التخلص من المفاعلات النووية التي في أرضها, وكذا الأسلحة النووية التي خلفها الروس.
تسعى روسيا لإيجاد نفوذ لها في تركستان, وأقرب دليل على ذلك مساعدتها لرئيس طاجكستان في حربه ضد المعارضة
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 7:47 am عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة الاسلام في آفغانستان))
قصة الإسلام في أفغانستان
لم تظهر دولة الأفغان إلا قريبًا حيث كانت الأجزاء المكونة لها تتوزع بين الدولة الإيلخانية والهند والأوزبك. فقد سيطر على أجزائها التيموريون, ثم ما لبث أن انقسمت دولتهم إلى إمارات عديدة, ومنها إمارة هراه التي كانت تتبع خراسان, والتي كان يحكمها أحد فروع الأسرة التيمورية, وكانت هناك إمارة كابل وغزنة وكان يسيطر عليها ظهير الدين محمد بابر حاكم الهند، وكان ذلك عام 932هـ، واستطاع الصفويون دخول قندهار ثم أخذها منهم الأوزبك, ثم عاد مغول الهند فسيطروا عليها عام 1021هـ، وسلموها للصفويين عام 1038هـ.
أفغانستان تحت السيطرة الصفوية
استطاع الصفويون أن يضموا إلى دولتهم أكثر الأجزاء الأفغانية, ثم ظهرت بعض المحاولات للاستقلال عن الصفويين أهمها ما حدث في قندهار وهراة؛ حيث ظهر في قندهار ميرأويس واستطاع أن يطرد الحاكم المعين من قبل الصفويين عام 1120هـ, وحكمها مير ثم توفي وورث ابنه محمود الحكم وهو صغير فاستولى عمه على الحكم بدعم الصفويين, ولكن ما لبث محمود أن كبر فحارب عمه واسترد قندهار.
أما ما حدث في هراة فكان أكبر بكثير, فقد شجع ما حدث في قندهار على القيام بعمل أكبر ضد الصفويين, فظهر أسد الله من القبائل الدورانية (العبدلية) واستطاع أن يسيطر على هراة ويحكمها، ثم جاء مير محمود من الأسرة الدورانية فحارب الصفويين وانتصر عليهم, واستطاع أن يبسط نفوذه على معظم أراضيهم بما فيها عاصمتهم أصفهان عام 1135هـ, ولم يتبق للصفويين إلا أجزاء صغيرة في الشمال, فاستنجد الصفويون بالروس فاستغلوا الفرصة وأخذوا يتقدمون في أراضي الصفويين, فأوقف العثمانيون تقدمهم ثم حدثت معاهدة بين العثمانيين والروس لتقسيم الأجزاء الشمالية بينهم, ثم خلع الأفغان مير محمود لضعفه عقليًّا، وتسلم مكانه ابن عمه أشرف بن عبد العزيز، فاتجه لمحاربة العثمانيين, لأنه لم يرض عن اتفاقهم مع الروس على اقتسام الأراضي الشمالية من الصفويين, ثم ظهر نادر خان الذي يدعم الصفويين, وقاتل الأفغان واستطاع أن يخرجهم من أراضي الصفويين, بل استطاع إخضاع بلادهم بالكامل.
ظهور الدولة الأفغانية
بعد وفاة نادر خان عام 1160هـ رجعت فرقة الأفغان التي كانت تحارب معه إلى قندهار, ونادت قائدها أحمد شاه العبدلي من الأسرة الدورانية، وعرفت إمارته باسم الدولة الأفغانية.
الأسرة الدورانية:
حكمت الأسرة الدورانية أفغانستان أكثر من قرنين من الزمان, وقد توالى عليها عدد من الحكام:
أحمد شاه:
وهو مؤسس الأسرة الحاكمة ومؤسس دولة أفغانستان, واستطاع أن يضم إليه الملتان ولاهور وكشمير, وحارب السيخ, واتخذ من قندهار عاصمة لدولته ومات عام 1187هـ، وتسلم بعده ابنه تيمور شاه.
تيمور شاه:
نازع أخوه سليمان في الملك، ولكنه تمكن من السيطرة على قندهار, وقتل أخاه ونقل العاصمة إلى كابل, وحارب السيخ الذين احتلوا الملتان، وانتصر عليهم واسترد منهم الملتان عام 1196هـ, واستقل في أيامه أمراء السند ذاتيًّا وحارب أمير بخارى معصوم, وانتصر عليه وأخمد ثورة في كشمير, وكان الإنجليز يشجعون السيخ في الهند والقاجاريين في فارس على قتاله, وتوفي عام 1207هـ وتولى ابنه زمان شاه الحكم.
نزاع أبناء تيمور على الحكم:
تولى زمان شاه الحكم بعد أبيه حتى عام 1215 فخلعه أخوه محمود ووضعه في السجن, ولكن أخاهم الثالث شجاع الملك أعلن نفسه ملكًا في بيشاور واستطاع أن يحتل كابل, ويخلع أخاه محمود، ويخرج أخاه زمان شاه من السجن وقد عمي.. ثم استطاع محمود أن يعود للملك مرة أخرى عام 1224هـ ثم قتل محمود أخًا له يدعى فتح خان, فقام أخ لهم آخر يدعى دوست محمد بمحاربة محمود, والثأر لأخيه واستطاع دخول كابل, واستغل أعداء الأفغان الفرصة، فاحتل الفرس هراه واحتل السيخ الإمارات الهندية, واستنجد شجاع الملك بالإنجليز, فساروا بقوة ودخلوا كابل وأعادوا شجاع الملك إلى الحكم 1255هـ, واستسلم دوست محمد للإنجليز فنفوه إلى البنغال.
وفي أثناء انسحاب الجيش الإنجليزي هجم الأفغان عليه بقيادة محمد زائي ومعه أكبر خان بن دوست محمد, وكاد الجيش الإنجليزي أن يباد وقتل شجاع الملك في الحرب, واضطر الإنجليز أن يعيدوا دوست محمد للحكم.
دوست محمد خان:
حاول تهدئة الأوضاع الداخلية بإعادة إخوته وأبنائه للإمارات وكذلك الأوضاع الخارجية بعقد معاهدة صداقة مع إنجلترا والصلح مع الروس، ولكن نقم الإنجليز عليه لعدم مساعدتهم في الثورات التي قامت ضدهم في الهند, وحاول الإنجليز غزو بلاد الأفغان، ولكنهم وجدوا مقاومة عنيفة جعلتهم يفشلون في دخولها، وتوفي دوست محمد عام 1280هـ وتسلم بعده ابنه شير علي.
شير علي والاحتلال الإنجليزي لأفغانستان:
زادت تدخلات إنجلترا في شئون الأفغان بعدة ذرائع, منها: صد هجمات القبائل الأفغانية عن الهند, ومرة بالوقوف في وجه الامتداد الروسي؛ ولذلك اضطر شير علي أن يستعين بالروس ضد الإنجليز, فرحب بالوفد الروسي ورفض الوفد الإنجليزي, فانقضت إنجلترا على أفغانستان، واحتلتها عام 1295هـ، وتوفي شير علي في العام التالي.
يعقوب بن شير علي:
تولى بعد أبيه الحكم تحت الاحتلال الإنجليزي وكان مسايرًا للاحتلال فرفضه الأفغانيون, واضطر أن يتنازل عن الحكم بعد 3 أعوام من توليه؛ لأن رجاله هاجموا الوزير الإنجليزي في كابل وقطعوه إربًا واشتدت المقاومة الأفغانية للاحتلال الإنجليزي, حتى اضطرت إنجلترا للانسحاب من أفغانستان وعقدت اتفاقية تستقل بمقتضاها أفغانستان, مع استمرار تحكم الإنجليز في سياستها الخارجية.
عبد الرحمن:
تسلم الحكم بعد خروج الإنجليز وهو ابن أفضل بن دوست محمد وحاولت روسيا دخول مدينة هراة عام 1302هـ فأسرعت إنجلترا لوقفها, وعقدت بين الروس والإنجليز معاهدة بطرسبرغ التي بمقتضاها تكتفي روسيا بما احتلته من إقليم خراسان (جمهورية تركمانستان), وعدم التقدم في أفغانستان, ولكن روسيا عادت للتدخل في أفغانستان, وحاولت ضم باداخشان فعقدت إنجلترا وروسيا معاهدة عام 1313هـ اعترفت فيها روسيا أن باداخشان جزء من بلاد الأفغان, ورسمت الحدود بين مناطق السيطرة الروسية وأفغانستان, وحاول أيوب بن عم علي, الذي فر إلى إيران وجمع رجاله وغزا بلاد الأفغان، واحتل قندهار إلا أن عبد الرحمن أجبره على الانسحاب والرجوع إلى إيران, وكذلك حاول إسحاق خان ابن عم عبد الرحمن الذي تولى المناطق الشمالية أن يحتل كابول, ولكن عبد الرحمن استطاع أن يهزمه واضطر للفرار إلى سمرقند في حماية الروس، وتوفي عبد الرحمن عام 1319هـ.
حبيب الله خان:
تولى الحكم بعد موت أبيه عبد الرحمن وزاد في عهده النفوذ الإنجليزي, واضطرت روسيا وإنجلترا أن يبرما معاهدة يعترفان فيها باستقلال أفغانستان, وحاول العثمانيون استقطاب حبيب الله في الحرب العالمية الأولى، ولكنه كان يؤيد الإنجليز فنقم عليه الأفغانيون وقتلوه عام 1338هـ.
أمان الله خان:
هو ابن حبيب الله خان, تسلم السلطة بعد موت أبيه وتلقب باسم ملك, وفي عهده حارب الأفغان الإنجليز بقيادة محمد نادر شاه, وانتصر الأفغان وطردوا الإنجليز من كل المناطق التي يحتلونها، وأبرموا مع الإنجليز معاهدة تعترف فيها باستقلال أفغانستان, وشعر أن الأمر قد استتب له، فركن إلى الترف واللهو وأعجب بالحضارة الأوروبية, فسار يقلدها رغم ما تحمله من مخالفات للإسلام, وانصرف إلى رحلة طويلة في أوربا, وأبعد عن البلاد محمد نادر شاه بتعيينه سفيرًا لأفغانستان في باريس، وأعجب بالسفور فطبقه على أهل بيته, وظهرت نساؤه سافرات متبرجات, في رحلته الأوربية فنقم عليه الشعب، فما زاده ذلك إلا إصرارًا, وأصدر أمرا بخلع الزي الأفغاني وجعل الزي الأوربي زيًّا عامًّا، فاشتد غضب الشعب فاستغل أحد الوصوليين هذه الظروف, وهو باجي السقا وجمع حوله أهل المصالح وقطاع الطرق واستطاع أن يسيطر على كابول، وأن يجبر أمان الله على التنازل عن الحكم لأخيه عناية الله، وسافر أمان الله إلى بريطانيا ليكمل لهوه وترفه.
عناية الله:
اشتد في عهده خطر باجي السقا, الذي أعلن نفسه ملكًا على أفغانستان باسم حبيب الله غازي, وعمت الفوضى البلاد، وفشل عناية الله في السيطرة عليها, وتدخل محمد نادر شاه، وخاصة أنه من الأسرة الحاكمة, والتف حوله الشعب نظرًا لبلائه الحسن في القتال ضد الإنجليز, ورفعوه على عرش أفغانستان عام 1348هـ.
محمد نادر خان:
بمجرد وصوله إلى الحكم ألقى القبض على باجي السقا, وأعدمه شنقًا، ومضى في إصلاح البلاد مما أصابها، فقضى على الرشوة والفساد, وعفا من إدارة البلاد الذين عرفوا بفسادهم، ولكنه قتل على يد أحد أبناء الذين شملهم الإعفاء عام 1352هـ، وتسلم بعده ابنه محمد ظاهر شاه.
محمد ظاهر شاه:
عندما تسلم الحكم كان يبلغ من العمر 19 عامًا, ولكن رجال أبيه أعانوه في شئون الحكم فسارت البلاد بشكل طيب لمدة 15 عامًا, ثم بدأ يشعر بذاتيته فأبعد من كان حوله وبدأ ينحرف عن الطريق الصحيح وأصدر منشورًا ملكيًّا عام 1379هـ يبيح للنساء الخروج سافرات فاستجابت الأسر التي تحب التقليد الأعمى لأوربا, وخلع نساؤها الحجاب وزاد الانفتاح على الدول النصرانية في البلاد، وسمح للروس بزيادة نفوذهم في أفغانستان، وأخذوا يبحثون عن مؤيدين لهم فيها فوجدوا ضالتهم في رئيس الوزراء محمد داود، وفي نفس الوقت زوج أخت الشاه, فأحس الشاه بميول محمد داود فأعفاه من منصبه, فأخذ محمد داود يعمل في الخفاء للقضاء على النظام الحاكم في أفغانستان، وبدأ الشيوعيون يظهرون في البلاد وقويت شوكتهم, وفيما يبدو أن المعسكرين الشرقي والغربي قد قسموا العالم إلى مناطق نفوذ بينهما, وكانت أفغانستان من نصيب الروس فأطلقوا لهم العنان في مد النفوذ فيها, وفي نفس الوقت بدأ الوعي الإسلامي بالخطر المحيط من قبل الروس, وزيادة خبرائهم في البلاد.
وحدثت مصادمات بين المسلمين والشيوعيين, انتهت أغلبها بنصر المسلمين برغم تفوق الشيوعيين في الإمكانيات الحربية ودعم الروس والصينيين.
الحكم الشيوعي
محمد داود:
استطاع محمد داود بتنسيق بين الروس والشيوعيين أن يقوم بانقلاب عسكري في عام 1393هـ والشاه في إيطاليا، وتمكن محمد داود من البلاد, وألغى الملكية وأعلن الجمهورية ونصب نفسه رئيسًا لها، وأخذ يضيق الخناق على الحركات الإسلامية.
ما لبث أن توترت العلاقات بينه وبين الشيوعيين, لأنه كان يعتبر أنه بوصوله للحكم استتب له الأمر, بينما الروس يعتبرونه مرحلة من مراحل دخول الشيوعية تمهيدًا لترسيخها في البلاد، فكثرت الاغتيالات وذلك لإثارة الفوضى في البلاد والإشارة إلى عدم استقلالها، فأحس محمد داود بالخطر المحيط به فأسرع بالقبض على زعماء الشيوعية في البلاد ومنهم نور محمد تراقي، وحفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، ولكنه قبل أن يجهز على من تبقى حدث انقلاب ضده عام 1398هـ بقياد محمد غلاب أحد قادة حزب خلق الشيوعي, ومعه العميد الشيوعي عبد القادر الذي قاد الانقلاب السابق ضد محمد ظاهر شاه، والآن يقوده ضد حليفه محمد داود وسمى هذا الانقلاب بثورة ساور (أي ثورة نيسان), وأخرج من السجن الزعماء الشيوعيين وعين نور محمد تراقي زعيم حزب خلق الشيوعي رئيسًا للجمهورية.
نور محمد تراقي:
ما إن تسلم السلطة حتى سفك الدماء وأزهق الأرواح في البلاد وأظهر الشيوعية في أبهى صورها، وقتل في يوم واحد 15000, وجيء بمحمد داود وقتل أمامه أبناؤه الـ 29, ثم أجهز عليه هو وباقي أفراد أسرته, وأقام القتل في زعماء المسلمين وعامتهم, والتفت لحزب برشام الشيوعي المنافس, فأبعد قادته من البلاد بتعيين زعمائه سفراء في الخارج, ومن أمثلتهم بابرك كارمل الذي عين سفيرًا في تشيكوسلوفاكيا.
بدأ خطر هؤلاء الزعماء الخارجي في الظهور, فقد بينوا الحالة التي تحياها البلاد وخاصة أن حزب برشام يرى الارتباط بموسكو مباشرة والمناداة بالشيوعية العالمية, بينما يرى حزب خلق الحاكم أن العمل بالشيوعية يكون في نطاق الدائرة المحلية فقط، فقام نور محمد تراقي بعزل السفراء المعينين في الخارج, ولكنهم لم يعودوا إلى أفغانستان لما يتوقعونه من فتك ينتظرهم، ثم اتجه نور محمد تراقي إلى موسكو, وأبرم معاهدة مع الروس يفتح بها أبواب البلاد للجيش الروسي بحجة حماية نظامه ضد المعارضة والمقاومة الداخلية، وبدأ يظهر الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار عام 1399هـ وحدثت انتفاضة في معسكرات هراة, وتمرد العسكر في الجيش، فأرسل الروس إلى أفغانستان أول وحدة هجومية في رمضان عام 1399هـ ووقع الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه حفيظ الله أمين, ودعا الروس نور محمد تراقي للاستعانة ببابرك كارمل, ولكن نور محمد تراقي اعتذر بحجة أن رئيس الوزراء لا يطيق بابرك، فدبر الروس محاولة لاغتيال حفيظ الله أمين بتأييد رئيس الجمهورية، ولكنها فشلت واستطاع حفيظ الله أمين أن يسيطر على البلاد, ويعتقل نور محمد تراقي، وينصب نفسه رئيسًا للجمهورية في أواخر عام 1399هـ.
حفيظ الله أمين:
حاول حفيظ الله أمين أن يهدئ الأوضاع في البلاد ويحسن العلاقات مع دول الجوار، ولكن روسيا كانت تريد رئيسًا خاضعًا خضوعًا كاملاً لموسكو لا جزئيًّا, فأخذت تثير الفوضى في البلاد ووقعت مصادمات بين الجيش الأفغاني والروس الموجودين في البلاد, ودعم الروس حزب برشام الذي يعيش رئيسه بابرك كارمل في تشيكوسلوفاكيا كلاجئ سياسي أي خاضعًا للروس، وأعد الروس عدتهم للإطاحة بحفيظ الله أمين وتنصيب عميلهم بابرك كارمل, فدعموا وزير الدفاع محمد أسلم، الذي قام بالهجوم على القصر الجمهوري عام 1400هـ واعتقل رئيس الجمهورية حفيظ الله أمين وأعدمه في اليوم التالي، ونصب بابرك كارمل رئيسًا لأفغانستان وهو بخارج البلاد.
بابرك كارمل:
ما إن وصل بابرك إلى كابول حتى تدفق الروس على البلاد وسيطروا على كابول وأرسلوا قواتهم للسيطرة على بقية الأقاليم, وأصدرت الأمم المتحدة قرارها بانسحاب الروس من أفغانستان، وأعلن وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسلام أباد أن الغزو الروسي يعد مخالفة كبيرة للقانون الدولي, غير أن كل هذه النداءات لا تفيد, فالأمم المتحدة هي أداة تتحكم بها الدول الكبرى في العالم، وقتل في عام 1400هـ ما يقارب مليون مسلم على يد الروس في أفغانستان.
المقاومة الإسلامية:
كانت المقاومة الإسلامية للشيوعيين والروس على أشدها في أفغانستان, فأهل أفغانستان يشتهرون منذ زمن بعيد بتمسكهم الشديد وتحمسهم للإسلام, فأخذوا يقاومون أعداء الإسلام, وألحقوا بهم خسائر فادحة برغم تقدم الأسلحة الروسية، ولكن من عيوب المقاومة انقسام رجالها إلى عدة جمعيات, كثيرًا ما حدثت بينها خلافات أدت للتناحر بينها.
من أشهر الجمعيات التي حدث بينها تصادم الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني والحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، وبرغم ذلك لقن المجاهدون الأفغان الروس والشيوعيين دروسًا في القتال لن ينسوها، ووجدت روسيا نفسها في مستنقع تفقد فيه يوميًا العديد من فلذات أكبادها وتخسر المليارات من الأموال, واستطاعت هذه الحفنة الصغيرة من المجاهدين, التي اعتقد الروس أنهم سيسحقونها, أن تذيق الروس الأمرين وخاصة أنهم أهل البلاد الأكثر دراية بالقتال.
فاضطر الروس عام 1408هـ لتوقيع اتفاق يقضى بانسحابهم من أفغانستان بعد الخسائر الفادحة التي تكبدوها في هذه الحرب لينقذوا ما يمكن إنقاذه, ولا يمكن وصف العناء الشديد الذي تحمله الشعب الأفغاني من قتل وتشريد ولاجئين في باكستان وغيرها من الدول الإسلامية، ولم يترك الروس البلاد إلا وعملاؤهم الشيوعيون يسيطرون على الحكومة الأفغانية، وكان آخرهم نجيب الله محمد، ولم يهدأ المجاهدون وحاولوا القيام بانقلاب عسكري ضد الحكم الشيوعي, ولكن الروس عاونوا الشيوعيين في إخماده، وواصل المجاهدون جهادهم ضد الشيوعيين, وشكلوا وزارة مؤقتة مرتين ولكنهم سرعان ما اختلفوا، وفي نفس الوقت وجد النظام الشيوعي نفسه عاجزًا عن المقاومة, فاستقال الرئيس نجيب الله محمد عام 1412هـ من منصبه، وتهيأ الوضع للمجاهدين في السيطرة على البلاد، ولكن استمرت المصادمات بينهم وبعد أن كانوا بالأمس يضربون أروع الأمثال في الكفاح والجهاد ضد أعداء الإسلام زاد البأس بينهم، وانقسمت أفغانستان لعدة مناطق متناحرة وأخذ أعداء الإسلام يمدونهم بالأسلحة لإضرام نيران الفتنة والشقاق بينهم.
حركة طالبان:
ظهرت في عام 1415هـ تدعمها باكستان، واستطاعت السيطرة على أكثر أجزاء أفغانستان حتى دخلت كابول عام 1415هـ، واستطاعت أن تسيطر على أكثر من 75% من مساحة البلاد, وتحالفت ضدها الفصائل الأفغانية الأخرى بدعم من الروس وإيران والدول المجاورة الأخرى باستثناء باكستان؛ حيث خافت هذه الدول من امتداد مفاهيم الحركة إليها.
وكادت طالبان أن تقضي على المعارضة لولا المساعدات الخارجية التي أنقذتها, واستطاع أحمد شاه مسعود أن يستعيد مدينة مزار شريف (كبرى مدن المعارضة) بعد أن دخلتها قوات طالبان، وظلت نبرة المعارضة تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى، كما انهارت العلاقات الدولية بين أفغانستان والمجتمع الدولي إبان حكم طالبان بزعامة الملا محمد عمر.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م الشهيرة، التي حدث فيها اعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية، أشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، الذي يتخذ زعيمه أسامة بن لادن من أفغانستان مقرًّا له، وبالفعل هاجمت أمريكا أفغانستان واجتاحتها وفر ابن لادن والملا محمد عمر إلى مكان مجهول، وقضى الأمريكان على حركة طالبان ونصبت حامد كرزاي رئيسًا لأفغانستان.
لم تظهر دولة الأفغان إلا قريبًا حيث كانت الأجزاء المكونة لها تتوزع بين الدولة الإيلخانية والهند والأوزبك. فقد سيطر على أجزائها التيموريون, ثم ما لبث أن انقسمت دولتهم إلى إمارات عديدة, ومنها إمارة هراه التي كانت تتبع خراسان, والتي كان يحكمها أحد فروع الأسرة التيمورية, وكانت هناك إمارة كابل وغزنة وكان يسيطر عليها ظهير الدين محمد بابر حاكم الهند، وكان ذلك عام 932هـ، واستطاع الصفويون دخول قندهار ثم أخذها منهم الأوزبك, ثم عاد مغول الهند فسيطروا عليها عام 1021هـ، وسلموها للصفويين عام 1038هـ.
أفغانستان تحت السيطرة الصفوية
استطاع الصفويون أن يضموا إلى دولتهم أكثر الأجزاء الأفغانية, ثم ظهرت بعض المحاولات للاستقلال عن الصفويين أهمها ما حدث في قندهار وهراة؛ حيث ظهر في قندهار ميرأويس واستطاع أن يطرد الحاكم المعين من قبل الصفويين عام 1120هـ, وحكمها مير ثم توفي وورث ابنه محمود الحكم وهو صغير فاستولى عمه على الحكم بدعم الصفويين, ولكن ما لبث محمود أن كبر فحارب عمه واسترد قندهار.
أما ما حدث في هراة فكان أكبر بكثير, فقد شجع ما حدث في قندهار على القيام بعمل أكبر ضد الصفويين, فظهر أسد الله من القبائل الدورانية (العبدلية) واستطاع أن يسيطر على هراة ويحكمها، ثم جاء مير محمود من الأسرة الدورانية فحارب الصفويين وانتصر عليهم, واستطاع أن يبسط نفوذه على معظم أراضيهم بما فيها عاصمتهم أصفهان عام 1135هـ, ولم يتبق للصفويين إلا أجزاء صغيرة في الشمال, فاستنجد الصفويون بالروس فاستغلوا الفرصة وأخذوا يتقدمون في أراضي الصفويين, فأوقف العثمانيون تقدمهم ثم حدثت معاهدة بين العثمانيين والروس لتقسيم الأجزاء الشمالية بينهم, ثم خلع الأفغان مير محمود لضعفه عقليًّا، وتسلم مكانه ابن عمه أشرف بن عبد العزيز، فاتجه لمحاربة العثمانيين, لأنه لم يرض عن اتفاقهم مع الروس على اقتسام الأراضي الشمالية من الصفويين, ثم ظهر نادر خان الذي يدعم الصفويين, وقاتل الأفغان واستطاع أن يخرجهم من أراضي الصفويين, بل استطاع إخضاع بلادهم بالكامل.
ظهور الدولة الأفغانية
بعد وفاة نادر خان عام 1160هـ رجعت فرقة الأفغان التي كانت تحارب معه إلى قندهار, ونادت قائدها أحمد شاه العبدلي من الأسرة الدورانية، وعرفت إمارته باسم الدولة الأفغانية.
الأسرة الدورانية:
حكمت الأسرة الدورانية أفغانستان أكثر من قرنين من الزمان, وقد توالى عليها عدد من الحكام:
أحمد شاه:
وهو مؤسس الأسرة الحاكمة ومؤسس دولة أفغانستان, واستطاع أن يضم إليه الملتان ولاهور وكشمير, وحارب السيخ, واتخذ من قندهار عاصمة لدولته ومات عام 1187هـ، وتسلم بعده ابنه تيمور شاه.
تيمور شاه:
نازع أخوه سليمان في الملك، ولكنه تمكن من السيطرة على قندهار, وقتل أخاه ونقل العاصمة إلى كابل, وحارب السيخ الذين احتلوا الملتان، وانتصر عليهم واسترد منهم الملتان عام 1196هـ, واستقل في أيامه أمراء السند ذاتيًّا وحارب أمير بخارى معصوم, وانتصر عليه وأخمد ثورة في كشمير, وكان الإنجليز يشجعون السيخ في الهند والقاجاريين في فارس على قتاله, وتوفي عام 1207هـ وتولى ابنه زمان شاه الحكم.
نزاع أبناء تيمور على الحكم:
تولى زمان شاه الحكم بعد أبيه حتى عام 1215 فخلعه أخوه محمود ووضعه في السجن, ولكن أخاهم الثالث شجاع الملك أعلن نفسه ملكًا في بيشاور واستطاع أن يحتل كابل, ويخلع أخاه محمود، ويخرج أخاه زمان شاه من السجن وقد عمي.. ثم استطاع محمود أن يعود للملك مرة أخرى عام 1224هـ ثم قتل محمود أخًا له يدعى فتح خان, فقام أخ لهم آخر يدعى دوست محمد بمحاربة محمود, والثأر لأخيه واستطاع دخول كابل, واستغل أعداء الأفغان الفرصة، فاحتل الفرس هراه واحتل السيخ الإمارات الهندية, واستنجد شجاع الملك بالإنجليز, فساروا بقوة ودخلوا كابل وأعادوا شجاع الملك إلى الحكم 1255هـ, واستسلم دوست محمد للإنجليز فنفوه إلى البنغال.
وفي أثناء انسحاب الجيش الإنجليزي هجم الأفغان عليه بقيادة محمد زائي ومعه أكبر خان بن دوست محمد, وكاد الجيش الإنجليزي أن يباد وقتل شجاع الملك في الحرب, واضطر الإنجليز أن يعيدوا دوست محمد للحكم.
دوست محمد خان:
حاول تهدئة الأوضاع الداخلية بإعادة إخوته وأبنائه للإمارات وكذلك الأوضاع الخارجية بعقد معاهدة صداقة مع إنجلترا والصلح مع الروس، ولكن نقم الإنجليز عليه لعدم مساعدتهم في الثورات التي قامت ضدهم في الهند, وحاول الإنجليز غزو بلاد الأفغان، ولكنهم وجدوا مقاومة عنيفة جعلتهم يفشلون في دخولها، وتوفي دوست محمد عام 1280هـ وتسلم بعده ابنه شير علي.
شير علي والاحتلال الإنجليزي لأفغانستان:
زادت تدخلات إنجلترا في شئون الأفغان بعدة ذرائع, منها: صد هجمات القبائل الأفغانية عن الهند, ومرة بالوقوف في وجه الامتداد الروسي؛ ولذلك اضطر شير علي أن يستعين بالروس ضد الإنجليز, فرحب بالوفد الروسي ورفض الوفد الإنجليزي, فانقضت إنجلترا على أفغانستان، واحتلتها عام 1295هـ، وتوفي شير علي في العام التالي.
يعقوب بن شير علي:
تولى بعد أبيه الحكم تحت الاحتلال الإنجليزي وكان مسايرًا للاحتلال فرفضه الأفغانيون, واضطر أن يتنازل عن الحكم بعد 3 أعوام من توليه؛ لأن رجاله هاجموا الوزير الإنجليزي في كابل وقطعوه إربًا واشتدت المقاومة الأفغانية للاحتلال الإنجليزي, حتى اضطرت إنجلترا للانسحاب من أفغانستان وعقدت اتفاقية تستقل بمقتضاها أفغانستان, مع استمرار تحكم الإنجليز في سياستها الخارجية.
عبد الرحمن:
تسلم الحكم بعد خروج الإنجليز وهو ابن أفضل بن دوست محمد وحاولت روسيا دخول مدينة هراة عام 1302هـ فأسرعت إنجلترا لوقفها, وعقدت بين الروس والإنجليز معاهدة بطرسبرغ التي بمقتضاها تكتفي روسيا بما احتلته من إقليم خراسان (جمهورية تركمانستان), وعدم التقدم في أفغانستان, ولكن روسيا عادت للتدخل في أفغانستان, وحاولت ضم باداخشان فعقدت إنجلترا وروسيا معاهدة عام 1313هـ اعترفت فيها روسيا أن باداخشان جزء من بلاد الأفغان, ورسمت الحدود بين مناطق السيطرة الروسية وأفغانستان, وحاول أيوب بن عم علي, الذي فر إلى إيران وجمع رجاله وغزا بلاد الأفغان، واحتل قندهار إلا أن عبد الرحمن أجبره على الانسحاب والرجوع إلى إيران, وكذلك حاول إسحاق خان ابن عم عبد الرحمن الذي تولى المناطق الشمالية أن يحتل كابول, ولكن عبد الرحمن استطاع أن يهزمه واضطر للفرار إلى سمرقند في حماية الروس، وتوفي عبد الرحمن عام 1319هـ.
حبيب الله خان:
تولى الحكم بعد موت أبيه عبد الرحمن وزاد في عهده النفوذ الإنجليزي, واضطرت روسيا وإنجلترا أن يبرما معاهدة يعترفان فيها باستقلال أفغانستان, وحاول العثمانيون استقطاب حبيب الله في الحرب العالمية الأولى، ولكنه كان يؤيد الإنجليز فنقم عليه الأفغانيون وقتلوه عام 1338هـ.
أمان الله خان:
هو ابن حبيب الله خان, تسلم السلطة بعد موت أبيه وتلقب باسم ملك, وفي عهده حارب الأفغان الإنجليز بقيادة محمد نادر شاه, وانتصر الأفغان وطردوا الإنجليز من كل المناطق التي يحتلونها، وأبرموا مع الإنجليز معاهدة تعترف فيها باستقلال أفغانستان, وشعر أن الأمر قد استتب له، فركن إلى الترف واللهو وأعجب بالحضارة الأوروبية, فسار يقلدها رغم ما تحمله من مخالفات للإسلام, وانصرف إلى رحلة طويلة في أوربا, وأبعد عن البلاد محمد نادر شاه بتعيينه سفيرًا لأفغانستان في باريس، وأعجب بالسفور فطبقه على أهل بيته, وظهرت نساؤه سافرات متبرجات, في رحلته الأوربية فنقم عليه الشعب، فما زاده ذلك إلا إصرارًا, وأصدر أمرا بخلع الزي الأفغاني وجعل الزي الأوربي زيًّا عامًّا، فاشتد غضب الشعب فاستغل أحد الوصوليين هذه الظروف, وهو باجي السقا وجمع حوله أهل المصالح وقطاع الطرق واستطاع أن يسيطر على كابول، وأن يجبر أمان الله على التنازل عن الحكم لأخيه عناية الله، وسافر أمان الله إلى بريطانيا ليكمل لهوه وترفه.
عناية الله:
اشتد في عهده خطر باجي السقا, الذي أعلن نفسه ملكًا على أفغانستان باسم حبيب الله غازي, وعمت الفوضى البلاد، وفشل عناية الله في السيطرة عليها, وتدخل محمد نادر شاه، وخاصة أنه من الأسرة الحاكمة, والتف حوله الشعب نظرًا لبلائه الحسن في القتال ضد الإنجليز, ورفعوه على عرش أفغانستان عام 1348هـ.
محمد نادر خان:
بمجرد وصوله إلى الحكم ألقى القبض على باجي السقا, وأعدمه شنقًا، ومضى في إصلاح البلاد مما أصابها، فقضى على الرشوة والفساد, وعفا من إدارة البلاد الذين عرفوا بفسادهم، ولكنه قتل على يد أحد أبناء الذين شملهم الإعفاء عام 1352هـ، وتسلم بعده ابنه محمد ظاهر شاه.
محمد ظاهر شاه:
عندما تسلم الحكم كان يبلغ من العمر 19 عامًا, ولكن رجال أبيه أعانوه في شئون الحكم فسارت البلاد بشكل طيب لمدة 15 عامًا, ثم بدأ يشعر بذاتيته فأبعد من كان حوله وبدأ ينحرف عن الطريق الصحيح وأصدر منشورًا ملكيًّا عام 1379هـ يبيح للنساء الخروج سافرات فاستجابت الأسر التي تحب التقليد الأعمى لأوربا, وخلع نساؤها الحجاب وزاد الانفتاح على الدول النصرانية في البلاد، وسمح للروس بزيادة نفوذهم في أفغانستان، وأخذوا يبحثون عن مؤيدين لهم فيها فوجدوا ضالتهم في رئيس الوزراء محمد داود، وفي نفس الوقت زوج أخت الشاه, فأحس الشاه بميول محمد داود فأعفاه من منصبه, فأخذ محمد داود يعمل في الخفاء للقضاء على النظام الحاكم في أفغانستان، وبدأ الشيوعيون يظهرون في البلاد وقويت شوكتهم, وفيما يبدو أن المعسكرين الشرقي والغربي قد قسموا العالم إلى مناطق نفوذ بينهما, وكانت أفغانستان من نصيب الروس فأطلقوا لهم العنان في مد النفوذ فيها, وفي نفس الوقت بدأ الوعي الإسلامي بالخطر المحيط من قبل الروس, وزيادة خبرائهم في البلاد.
وحدثت مصادمات بين المسلمين والشيوعيين, انتهت أغلبها بنصر المسلمين برغم تفوق الشيوعيين في الإمكانيات الحربية ودعم الروس والصينيين.
الحكم الشيوعي
محمد داود:
استطاع محمد داود بتنسيق بين الروس والشيوعيين أن يقوم بانقلاب عسكري في عام 1393هـ والشاه في إيطاليا، وتمكن محمد داود من البلاد, وألغى الملكية وأعلن الجمهورية ونصب نفسه رئيسًا لها، وأخذ يضيق الخناق على الحركات الإسلامية.
ما لبث أن توترت العلاقات بينه وبين الشيوعيين, لأنه كان يعتبر أنه بوصوله للحكم استتب له الأمر, بينما الروس يعتبرونه مرحلة من مراحل دخول الشيوعية تمهيدًا لترسيخها في البلاد، فكثرت الاغتيالات وذلك لإثارة الفوضى في البلاد والإشارة إلى عدم استقلالها، فأحس محمد داود بالخطر المحيط به فأسرع بالقبض على زعماء الشيوعية في البلاد ومنهم نور محمد تراقي، وحفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، ولكنه قبل أن يجهز على من تبقى حدث انقلاب ضده عام 1398هـ بقياد محمد غلاب أحد قادة حزب خلق الشيوعي, ومعه العميد الشيوعي عبد القادر الذي قاد الانقلاب السابق ضد محمد ظاهر شاه، والآن يقوده ضد حليفه محمد داود وسمى هذا الانقلاب بثورة ساور (أي ثورة نيسان), وأخرج من السجن الزعماء الشيوعيين وعين نور محمد تراقي زعيم حزب خلق الشيوعي رئيسًا للجمهورية.
نور محمد تراقي:
ما إن تسلم السلطة حتى سفك الدماء وأزهق الأرواح في البلاد وأظهر الشيوعية في أبهى صورها، وقتل في يوم واحد 15000, وجيء بمحمد داود وقتل أمامه أبناؤه الـ 29, ثم أجهز عليه هو وباقي أفراد أسرته, وأقام القتل في زعماء المسلمين وعامتهم, والتفت لحزب برشام الشيوعي المنافس, فأبعد قادته من البلاد بتعيين زعمائه سفراء في الخارج, ومن أمثلتهم بابرك كارمل الذي عين سفيرًا في تشيكوسلوفاكيا.
بدأ خطر هؤلاء الزعماء الخارجي في الظهور, فقد بينوا الحالة التي تحياها البلاد وخاصة أن حزب برشام يرى الارتباط بموسكو مباشرة والمناداة بالشيوعية العالمية, بينما يرى حزب خلق الحاكم أن العمل بالشيوعية يكون في نطاق الدائرة المحلية فقط، فقام نور محمد تراقي بعزل السفراء المعينين في الخارج, ولكنهم لم يعودوا إلى أفغانستان لما يتوقعونه من فتك ينتظرهم، ثم اتجه نور محمد تراقي إلى موسكو, وأبرم معاهدة مع الروس يفتح بها أبواب البلاد للجيش الروسي بحجة حماية نظامه ضد المعارضة والمقاومة الداخلية، وبدأ يظهر الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار عام 1399هـ وحدثت انتفاضة في معسكرات هراة, وتمرد العسكر في الجيش، فأرسل الروس إلى أفغانستان أول وحدة هجومية في رمضان عام 1399هـ ووقع الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه حفيظ الله أمين, ودعا الروس نور محمد تراقي للاستعانة ببابرك كارمل, ولكن نور محمد تراقي اعتذر بحجة أن رئيس الوزراء لا يطيق بابرك، فدبر الروس محاولة لاغتيال حفيظ الله أمين بتأييد رئيس الجمهورية، ولكنها فشلت واستطاع حفيظ الله أمين أن يسيطر على البلاد, ويعتقل نور محمد تراقي، وينصب نفسه رئيسًا للجمهورية في أواخر عام 1399هـ.
حفيظ الله أمين:
حاول حفيظ الله أمين أن يهدئ الأوضاع في البلاد ويحسن العلاقات مع دول الجوار، ولكن روسيا كانت تريد رئيسًا خاضعًا خضوعًا كاملاً لموسكو لا جزئيًّا, فأخذت تثير الفوضى في البلاد ووقعت مصادمات بين الجيش الأفغاني والروس الموجودين في البلاد, ودعم الروس حزب برشام الذي يعيش رئيسه بابرك كارمل في تشيكوسلوفاكيا كلاجئ سياسي أي خاضعًا للروس، وأعد الروس عدتهم للإطاحة بحفيظ الله أمين وتنصيب عميلهم بابرك كارمل, فدعموا وزير الدفاع محمد أسلم، الذي قام بالهجوم على القصر الجمهوري عام 1400هـ واعتقل رئيس الجمهورية حفيظ الله أمين وأعدمه في اليوم التالي، ونصب بابرك كارمل رئيسًا لأفغانستان وهو بخارج البلاد.
بابرك كارمل:
ما إن وصل بابرك إلى كابول حتى تدفق الروس على البلاد وسيطروا على كابول وأرسلوا قواتهم للسيطرة على بقية الأقاليم, وأصدرت الأمم المتحدة قرارها بانسحاب الروس من أفغانستان، وأعلن وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسلام أباد أن الغزو الروسي يعد مخالفة كبيرة للقانون الدولي, غير أن كل هذه النداءات لا تفيد, فالأمم المتحدة هي أداة تتحكم بها الدول الكبرى في العالم، وقتل في عام 1400هـ ما يقارب مليون مسلم على يد الروس في أفغانستان.
المقاومة الإسلامية:
كانت المقاومة الإسلامية للشيوعيين والروس على أشدها في أفغانستان, فأهل أفغانستان يشتهرون منذ زمن بعيد بتمسكهم الشديد وتحمسهم للإسلام, فأخذوا يقاومون أعداء الإسلام, وألحقوا بهم خسائر فادحة برغم تقدم الأسلحة الروسية، ولكن من عيوب المقاومة انقسام رجالها إلى عدة جمعيات, كثيرًا ما حدثت بينها خلافات أدت للتناحر بينها.
من أشهر الجمعيات التي حدث بينها تصادم الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني والحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، وبرغم ذلك لقن المجاهدون الأفغان الروس والشيوعيين دروسًا في القتال لن ينسوها، ووجدت روسيا نفسها في مستنقع تفقد فيه يوميًا العديد من فلذات أكبادها وتخسر المليارات من الأموال, واستطاعت هذه الحفنة الصغيرة من المجاهدين, التي اعتقد الروس أنهم سيسحقونها, أن تذيق الروس الأمرين وخاصة أنهم أهل البلاد الأكثر دراية بالقتال.
فاضطر الروس عام 1408هـ لتوقيع اتفاق يقضى بانسحابهم من أفغانستان بعد الخسائر الفادحة التي تكبدوها في هذه الحرب لينقذوا ما يمكن إنقاذه, ولا يمكن وصف العناء الشديد الذي تحمله الشعب الأفغاني من قتل وتشريد ولاجئين في باكستان وغيرها من الدول الإسلامية، ولم يترك الروس البلاد إلا وعملاؤهم الشيوعيون يسيطرون على الحكومة الأفغانية، وكان آخرهم نجيب الله محمد، ولم يهدأ المجاهدون وحاولوا القيام بانقلاب عسكري ضد الحكم الشيوعي, ولكن الروس عاونوا الشيوعيين في إخماده، وواصل المجاهدون جهادهم ضد الشيوعيين, وشكلوا وزارة مؤقتة مرتين ولكنهم سرعان ما اختلفوا، وفي نفس الوقت وجد النظام الشيوعي نفسه عاجزًا عن المقاومة, فاستقال الرئيس نجيب الله محمد عام 1412هـ من منصبه، وتهيأ الوضع للمجاهدين في السيطرة على البلاد، ولكن استمرت المصادمات بينهم وبعد أن كانوا بالأمس يضربون أروع الأمثال في الكفاح والجهاد ضد أعداء الإسلام زاد البأس بينهم، وانقسمت أفغانستان لعدة مناطق متناحرة وأخذ أعداء الإسلام يمدونهم بالأسلحة لإضرام نيران الفتنة والشقاق بينهم.
حركة طالبان:
ظهرت في عام 1415هـ تدعمها باكستان، واستطاعت السيطرة على أكثر أجزاء أفغانستان حتى دخلت كابول عام 1415هـ، واستطاعت أن تسيطر على أكثر من 75% من مساحة البلاد, وتحالفت ضدها الفصائل الأفغانية الأخرى بدعم من الروس وإيران والدول المجاورة الأخرى باستثناء باكستان؛ حيث خافت هذه الدول من امتداد مفاهيم الحركة إليها.
وكادت طالبان أن تقضي على المعارضة لولا المساعدات الخارجية التي أنقذتها, واستطاع أحمد شاه مسعود أن يستعيد مدينة مزار شريف (كبرى مدن المعارضة) بعد أن دخلتها قوات طالبان، وظلت نبرة المعارضة تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى، كما انهارت العلاقات الدولية بين أفغانستان والمجتمع الدولي إبان حكم طالبان بزعامة الملا محمد عمر.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م الشهيرة، التي حدث فيها اعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية، أشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، الذي يتخذ زعيمه أسامة بن لادن من أفغانستان مقرًّا له، وبالفعل هاجمت أمريكا أفغانستان واجتاحتها وفر ابن لادن والملا محمد عمر إلى مكان مجهول، وقضى الأمريكان على حركة طالبان ونصبت حامد كرزاي رئيسًا لأفغانستان.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 11:20 am عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة الاسلام في الهند من الفتح الى السقوط ))
قصة الإسلام في الهند من الفتح إلى السقوط
سيكون مجال دراستنا في هذا الفصل :
هو منطقة شبه القارة الهندية, والتي تمثل الآن عدة دول هي:
الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال وبوتان وسريلانكا والمالديف.
وصل الإسلام إلى الهند عن طريق التجارة والدعوة والفتح, فمنذ أيام الخليفة عمر بن الخطاب كانت محاولات فتح الهند على نطاق ضيق، وبدأت تأخذ شكلها الجلي في عهد الأمويين عندما أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي عدة حملات لفتح الهند, فنجحت إحداها بقيادة محمد بن القاسم في فتح بلاد السند (جزء من باكستان اليوم) عام 92هـ، واستمرت الحروب بين المسلمين والهنود حيث كان ملوك الهند وحكام مقاطعاتها والبراهمة (ذوو النفوذ الكبير في المجتمع الهندي حيث كانوا يعتبرون أعلى طبقة في المجتمع لدرجة ألحقتهم بالآلهة فمنحوا نفوذًا وامتيازات كبيرة في المجتمع الهندي)، يحثون الطبقات الدنيا من الشعب الهندي لقتال المسلمين ودعاتهم خوفًا على مراكزهم ونفوذهم في المجتمع مما قلل من انتشار الإسلام في الهند.
وفي عهد الدولة العباسية تمكن هشام بن عمرو التغلبي والي السند من فتح الملتان وكشمير.
ثم بضعف الدولة العباسية وتفكك أجزائها :تكونت عدة إمارات في السند منها: إمارة المنصورة وإمارة الملتان وإمارة إسماعيلية حتى جاء الغزنويون.
الغزنويون
ورث الغزنويون الدولة السامانية وتسموا بالغزنويين نسبة إلى مدينة غزنة, التي اتخذوها عاصمة لدولتهم ومؤسسها هو سُبُكْتكين الذي حارب البنجاب وانتصر عليهم, ثم جاء ابنه محمود بن سبكتكين، وكان كثير الجهاد في سبيل الله وغزا في بلاد الهند سبع عشرة مرة, واستطاع أن يوحد أجزاء السند تحت إمرته ثم فتح قنوج وكوجرات, وهدم فيها معبد سومنات، الذي يعتبره الهنود مكان تناسخ الأرواح حسب معتقداتهم, وانتشر الإسلام في أكثر الأجزاء التي فتحها محمود في الهند.. وتوفي محمود عام 421هـ، وجاء ابنه مسعود ففتح مدينة بنارس على نهرالغانج، وانتهى حكم الغزنويين عام 555هـ، وتولى بعدهم الغوريون الحكم.
الغوريون
استطاع شهاب الدين الغوري أن يسيطر على أجزاء الدولة الغزنوية, ثم أخذ يتوغل في بلاد الهند, وتمكن مملوكه قطب الدين أيبك من السيطرة على دهلي وانفرد بما تحت يديه, واتخذ دهلي عاصمة له وعين له نائبا على ما وراء نهر الغانج وهو محمد بن بختيار الخلجي الذي استطاع أن يفتح بيهار والبنغال، واستقل بما لديه واتخذ لانغبور عاصمة له.
قطب الدين أيبك:
اعتقل شهاب الدين الغوري مملوكه قطب الدين أيبك ثم أعتقه, ومات شهاب الدين, فكوَّن قطب الدين دولة له، واتخذ لاهور عاصمة لها.
ايلتمش:
لما مات قطب الدين أيبك استقل مملوكه شمس الدين ايلتمش بدهلي, وأسس أسرة حاكمة فيها انتهت عام 664هـ.
بلبن:
عندما مات ناصر الدين محمود بن ايلتمش تولى الحكم نائبه على دهلي غياث الدين بلبن, فانفرد بالسلطة وكوَّن أسرة حكمت حتى عام 689هـ.
دولة الخلجيين:
برز جلال الدين فيروز الخلجي نائب معز الدين كيقباد آخر ملوك دولة بلبن, فخرج على معز الدين وخلعه وقتله، وتولى السلطة وأسس الدولة الخلجية.
جهز علاء الدين ابن أخي جلال الدين جيشًا التقى بعمه وقتله وتولى مكانه عام 696هـ، وحارب التتار وانتصر عليهم وردهم عن دهلي, ودخل كوجرات وفتح في عام 703هـ بلاد الدكن في الهند, ووصل إلى أقصى جنوب الهند ودخل كيرالا، وبموت علاء الدين تولى ابنه الصغير شهاب الدين الحكم, فكانت السلطة بيد نائب أبيه على دهلي, فسجن إخوة شهاب الدين الثلاثة وأعمى أعينهم واكتفى بحبس أخيهم الرابع (قطب الدين مبارك)، فحزنت أمهم لذلك حزنًا شديدًا، ودبرت لقتل نائب علاء الدين حتى قتل، فتسلم الحكم مبارك وسجن أخاه شهاب الدين مع إخوته، ثم أرسل جيوشه إلى غربي الدكن وكيرالا وأجزاء أخرى من الهند.
ثم اتفق الأمراء على خلع قطب الدين مبارك وتولية ابن أخيه خضر الذي كان غلامًا صغيرًا, فخاف قطب الدين على ملكه فقتل إخوته الأربعة وابن أخيه خضر، أحس ناصر الدين خسرو خان كبير أمراء قطب الدين بالخطر القادم من سيده, فقتله وتسلم الحكم مكانه ولكن المسلمين كرهوه لميله للهنود, فجاء أمير السند غياث الدين بقوة، ودخل دهلي وتسلم الحكم بينما فر ناصر الدين خسرو.
آل تغلق:
يعتبر غياث الدين تغلق هو مؤسس أسرة تغلق, التي حكمت الهند قرابة قرن من الزمان منذ عام 720هـ, وتولى بعده ابنه جونه الذي تسمى بمحمد، وتلقب بأبي المجاهد فكان يقتل تارك الصلاة، وتمكن من فتح كيرالا وأرسل قوة إلى الصين ولكنها هلكت في جبال الهيمالايا، ولما مات تولى ابن عمه فيروز شاه الذي كان من العابدين, فأنشأ المدارس وبنى المساجد والمستشفيات، وأقام الحصون, وبعد موته عمت الفوضى في البلاد, وتنازع الأمراء على الحكم، ثم تولى الحكم عدة ملوك حتى دخل تيمورلنكدهلي عام 801هـ, ثم خرج منها فرجع إليها محمود شاه آخر ملوك آل تغلق, ثم مات عام 815هـ وبموته انتهى حكم آل تغلق وكان دخول تيمورلنكالهند السبب الرئيسي في: تفكك الدولة الهندية المسلمة واستقلال كل إمارة بذاتها.
آل خضر:
خضر هو أحد رجال تيمورلنك وقد بقي بدهلي حتى بعد خروج تيمورلنك، واستطاع أن ينفرد بالسلطة بعد موت محمود شاه, وحكمت أسرته حتى عام 855 حيث خرج بهلول اللودي على علاء الدين آخر ملوك آل خضر، وتمكن من الانتصار عليه وأسس الأسرة اللودية.
اللوديون:
أسسها بهلول اللودي الأفغاني وحكمت في دهلي من عام 855هـ حتى 932هـ، وفي نفس الوقت كانت هناك عدة إمارات في الهند مستقلة بذاتها الغالبية العظمى منها يحكمها المسلمون, والقليل جدًّا يحكمها هندوك مثل إمارة فيا يانكر في أقصى غربي جنوب الهند، وكانت تقاتل الإمارات المسلمة.
الحكم المغولي (التيموريون)
محمد بابر شاه:
تمكن إبراهيم الثاني آخر ملوك اللوديين من السيطرة على الحكم في دهلي, فاتصلوا بظهير الدين محمد بابر حاكم غزنة في بلاد الأفغان, الذي أقبل بجيشه إلى الهند, واستطاع أن ينتصر على إبراهيم الثاني في موقعة باني بت عام 932هـ واتخذ من مدينة أغرة مقرًّا له في الهند، ثم اجتمع بقية أمراء اللوديين، وتعاون معهم الراجبوت الذين يمثلون أكبر قوة في وسط الهند, وكوَّنوا حلفًا ضد ظهير الدين فأعلن ظهير الدين الجهاد ضد الكفرة والراجبوت ومن يؤازرهم, فالتقى الجمعان في موقعة خانوه عام 933هـ، وانتصر ظهير الدين وأعلن بعدها التسامح الديني في الهند ليسيطر على الحكم, وتوفي عام 937هـ وتولى بعده ابنه همايون.
همايون:
وفي عهده تفتتت الدولة المغولية واستقلت الكثير من الإمارات وازداد الخطر الصليبي، فقد وصل البرتغال إلى سواحل الهند, وأقاموا بعض المراكز لهم منذ عام 914هـ، واستنجد حاكم كوجرات المستقلة بالخليفة العثماني سليمان القانوني لإبعاد البرتغاليين عن سواحله، فأرسل الخليفة أسطولاً كبيرًا أنزل بالبرتغاليين هزائم منكرة, ثم تعاهد حاكم الكوجرات مع البرتغاليين على بناء قلعة لهم في ديو عام 942هـ, ثم عاد فنقض معهم العهد ودخل معهم الحرب، فانتصر البرتغاليون واحتلوا ديو عام 943هـ, فسارع الخليفة سليمان العثماني بإرسال الأسطول العثماني إلى الهند، فحاصر ديو، ولكن حاكم كوجرات ظن أن العثمانيين يريدون ضم كوجرات فمنع عنهم المؤن، فاضطر الأسطول العثماني أن يغادر سواحل كوجرات, وتمكن همايون من ضم أكثر بلاد الأفغان لملكه ودخل كابل.
محمود جلال الدين (أكبر شاه):
وفي عهده بلغت الدولة أقصى اتساع لها فقد ضم معظم الهند، إضافةً إلى بلاد الأفغان، وفي عام 986هـ اتخذ فكرة غريبة ظنًّا منه أنها ستقوي نفوذه في الهند, وهي إيجاد دين يجمع بين الإسلام والبراهمية والبوذية والزرادشتية وغيرها، وحرم ذبح الأبقار وأباح الزواج من المشركات بل وأباح للمشركين الزواج من المسلمات, وجعل مدينة فتح بور مقرًّا للعقيدة المخترعة، وفي عهده تأسست فرقة السيخ ذات الفكر الغريب, ويعتبر غور هو مؤسسها حيث يدعى أتباعه أنه ذهب إلى مكة وحج للبيت وقرأ القرآن وعرف أنه إله, وأعطاه الملك أكبر شاه قطعة أرض بنى عليها مدينة أمريستار, ويصل عددهم الآن في الهند إلى 10 ملايين يتركزون في البنجاب.
ثم تولى من بعده عدة حكام من أشهرهم محيي الدين محمد أورنكزيب الذي ضم إلى ملكه بخارى وخوارزم وبيجابور وأبطل ما ابتدعه أكبر شاه ودون الفقه، ثم جاء ابنه قطب الدين محمد معظم بهادور فاعتنق المذهب الشيعي، وبدأت الدولة في عهده في الضعف, وقوى أمر السيخ والمهراتا, وتوالى الحكام وازداد الضعف وبدأت الإمارات الهندية تستقل, فاستقل السيخ بالبنجاب، واستقل المهراتا بالكوجرات, واستقلت الدكن, وبدأ النفوذ الإنجليزي يدخل الهند حتى انتهت الدولة المغولية بآخر حكامها بهادور، حيث أسقط الإنجليز الدولة المغولية عام 1273هـ ونفوا بهادور خارج الهند.
الاستعمار الأوربي للهند
البرتغاليون:
كانوا أول الأوربيين وصولاً إلى الهند, فقد وصل فاسكودي جاما إلى الهند عام 904هـ, فطمع في البلاد فعاد فاستأذن دولته في احتلال الهند، فأرسلت الأساطيل لاحتلال الهند, واستطاع البرتغاليون الاحتفاظ فقط ببعض المواقع الساحلية، ولم يستطيعوا التوغل للداخل لكثرة السكان وقلة عدد البرتغاليين، وكان الأمراء المسلمون في الهند يستعينون في البداية بالمماليك، ولكن البرتغاليين انتصروا عليهم ثم استعان الأمراء المسلمون في الهند بالعثمانيين, فأعانوهم وانتصروا على البرتغاليين، ولكن خشي بعض الأمراء أن يضم العثمانيون ممالكهم إليهم، فمنعوا عنهم المؤن فغادر العثمانيون الهند، واحتفظ البرتغاليون ببعض المراكز الساحلية في الهند، مثل: دامان شمال بومباى, وجزيرة ديو, وغوا، إضافةً إلى جزر المالديف وجزيرة سيلان (سريلانكا) التي احتلها البرتغاليون, وارتكبوا فيها الفظائع, وأبشع الجرائم ضد المسلمين منها مذبحة ماتار في سريلانكا عام 1053هـ, ومارسوا الاضطهاد الدائم للمسلمين، واستطاع البرتغاليون أن يسيطروا على التجارة في المحيط الهندي ما يزيد على قرن.
الهولنديون:
عندما استقل الهولنديون عن الأسبان وتحطم الأسطول الإسباني عام 998هـ على يد الإنجليز, لم تكتف هولندا بالاستقلال عن الأسبان بل سعت للحصول على أكبر قدر ممكن من المستعمرات, ومنها جزر المالديف وجزيرة سريلانكا, وغيرهما في المحيط الهادي, وبدأ الهولنديون في رفع أسعار التوابل لسيطرتهم على الكثير من طرق التجارة في المحيط الهادي؛ مما شجع الإنجليز على الدخول في المنافسة معهم.
الإنجليز:
عندما رفعت هولندا أسعار التوابل عمل الإنجليز على التجارة مباشرة مع المشرق, فعملوا على إنشاء شركات تجارية لهم في بلاد المشرق, واتخذت عدة أسماء حتى اتحدت معًا، وتسمت باسم (شركة الهند الشرقية)، وكانت مراكزها في البداية في جزر الهند الشرقية (إندونيسيا وماليزيا) وغيرهما؛ لأن البرتغاليين والهولنديين منعوا إنجلترا من دخول الهند, فدخلت معهم في حرب, حتى تمكنت من النزول على بر الهند, وكانت أول المدن التي نزلتها هي ((مدراس)), ثم توغلوا في الهند حتى دانت لهم كلها إلى أن استقلت عنهم.
الفرنسيون:
اتبعوا نفس سياسة الإنجليز في إنشاء شركات تجارية فرنسية في الهند, وكانت الشركات الأجنبية كلها تحرص على شراء أراض لها, وبناء حصون لها لدعم مركزها في الهند, وتمهيدًا لاحتلال البلاد, وكان للفرنسيين بعض المراكز في الهند منها مونديشيري وعندر ونياوان وكاريكال.
الاحتلال الإنجليزي للهند:
بدأت (شركة الهند الشرقية) الإنجليزية في شراء الأراضي في الهند وبناء الحصون, وأخذت تتوغل في الهند، وفي البداية كانت تنقل المواد الخام إلى أوربا من الهند, ثم بحدوث الثورة الصناعية في أوربا أخذت تنقل المواد المصنعة من أوربا إلى الهند، وفي نفس الوقت كانت الشركات الإنجليزية تحصل على ضرائب من السفن التي تمر في الطرق التي تسيطر عليها، حيث كان للشركة الإنجليزية أسطول يحميها, فتحولت الشركة البريطانية من ملكية الأفراد لها إلى ملكية بريطانية لها, بعد أن تملكت بريطانيا أملاك شركة الهند الشرقية أخذت تغزو الإمارات الهندية وتضم الواحدة تلو الأخرى، ورأى الإنجليز أن المسلمين هم العقبة الأساسية في توغلهم في الهند, فأخذوا يستميلون الهنادك، وخاصة أن الهنادك يحقدون على المسلمين؛ لأنهم هم الحكام. وفي نفس الوقت كان العداء الصليبي المستفحل من الإنجليز يدفعهم لفعل أي شيء ضد المسلمين, فأخذ الإنجليز يعينون الهنادك والسيخ والمهراتا على المسلمين حتى تمكن لهم في الهند.
سقوط الدولة المغولية في الهند:
كانت إنجلترا إذا احتلت جزءًا من الهند عملت على تقريب الهنادك واضطهاد المسلمين, وكانت الحامية البريطانية في الهند تتضمن هنودًا سواء من المسلمين أو الهنادك، وذلك للحصول على مصدر يرزقون منه, حيث عم الفقر في البلاد بعد سيطرة الإنجليز على كل مواردها، وفي مرة من المرات أمر الإنجليز جنودهم باستخدام الشحم المأخوذ من الخنزير لكي يصونوا بنادقهم, فثار المسلمون على هذا الأمر ورفضوه، وخاصة أنه يمس عقيدتهم, فقضى الإنجليز على الثائرين من المسلمين, فتألم إخوانهم لذلك وهجموا على الضباط الإنجليز, وقتلوا أحدهم ثم فروا إلى دهلي عند الملك بهادور آخر ملوك المغول، واشتعلت الثورة في أكثر بلاد الهند, فسار الإنجليز بقوة كبيرة إلى دهلي وحاصروها, ثم استطاعوا دخولها لتفوق أسلحتهم وقبضوا على الملك بهادور وقتلوا أبناءه أمامه، بل وطبخوا له طعامًا من لحومهم, ونفوه إلى رانغون عاصمة بورما, وألغى الإنجليز الحكم المغولي في الهند, وأعلنت فرض سيطرتها الكاملة على كافة أجزاء الهند, وأخذوا ينكلون بالمسلمين فهدموا الكثير من المساجد وصادروا أملاكهم، وحولوا بعض المساجد إلى ثكنات عسكرية, ورحب الهنادك بهذه الأفاعيل، وأخذوا يشاركون الإنجليز في أفاعيلهم الوحشية.
ولم يكتف الإنجليز بذلك بل عملوا على فتح المدارس للهنادك وتحضيرهم, في حين أن المسلمين كان الكثير منهم يرفض الالتحاق بهذه المدارس؛ لأنها تبث كره الإسلام والمسلمين, وتعمل على نشر النصرانية, فعم الجهل والفقر بالمسلمين بعد أن كانوا حكام البلاد، وبرغم ذلك فقد كان هناك بعض الحكام لبعض الولايات من المسلمين والمعينين من قبل الإنجليز؛ لأن حكمهم للبلاد كان واقعًا وعرفًا معتادًا للهنادك برغم قلة عددهم بالنسبة للهندوك.
وقد حرص الإنجليز على تفتيت المسلمين وهدم الإسلام, وذلك من خلال تشجيع الفكرة القومية الهندية من جهة، ومن جهة أخرى إنشاء فرق ضالة ذات وجهة إسلامية لتفريق صفوفهم, فعملت على إحياء فكرة العقيدة المشتركة لأكبر شاه, ووجدت ضالتها في أحد المسلمين ويدعى مرزا غلام أحمد القادياني ودعمته في تأسيس مذهب القاديانية الضال، وانقسمت فرقته إلى فرقتين: الأحمدية، والقاديانية.
وما زال الإنجليز إلى يومنا هذا يدعمون القاديانيين في كل مكان لمحاربة الإسلام في كل بقاع الأرض, ورغم ذلك حاول المسلمون مقاومة المستعمرين الإنجليز, وعملوا على تكوين الأحزاب والجمعيات الخاصة بهم, وكان الإنجليز والهنادك يقفون ضدهم دائمًا
سيكون مجال دراستنا في هذا الفصل :
هو منطقة شبه القارة الهندية, والتي تمثل الآن عدة دول هي:
الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال وبوتان وسريلانكا والمالديف.
وصل الإسلام إلى الهند عن طريق التجارة والدعوة والفتح, فمنذ أيام الخليفة عمر بن الخطاب كانت محاولات فتح الهند على نطاق ضيق، وبدأت تأخذ شكلها الجلي في عهد الأمويين عندما أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي عدة حملات لفتح الهند, فنجحت إحداها بقيادة محمد بن القاسم في فتح بلاد السند (جزء من باكستان اليوم) عام 92هـ، واستمرت الحروب بين المسلمين والهنود حيث كان ملوك الهند وحكام مقاطعاتها والبراهمة (ذوو النفوذ الكبير في المجتمع الهندي حيث كانوا يعتبرون أعلى طبقة في المجتمع لدرجة ألحقتهم بالآلهة فمنحوا نفوذًا وامتيازات كبيرة في المجتمع الهندي)، يحثون الطبقات الدنيا من الشعب الهندي لقتال المسلمين ودعاتهم خوفًا على مراكزهم ونفوذهم في المجتمع مما قلل من انتشار الإسلام في الهند.
وفي عهد الدولة العباسية تمكن هشام بن عمرو التغلبي والي السند من فتح الملتان وكشمير.
ثم بضعف الدولة العباسية وتفكك أجزائها :تكونت عدة إمارات في السند منها: إمارة المنصورة وإمارة الملتان وإمارة إسماعيلية حتى جاء الغزنويون.
الغزنويون
ورث الغزنويون الدولة السامانية وتسموا بالغزنويين نسبة إلى مدينة غزنة, التي اتخذوها عاصمة لدولتهم ومؤسسها هو سُبُكْتكين الذي حارب البنجاب وانتصر عليهم, ثم جاء ابنه محمود بن سبكتكين، وكان كثير الجهاد في سبيل الله وغزا في بلاد الهند سبع عشرة مرة, واستطاع أن يوحد أجزاء السند تحت إمرته ثم فتح قنوج وكوجرات, وهدم فيها معبد سومنات، الذي يعتبره الهنود مكان تناسخ الأرواح حسب معتقداتهم, وانتشر الإسلام في أكثر الأجزاء التي فتحها محمود في الهند.. وتوفي محمود عام 421هـ، وجاء ابنه مسعود ففتح مدينة بنارس على نهرالغانج، وانتهى حكم الغزنويين عام 555هـ، وتولى بعدهم الغوريون الحكم.
الغوريون
استطاع شهاب الدين الغوري أن يسيطر على أجزاء الدولة الغزنوية, ثم أخذ يتوغل في بلاد الهند, وتمكن مملوكه قطب الدين أيبك من السيطرة على دهلي وانفرد بما تحت يديه, واتخذ دهلي عاصمة له وعين له نائبا على ما وراء نهر الغانج وهو محمد بن بختيار الخلجي الذي استطاع أن يفتح بيهار والبنغال، واستقل بما لديه واتخذ لانغبور عاصمة له.
قطب الدين أيبك:
اعتقل شهاب الدين الغوري مملوكه قطب الدين أيبك ثم أعتقه, ومات شهاب الدين, فكوَّن قطب الدين دولة له، واتخذ لاهور عاصمة لها.
ايلتمش:
لما مات قطب الدين أيبك استقل مملوكه شمس الدين ايلتمش بدهلي, وأسس أسرة حاكمة فيها انتهت عام 664هـ.
بلبن:
عندما مات ناصر الدين محمود بن ايلتمش تولى الحكم نائبه على دهلي غياث الدين بلبن, فانفرد بالسلطة وكوَّن أسرة حكمت حتى عام 689هـ.
دولة الخلجيين:
برز جلال الدين فيروز الخلجي نائب معز الدين كيقباد آخر ملوك دولة بلبن, فخرج على معز الدين وخلعه وقتله، وتولى السلطة وأسس الدولة الخلجية.
جهز علاء الدين ابن أخي جلال الدين جيشًا التقى بعمه وقتله وتولى مكانه عام 696هـ، وحارب التتار وانتصر عليهم وردهم عن دهلي, ودخل كوجرات وفتح في عام 703هـ بلاد الدكن في الهند, ووصل إلى أقصى جنوب الهند ودخل كيرالا، وبموت علاء الدين تولى ابنه الصغير شهاب الدين الحكم, فكانت السلطة بيد نائب أبيه على دهلي, فسجن إخوة شهاب الدين الثلاثة وأعمى أعينهم واكتفى بحبس أخيهم الرابع (قطب الدين مبارك)، فحزنت أمهم لذلك حزنًا شديدًا، ودبرت لقتل نائب علاء الدين حتى قتل، فتسلم الحكم مبارك وسجن أخاه شهاب الدين مع إخوته، ثم أرسل جيوشه إلى غربي الدكن وكيرالا وأجزاء أخرى من الهند.
ثم اتفق الأمراء على خلع قطب الدين مبارك وتولية ابن أخيه خضر الذي كان غلامًا صغيرًا, فخاف قطب الدين على ملكه فقتل إخوته الأربعة وابن أخيه خضر، أحس ناصر الدين خسرو خان كبير أمراء قطب الدين بالخطر القادم من سيده, فقتله وتسلم الحكم مكانه ولكن المسلمين كرهوه لميله للهنود, فجاء أمير السند غياث الدين بقوة، ودخل دهلي وتسلم الحكم بينما فر ناصر الدين خسرو.
آل تغلق:
يعتبر غياث الدين تغلق هو مؤسس أسرة تغلق, التي حكمت الهند قرابة قرن من الزمان منذ عام 720هـ, وتولى بعده ابنه جونه الذي تسمى بمحمد، وتلقب بأبي المجاهد فكان يقتل تارك الصلاة، وتمكن من فتح كيرالا وأرسل قوة إلى الصين ولكنها هلكت في جبال الهيمالايا، ولما مات تولى ابن عمه فيروز شاه الذي كان من العابدين, فأنشأ المدارس وبنى المساجد والمستشفيات، وأقام الحصون, وبعد موته عمت الفوضى في البلاد, وتنازع الأمراء على الحكم، ثم تولى الحكم عدة ملوك حتى دخل تيمورلنكدهلي عام 801هـ, ثم خرج منها فرجع إليها محمود شاه آخر ملوك آل تغلق, ثم مات عام 815هـ وبموته انتهى حكم آل تغلق وكان دخول تيمورلنكالهند السبب الرئيسي في: تفكك الدولة الهندية المسلمة واستقلال كل إمارة بذاتها.
آل خضر:
خضر هو أحد رجال تيمورلنك وقد بقي بدهلي حتى بعد خروج تيمورلنك، واستطاع أن ينفرد بالسلطة بعد موت محمود شاه, وحكمت أسرته حتى عام 855 حيث خرج بهلول اللودي على علاء الدين آخر ملوك آل خضر، وتمكن من الانتصار عليه وأسس الأسرة اللودية.
اللوديون:
أسسها بهلول اللودي الأفغاني وحكمت في دهلي من عام 855هـ حتى 932هـ، وفي نفس الوقت كانت هناك عدة إمارات في الهند مستقلة بذاتها الغالبية العظمى منها يحكمها المسلمون, والقليل جدًّا يحكمها هندوك مثل إمارة فيا يانكر في أقصى غربي جنوب الهند، وكانت تقاتل الإمارات المسلمة.
الحكم المغولي (التيموريون)
محمد بابر شاه:
تمكن إبراهيم الثاني آخر ملوك اللوديين من السيطرة على الحكم في دهلي, فاتصلوا بظهير الدين محمد بابر حاكم غزنة في بلاد الأفغان, الذي أقبل بجيشه إلى الهند, واستطاع أن ينتصر على إبراهيم الثاني في موقعة باني بت عام 932هـ واتخذ من مدينة أغرة مقرًّا له في الهند، ثم اجتمع بقية أمراء اللوديين، وتعاون معهم الراجبوت الذين يمثلون أكبر قوة في وسط الهند, وكوَّنوا حلفًا ضد ظهير الدين فأعلن ظهير الدين الجهاد ضد الكفرة والراجبوت ومن يؤازرهم, فالتقى الجمعان في موقعة خانوه عام 933هـ، وانتصر ظهير الدين وأعلن بعدها التسامح الديني في الهند ليسيطر على الحكم, وتوفي عام 937هـ وتولى بعده ابنه همايون.
همايون:
وفي عهده تفتتت الدولة المغولية واستقلت الكثير من الإمارات وازداد الخطر الصليبي، فقد وصل البرتغال إلى سواحل الهند, وأقاموا بعض المراكز لهم منذ عام 914هـ، واستنجد حاكم كوجرات المستقلة بالخليفة العثماني سليمان القانوني لإبعاد البرتغاليين عن سواحله، فأرسل الخليفة أسطولاً كبيرًا أنزل بالبرتغاليين هزائم منكرة, ثم تعاهد حاكم الكوجرات مع البرتغاليين على بناء قلعة لهم في ديو عام 942هـ, ثم عاد فنقض معهم العهد ودخل معهم الحرب، فانتصر البرتغاليون واحتلوا ديو عام 943هـ, فسارع الخليفة سليمان العثماني بإرسال الأسطول العثماني إلى الهند، فحاصر ديو، ولكن حاكم كوجرات ظن أن العثمانيين يريدون ضم كوجرات فمنع عنهم المؤن، فاضطر الأسطول العثماني أن يغادر سواحل كوجرات, وتمكن همايون من ضم أكثر بلاد الأفغان لملكه ودخل كابل.
محمود جلال الدين (أكبر شاه):
وفي عهده بلغت الدولة أقصى اتساع لها فقد ضم معظم الهند، إضافةً إلى بلاد الأفغان، وفي عام 986هـ اتخذ فكرة غريبة ظنًّا منه أنها ستقوي نفوذه في الهند, وهي إيجاد دين يجمع بين الإسلام والبراهمية والبوذية والزرادشتية وغيرها، وحرم ذبح الأبقار وأباح الزواج من المشركات بل وأباح للمشركين الزواج من المسلمات, وجعل مدينة فتح بور مقرًّا للعقيدة المخترعة، وفي عهده تأسست فرقة السيخ ذات الفكر الغريب, ويعتبر غور هو مؤسسها حيث يدعى أتباعه أنه ذهب إلى مكة وحج للبيت وقرأ القرآن وعرف أنه إله, وأعطاه الملك أكبر شاه قطعة أرض بنى عليها مدينة أمريستار, ويصل عددهم الآن في الهند إلى 10 ملايين يتركزون في البنجاب.
ثم تولى من بعده عدة حكام من أشهرهم محيي الدين محمد أورنكزيب الذي ضم إلى ملكه بخارى وخوارزم وبيجابور وأبطل ما ابتدعه أكبر شاه ودون الفقه، ثم جاء ابنه قطب الدين محمد معظم بهادور فاعتنق المذهب الشيعي، وبدأت الدولة في عهده في الضعف, وقوى أمر السيخ والمهراتا, وتوالى الحكام وازداد الضعف وبدأت الإمارات الهندية تستقل, فاستقل السيخ بالبنجاب، واستقل المهراتا بالكوجرات, واستقلت الدكن, وبدأ النفوذ الإنجليزي يدخل الهند حتى انتهت الدولة المغولية بآخر حكامها بهادور، حيث أسقط الإنجليز الدولة المغولية عام 1273هـ ونفوا بهادور خارج الهند.
الاستعمار الأوربي للهند
البرتغاليون:
كانوا أول الأوربيين وصولاً إلى الهند, فقد وصل فاسكودي جاما إلى الهند عام 904هـ, فطمع في البلاد فعاد فاستأذن دولته في احتلال الهند، فأرسلت الأساطيل لاحتلال الهند, واستطاع البرتغاليون الاحتفاظ فقط ببعض المواقع الساحلية، ولم يستطيعوا التوغل للداخل لكثرة السكان وقلة عدد البرتغاليين، وكان الأمراء المسلمون في الهند يستعينون في البداية بالمماليك، ولكن البرتغاليين انتصروا عليهم ثم استعان الأمراء المسلمون في الهند بالعثمانيين, فأعانوهم وانتصروا على البرتغاليين، ولكن خشي بعض الأمراء أن يضم العثمانيون ممالكهم إليهم، فمنعوا عنهم المؤن فغادر العثمانيون الهند، واحتفظ البرتغاليون ببعض المراكز الساحلية في الهند، مثل: دامان شمال بومباى, وجزيرة ديو, وغوا، إضافةً إلى جزر المالديف وجزيرة سيلان (سريلانكا) التي احتلها البرتغاليون, وارتكبوا فيها الفظائع, وأبشع الجرائم ضد المسلمين منها مذبحة ماتار في سريلانكا عام 1053هـ, ومارسوا الاضطهاد الدائم للمسلمين، واستطاع البرتغاليون أن يسيطروا على التجارة في المحيط الهندي ما يزيد على قرن.
الهولنديون:
عندما استقل الهولنديون عن الأسبان وتحطم الأسطول الإسباني عام 998هـ على يد الإنجليز, لم تكتف هولندا بالاستقلال عن الأسبان بل سعت للحصول على أكبر قدر ممكن من المستعمرات, ومنها جزر المالديف وجزيرة سريلانكا, وغيرهما في المحيط الهادي, وبدأ الهولنديون في رفع أسعار التوابل لسيطرتهم على الكثير من طرق التجارة في المحيط الهادي؛ مما شجع الإنجليز على الدخول في المنافسة معهم.
الإنجليز:
عندما رفعت هولندا أسعار التوابل عمل الإنجليز على التجارة مباشرة مع المشرق, فعملوا على إنشاء شركات تجارية لهم في بلاد المشرق, واتخذت عدة أسماء حتى اتحدت معًا، وتسمت باسم (شركة الهند الشرقية)، وكانت مراكزها في البداية في جزر الهند الشرقية (إندونيسيا وماليزيا) وغيرهما؛ لأن البرتغاليين والهولنديين منعوا إنجلترا من دخول الهند, فدخلت معهم في حرب, حتى تمكنت من النزول على بر الهند, وكانت أول المدن التي نزلتها هي ((مدراس)), ثم توغلوا في الهند حتى دانت لهم كلها إلى أن استقلت عنهم.
الفرنسيون:
اتبعوا نفس سياسة الإنجليز في إنشاء شركات تجارية فرنسية في الهند, وكانت الشركات الأجنبية كلها تحرص على شراء أراض لها, وبناء حصون لها لدعم مركزها في الهند, وتمهيدًا لاحتلال البلاد, وكان للفرنسيين بعض المراكز في الهند منها مونديشيري وعندر ونياوان وكاريكال.
الاحتلال الإنجليزي للهند:
بدأت (شركة الهند الشرقية) الإنجليزية في شراء الأراضي في الهند وبناء الحصون, وأخذت تتوغل في الهند، وفي البداية كانت تنقل المواد الخام إلى أوربا من الهند, ثم بحدوث الثورة الصناعية في أوربا أخذت تنقل المواد المصنعة من أوربا إلى الهند، وفي نفس الوقت كانت الشركات الإنجليزية تحصل على ضرائب من السفن التي تمر في الطرق التي تسيطر عليها، حيث كان للشركة الإنجليزية أسطول يحميها, فتحولت الشركة البريطانية من ملكية الأفراد لها إلى ملكية بريطانية لها, بعد أن تملكت بريطانيا أملاك شركة الهند الشرقية أخذت تغزو الإمارات الهندية وتضم الواحدة تلو الأخرى، ورأى الإنجليز أن المسلمين هم العقبة الأساسية في توغلهم في الهند, فأخذوا يستميلون الهنادك، وخاصة أن الهنادك يحقدون على المسلمين؛ لأنهم هم الحكام. وفي نفس الوقت كان العداء الصليبي المستفحل من الإنجليز يدفعهم لفعل أي شيء ضد المسلمين, فأخذ الإنجليز يعينون الهنادك والسيخ والمهراتا على المسلمين حتى تمكن لهم في الهند.
سقوط الدولة المغولية في الهند:
كانت إنجلترا إذا احتلت جزءًا من الهند عملت على تقريب الهنادك واضطهاد المسلمين, وكانت الحامية البريطانية في الهند تتضمن هنودًا سواء من المسلمين أو الهنادك، وذلك للحصول على مصدر يرزقون منه, حيث عم الفقر في البلاد بعد سيطرة الإنجليز على كل مواردها، وفي مرة من المرات أمر الإنجليز جنودهم باستخدام الشحم المأخوذ من الخنزير لكي يصونوا بنادقهم, فثار المسلمون على هذا الأمر ورفضوه، وخاصة أنه يمس عقيدتهم, فقضى الإنجليز على الثائرين من المسلمين, فتألم إخوانهم لذلك وهجموا على الضباط الإنجليز, وقتلوا أحدهم ثم فروا إلى دهلي عند الملك بهادور آخر ملوك المغول، واشتعلت الثورة في أكثر بلاد الهند, فسار الإنجليز بقوة كبيرة إلى دهلي وحاصروها, ثم استطاعوا دخولها لتفوق أسلحتهم وقبضوا على الملك بهادور وقتلوا أبناءه أمامه، بل وطبخوا له طعامًا من لحومهم, ونفوه إلى رانغون عاصمة بورما, وألغى الإنجليز الحكم المغولي في الهند, وأعلنت فرض سيطرتها الكاملة على كافة أجزاء الهند, وأخذوا ينكلون بالمسلمين فهدموا الكثير من المساجد وصادروا أملاكهم، وحولوا بعض المساجد إلى ثكنات عسكرية, ورحب الهنادك بهذه الأفاعيل، وأخذوا يشاركون الإنجليز في أفاعيلهم الوحشية.
ولم يكتف الإنجليز بذلك بل عملوا على فتح المدارس للهنادك وتحضيرهم, في حين أن المسلمين كان الكثير منهم يرفض الالتحاق بهذه المدارس؛ لأنها تبث كره الإسلام والمسلمين, وتعمل على نشر النصرانية, فعم الجهل والفقر بالمسلمين بعد أن كانوا حكام البلاد، وبرغم ذلك فقد كان هناك بعض الحكام لبعض الولايات من المسلمين والمعينين من قبل الإنجليز؛ لأن حكمهم للبلاد كان واقعًا وعرفًا معتادًا للهنادك برغم قلة عددهم بالنسبة للهندوك.
وقد حرص الإنجليز على تفتيت المسلمين وهدم الإسلام, وذلك من خلال تشجيع الفكرة القومية الهندية من جهة، ومن جهة أخرى إنشاء فرق ضالة ذات وجهة إسلامية لتفريق صفوفهم, فعملت على إحياء فكرة العقيدة المشتركة لأكبر شاه, ووجدت ضالتها في أحد المسلمين ويدعى مرزا غلام أحمد القادياني ودعمته في تأسيس مذهب القاديانية الضال، وانقسمت فرقته إلى فرقتين: الأحمدية، والقاديانية.
وما زال الإنجليز إلى يومنا هذا يدعمون القاديانيين في كل مكان لمحاربة الإسلام في كل بقاع الأرض, ورغم ذلك حاول المسلمون مقاومة المستعمرين الإنجليز, وعملوا على تكوين الأحزاب والجمعيات الخاصة بهم, وكان الإنجليز والهنادك يقفون ضدهم دائمًا
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 12:00 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((قصة المسلمين في الهند))تفاعل المسلمين في الهند مع الاحداث في العالم الاسلامي
قصة المسلمين في الهند
تفاعل المسلمين في الهند مع الأحداث في العالم الإسلامي
تأثر المسلمون في الهند مما أصاب العالم الإسلامي، فعندما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1337هـ قامت مظاهرات للمسلمين في أنحاء الهند تندد بالإنجليز وبالدور الذي قاموا به في إسقاط الخلافة، ومن قبلها أخذوا ينددون باحتلال إيطاليا لليبيا, وكذلك كان للحركة الوهابية أثرها في الهند, ونددوا بمعاملة الهولنديين الوحشية لشعب إندونيسيا المسلم، ورفضوا تكوين دولة لليهود في فلسطين وغيرها من المواقف التي تؤكد مؤازرتهم لإخوانهم المسلمين في شتى بقاع الأرض.
وبرغم كل ذلك فقد كان هناك تباين في توجهات المسلمين, فبالإضافة إلى اختلاف مذاهبهم من سنة وفرق ضالة مثل الشيعة والإسماعيلية والقاديانية, كانت هناك أراء متباينة في وضع المسلمين في الهند، فالبعض يرى التخلص من الاحتلال الإنجليزي للهند والاندماج مع الهندوس في دولة واحدة, لكي يؤدى ذلك إلى أثر إيجابي في الدعوة إلى الإسلام في الهند، والبعض الآخر يرى التخلص من الاستعمار واستقلال المسلمين في دولة خاصة بهم بعيدًا عن الهندوس الذين يمتلئون حقدًا وبغضًا للإسلام والمسلمين، وكان صاحب هذه الفكرة هو الشاعر محمد إقبال, وكان من أشهر الأحزاب التي تكونت في الهند حزب المؤتمر الذي يتزعمه غاندي المتعصب لهندوسيته، والذي كان يلين قليلاً للمسلمين حتى يحوز تأييدهم، وحزب الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح والذي يرى الانفصال عن الهندوس وتكوين دولة مستقلة للمسلمين في الهند.
استقلال الهند وتقسيمها
كان الإنجليز برغم تفضيلهم للهندوس على المسلمين, إلا أنهم كانوا ينكلون بأبناء أي جنس آخر غيرهم في سبيل حفظ أبنائهم, فقد شكل الهنود الكثير من فرق الجيش الإنجليزي, وعندما قامت الحرب العالمية الثانية وزاد خطر اليابان بعد وصولها لبورما على حدود الهند خاف الإنجليز, ووعدوا الهند بمنحها الاستقلال بعد الحرب, حتى لا يستغل الهنود فرصة الحرب وينقلبوا على الإنجليز, وفي نفس الوقت كان الإنجليز كما ذكرنا يدفعون بالجنود الهنود إلى الهلاك في الحرب؛ فعلى سبيل المثال في معركة العلمين أراد الإنجليز اقتحام حقل للألغام, ولم يكن لديهم عدد كاف من المواشي لتفجيره, فزجوا بكتيبة هندية للقيام بهذه المهمة فهلكت عن آخرها، وهذا ما زاد في الكره المشترك للمسلمين والهندوس تجاه الإنجليز, وفي عام 1366هـ قررت بريطانيا منح الهند استقلالها في نطاق تقسيمها إلى دولتين, إحداهما للهندوس ويطلق عليها الهند والأخرى للمسلمين، والتي أطلق عليها المسلمون باكستان أي أرض الأطهار, وإطلاق الحرية في كل ولاية هندية للانضمام للهند أو باكستان أو الاستقلال بنفسها برغم معارضة غاندي الشديدة لهذه الفكرة؛ لأنه كان يريد السيطرة على المسلمين تمامًا....
وبالفعل كونت الولايات الشمالية الشرقية في الهند (البنغال الشرقية وجزء من آسام) والشمالية الغربية (جزء من البنجاب والسند وبلوجستان) دولة باكستان وعاصمتها كراتشى, والباقي للهند وعاصمتها دلهي ثم أصبحت نيودلهي وكل من باكستان والهند يأخذان نظام الدومنيونات، أي يكون مع استقلالها ارتباط مع التاج البريطاني, وخضوعها لإشراف الحاكم العام البريطاني، وكان تقسيمًا جائرًا على المسلمين فقد قسموا بعض الولايات ذات الأغلبية المسلمة مثل البنجاب والبنغال بين المسلمين والهندوس, وأرادت بعض الولايات الهندية الانضمام لباكستان مثل جوناكاد، ودعا إلى ذلك حاكمها المسلم، وكذلك إمارة حيدر أباد بسبب حاكمها المسلم, ولكن الهند رفضت ذلك, وأرسلت قوة إلى كل ولاية لاحتلالها وضمها إلى الهند، بينما ولايتا نيبال وبوتان كانتا في الأصل مستقلتين عن الإنجليز, حيث لم يدخلوهما, وأهلهما بوذيون فلم ينضما إلى الهند وانضمت ولاية سكيم إلى الهند عام 1396هـ، واستقلت سريلانكا عن الهند عام 1367هـ، وكانت جزر المالديف ذات الأغلبية المسلمة تتبعها، ثم استقلت جزر المالديف عن سري لانكا عام 1373هـ، وعندما تم التقسيم نكل الهندوس بالمسلمين في الهند أشد التنكيل, فهاجر الكثير منهم إلى باكستان, وكان الهندوس يحرقون القطارات التي تنقل المسلمين إلى باكستان لحقدهم الشديد عليهم.
مشكلة كشمير
نظرًا لمناعة كشمير الطبيعية من حيث انتشار الجبال الشاهقة فيها, فقد استعصت على المسلمين في فتحها حتى جاء رجل يدعى شمس الدين شاه مرزا من خراسان ليخدم ملكها الوثني، فقربه إليه الملك وأقطعه هو وابنه مناطق كثيرة يحكمانها، ثم عندما مات الملك تزوج بامرأته التي آل إليها الحكم, وأسلمت وأرادت أن تغدر به, فسجنها وانفرد بالسلطة وأسس أسرة حكمت البلاد أكثر من قرنين (744- 970هـ), وفي نهاية عهدهم كان أكبر شاه ملك الهند قد بسط نفوذه على كشمير منذ عام 963هـ حتى 1014هـ ومنذ حكم المسلمون كشمير والإسلام ينتشر بين أهلها, حتى غدت غالبيتهم العظمى مسلمة.
وعندما انتهى حكم المغول لكشمير عام 1164هـ، سيطر عليها الأفغان حتى عام 1234هـ وازداد فيها انتشار الإسلام ثم جاء الإنجليز فأعانوا السيخ على الأفغان، فاحتل السيخ كشمير عام 1234 وحتى عام 1262هـ، وعملوا على اضطهاد المسلمين، ونشروا الظلم في البلاد، وهدموا وحرقوا الكثير من المساجد، وحولوا بعضها إلى إصطبلات للخيول، وقام المسلمون بالكثير من الثورات ضد السيخ حتى سيطر الإنجليز على البلاد عام 1262هـ، فباعوا كشمير لأسرة الدونمرا لمدة 100 عام بسبعة ونصف مليون روبية وعقدت الاتفاقية في مدينة أمريستار، التي هي منبع الفكر السيخي, وأخذ حكام أسرة الدونمرا يذيقون المسلمين ألوانًا من الظلم والاستعباد والاضطهاد طوال فترة حكمهم للبلاد؛ من ضرائب باهظة, ومصادرة أراضيهم, وأملاكهم، وحرموا عليهم ذبح الأبقار وكانت عقوبة ذلك الإعدام، ثم خففت للحبس 10 سنوات, واضطر الكثير من السكان للهجرة إلى البنجاب للنجاة من الظلم المقام عليهم، وأخذ الإنجليز يساعدون أسرة الدونمرا في صب القهر والتعذيب على شعب كشمير المسلم.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 12:27 pm عدل 1 مرات
تاريخ المغول المسلمين((الحرب الهنديه الباكستانيه))الاولى +الثانيه+الثالثه+اتفاقية سيملا+وضع المسلمين في الهند
وأخذت الحركات الإسلامية تظهر في كشمير تدعو للتخلص من هيمنة أسرة الدونمرا, والإنجليز المعادين للإسلام. وجاء وقت الاستقلال للهند عام 1366هـ وتقسيمها فأراد الشعب الكشميرى المسلم الانضمام إلى باكستان بينما حاكم كشمير (المهراجا) آخر حكام أسرة الدونمرا عمل على منع حدوث ذلك، فأسس عصابات من الهندوس الكشميريين, والهندوس الذين أتوا من الهند لمنع انضمام كشمير إلى باكستان, وأخذت هذه العصابات في الهجوم على المسلمين, وقتلت منهم 137000 مسلم, فقام المسلمون بالمظاهرات وأطلقت الشرطة التابعة للمهراجا النار على المتظاهرين الذين يطالبون بانضمام كشمير إلى باكستان وسجنت الكثير منهم, وتدفق المجاهدون المسلمون على كشمير لنجدة إخوانهم, واستطاعوا تحرير جزء من كشمير بينما فر المهراجا (هري سنغ) إلى الهند, وعقد مع الهند اتفاقية بانضمام كشمير إلى الهند عام 1366هـ، برغم أن المسلمين يشكلون 80% من سكانها، وهذا ما يتنافى مع شروط تقسيم الهند إلى منطقتين, مسلمة وهندوسية تعتمد على الغالبية القاطنة.
وتعهدت الهند بإجراء استفتاء في الولاية بمجرد إعادة الاستقرار بها وسحب قواتها منها، ولكن اتضح أن هذه الدعوة ما هي إلا وسيلة تساعد الهند في احتلال كشمير, فأرسلت جيوشًا إلى كشمير لتساعد جيوش حاكمها السابق, وأعلنت أنها ستساعد من يرغب في الهجرة إلى باكستان، وأعلنت عن مكان يتجمع فيه راغبو الهجرة, وما إن احتشد الكثير من المسلمين في هذا المكان حتى أطلقت عليهم النيران وقتل ما يزيد على نصف مليون مسلم، واستطاع عدد مماثل لهم أن يفر إلى باكستان وأخذ الجنود الهنود يقبضون على كثير من النساء المسلمات لهتك أعراضهن, ويقطعون أثداء النساء أمام أهلهن، وقتل مئات الألوف من المسلمين, واندلع القتال بين الهندوس والمجاهدين المسلمين في كشمير في الحرب الهندية الباكستانية الأولى عام 1367هـ، وقد تمكن المجاهدون من تحرير جزء كبير من كشمير, وأخذوا يوقفون تقدم الهندوس في كشمير, وأرسلت باكستان قواتها إلى كشمير عام 1367هـ، وهكذا اندلعت الحرب بشكل كبير بين الهندوس وبين الجيش الكشميري المدافع عن كشمير الحرة, ويساعده المجاهدون والجيش الباكستاني, ولم تستطع الهند التقدم في كشمير الحرة، فقد وقف لها المجاهدون بالمرصاد برغم تفوق الهندوس في العدد والعتاد, إلا أن الروح الإيمانية للمسلمين قد أوقفت توغل الهند في كشمير، وبعد أن طال سكوت الأمم المتحدة على الحرب في كشمير, ظنًّا بأن الهند ستحسم المشكلة وتحتل كشمير, وكل ذلك بإيعاز من الدول الصليبية التي تسيطر على الأمم المتحدة وتحكم من خلالها العالم.
اضطرت الأمم المتحدة إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار في كشمير عام 1368هـ وقررت خروج القوات العسكرية من كشمير وإجراء استفتاء فيها لتقرير المصير, فأبدت الهند موافقتها على قرار الأمم المتحدة، بينما في الحقيقة ظلت قواتها مرابضة في الجزء الذي دخلته في كشمير ثم أعلنتها صراحة في عام 1377هـ بأنها ترفض استقلال كشمير عن الهند, وأخذ الهنود في اضطهاد السكان المسلمين وأخذوا يجلبون الهنادك ليسكنوا أجزاء كشمير التي وقعت تحت سيطرتهم ليقللوا الأغلبية الكاسحة للمسلمين فيها.
وحاول الهندوس بشتى الوسائل تغيير هوية المسلمين وغزوهم فكريًّا, بل وأرسلوا رجال مخابراتهم إلى إسبانيا وروسيا، ليعطوهم خبرتهم في التنكيل بالمسلمين سواء الأندلسيين أو التتار.
أ
خذ المسلمون يقاومون كل المحاولات الهندية لفصل المسلمين عن دينهم وثقافتهم، وانتشرت حركات الجهاد وظهرت جبهة تحرير جامو وكشمير, وغيرها, واتحد المجاهدون تحت اسم الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير واتحدت المنظمات السياسية تحت اسم حركة تحرير كشمير. وقد نشأت أيضًا في باكستان الكثير من المنظمات الإسلامية أبرزها الجماعة الإسلامية, والتي طالبت بتطبيق الشريعة ومؤسسها هو أبو الأعلى المودودي، وكان أول رئيس لباكستان (بنجلاديش وباكستان المتحدتين) هو محمد علي جناح والذي قامت في عهده أول حرب بين باكستان والهند، وما لبث أن توفي وتسلم مكانه الخوجا نظام الدين عام 1367هـ، ثم غلام محمد عام 1371هـ ثم إسكندر مرزا عام 1374هـ الذي ألغى نظام الدومينون في باكستان, ثم أيوب خان عام 1378هـ الذي جعل حكم البلاد عسكريًّا وغيَّر العاصمة من كراتشي إلى روالبندي (إسلام أباد)؛ كي تكون قريبة من كشمير ولكنه حل الجماعة الإسلامية واعتقل أعضاءها وصادر أموالها.
الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1385هـ
اندلعت الحرب بين الهند وباكستان للمرة الثانية بسبب كشمير, وامتدت جبهات القتال إلى باكستان الغربية بينما لم تدخل الهندباكستان الشرقية لتهديد الصين بدخول الحرب إذا فعلت ذلك، حيث كانت على خلاف حدودي مع الهند, وحدثت بينهما حرب عام 1362هـ انتصرت فيها الصين؛ ولذلك كانت الصين تدعم باكستان واستطاع الباكستانيون أن يبدوا مقاومة فائقة وبطولات رائعة في القتال, حتى إذا تحولوا للانتصار، وكادت الهند أن تهزم أسرع مجلس الأمن وأعلن وقف إطلاق النار, وعقد مؤتمر طشقند في جمهورية أوزبكستان التابعة للاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت, وقد نص الاتفاق على إعادة الحال كما هو عليه قبل الحرب, وتبادل الأسرى وحل مشكلة كشمير بالطرق السلمية، ففقدت باكستان وكشمير جهودهما وانتصاراتهما.
أخذت الهند ونصارى العالم يعملون على تفتيت الوحدة بين شطري باكستان, حتى يتفرق المسلمون وتضعف شوكتهم، وبرز مجيب الرحمن زعيم حزب عصمة عوامي في باكستان الشرقية (بنجلاديش) والذي يطالب بالاستقلال الذاتي لها, وبرز أيضًا ذو الفقار علي بوتو زعيم الشعب, والذي يتمثل نشاطه في باكستان الغربية, وقامت المظاهرات في باكستان الشرقية، فاضطر أيوب خان أن يعتزل الحكم عام 1389هـ وجاء من بعده يحيى خان, والذي كان شيعيًّا فأدت سياسته إلى زيادة الفوضى والاضطرابات في البلاد, وفي نفس الوقت عملت الهند على دعم المعارضة في باكستان الشرقية, والتي يتزعمها مجيب الرحمن, ودعت الهندوس في باكستان الشرقية إلى دعمه وتأييده، ودعمته أمريكا, وفي نفس الوقت دعمت المعارضة في باكستان الغربية بقيادة ذي الفقار علي بوتو, ودعمه الشيعة والقاديانيون، وبذلك فالخطة الدولية قامت على دعم الانفصال في باكستان بشطريها, وقائدا المعارضة رجلان انتهازيان تطغى مصلحتهما الشخصية على المصلحة العامة.
وتفجرت الأوضاع في باكستان الشرقية في عام 1391هـ نتيجة تأجيل اجتماع المجلس النيابي, وعمت الفوضى، وانتشرت الجرائم فيها, فاعتقل مجيب الرحمن, وحدثت فيضانات كبيرة في بنجلاديش أدت إلى لجوء ما يقرب من 9 ملايين شخص أكثرهم من الهندوس إلى الهند, وأخذت الهند تستعد للضربة المرتقبة لباكستان, وأخذ الانفصاليون يطلبون العون من دول العالم وعلى رأسها اليهود, التي أعلن وزير خارجيتهم أنهم يؤيدون كفاح بنجلاديش ضد باكستان.
الحرب الهندية الباكستانية الثالثة 1391هـ
أعدت الهند عدتها لفصل شطري باكستان عن بعضهما, وعقدت حلفًا عسكريًّا مع روسيا عام 1391هـ لردع أي محاولة تهديد تأتي من الصين، ثم أعلنت الهند أن الثوار البنجلاديش والذين تكونوا من اللاجئين قد شنوا هجومًا على بنجلاديش, وهذه كلها أكاذيب حقيقتها أن الهند هي التي تهاجم بنجلاديش، وخاصة أنها تحيط بنجلاديش من كل جانب عدا الجنوب حيث خليج البنغال، وفي نفس الوقت كان معظم التركز العسكري في باكستان الغربية وكشمير الحرة؛ لأنها جبهات القتال الأساسية, ولم يحدث من قبل تكوين جبهة قتال في باكستان الشرقية، فالقوة الباكستانية في بنجلاديش كانت أقل، وفي نفس الوقت كانت القوات الهندية تفوق القوات الباكستانية في الجبهة الشرقية بما يعادل 6 أضعافها, ومجهزة بكل الوسائل الحديثة في القتال تدعمها روسيا واليهود.
وبينما إمكانيات الباكستانيين في الشرق ضعيفة, واندلع القتال على كافة الجبهات الشرقية والغربية وكشمير, وتقدمت الهند في بنجلاديش، وبرغم المقاومة الباسلة التي أبداها الباكستانيون في الشرق إلا أنهم اضطروا للاستسلام، أما في الغرب فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين وأعلن مجلس الأمة وقف القتال, إلا أن الهندوس والروس قد عارضوا حتى توقف القتال في نهاية 1391هـ، ولا يمكن وصف المجازر والمذابح التي أقيمت للمسلمين في بنجلاديش بعد إعلان الاستسلام, فقد تفنن الهنود في أساليب القتل والتعذيب للمسلمين, وكأنهم في مسابقة للإبداع في الإبادة.
سلم يحيى خان البلاد إلى ذي الفقار علي بوتو وغادر البلاد بعد أن خربها إلى إيران, حيث إنه -كما ذكرنا- شيعي, وأعلنت بنجلاديش استقلالها عن باكستان وقيام الجمهورية وأخرج مجيب الرحمن من السجن وعين حاكمًا لبنجلاديش, واعتبر أن الفترة السابقة كانت احتلالاً باكستانيًّا لبنجلاديش, فنكل بباكستان، واعتبر الجيش الباكستاني الموجود في بنجلاديش من الأسرى فأخذ يقتل فيهم، وفي عام 1395هـ و قام انقلاب ضده وتولى مشتاق أحمد ولكن ما لبث أن كثرت الانقلابات فتولى خالد مشرف الرئاسة ثم عبد الستار محمد صايم ثم ضياء الرحمن عام 1397هـ، واغتيل في انقلاب عسكري عام 1401هـ، وتسلم مكانه عبد الستار محمد صايم, ثم ما لبث أن حدث انقلاب عسكري أبيض عليه عام 1402هـ وتسلم الحكم حسين محمد إرشاد, ويتنازع على رئاسة الوزراء كل من خالدة ضياء والشيخة حسينة.
اتفاقية سيملا
عقدت القمة بين رئيس باكستان ذي الفقار على بوتو, ورئيسة الوزراء أنديرا غاندي التي تتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية عما حدث لباكستان, واتفقوا في مدينة سيملا علي: استقلال بنجلاديش واستعادة باكستان (باكستان الغربية) لكافة ما فقدته أثناء الحرب ويقدر بـ 8620 كم2 باستثناء ما فقدته في كشمير، والتي تقدر بـ 400 كم2, وأن تسترد الهند ما فقدته في الحرب ويقدر بـ 600 كم2.
أما في باكستان فقد عم العنف السياسي, وطالبت المعارضة بإبعاد ذي الفقار علي بوتو عن الحكم حتى قام انقلاب عسكري ضده عام 1397هـ, قاده قائد الجيش محمد ضياء الحق وتسلم منصب رئاسة الدولة عام 1398هـ وفي نفس الوقت رئاسة الوزراء, وقرب إليه الجماعة الإسلامية حيث كان خاله أمير الجماعة الإسلامية, فأعطى بعض الوزارات إليهم, ولكنهم برغم ذلك عارضوه لتطبيقه لنظام الحكم العسكري, وأُعدم ذو الفقار علي بوتو بتهمة قتل أحد معارضيه عام 1399هـ, وحرص على العلاقات الطيبة مع أمريكا, وساعد المجاهدين الأفغان في حربهم مع الروس, وفتح بلاده للاجئين الأفغان, وأمدهم بالسلاح وكانت أمريكا الممول الأول للسلاح, ليس لحبها للمسلمين ولكن لمنافستها لحلف وارسو, والحرب الباردة بينهما, وأواخر أيامه دعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وقتل عام 1409هـ بانفجار قنبلة, ولم يعلم حتى الآن من الذي وضع القنبلة, وتولى بعده غلام إسحاق خان وشكلت الوزارة.
وضع المسلمين في الهند
يعيش الآن في الهند ما يزيد على 90 مليون مسلم, يذوقون ألوان البأس والاضطهاد من الهندوس, من هدم للمساجد, وهتك للأعراض, وإزهاق للأرواح, وإبادة. وقد يتساءل البعض:/ لماذا لم ينتشر الإسلام في الهند مثلما انتشر في شمال إفريقيا وبلاد الفرس والروم وغيرها، برغم أن المسلمين قد فتحوا الهند وحكموها عدة قرون؟
يرجع ذلك لعدة أسباب من أهمها: أن معظم المسلمين الذين حكموا الهند كانوا حديثي العهد بالإسلام، وكان أكثرهم لا يطبق الشريعة الإسلامية في البلاد, ولم يكن لديهم التربية الإسلامية الكافية للدعوة إلى الإسلام، وإنما كان همهم الأكبر السيطرة والتحكم في البلاد, إضافةً إلى الجهل باللغة العربية التي هي لغة القرآن؛ مما أدى إلى جهلهم بالكثير من أمور الدين.
كما سعى بعض الحكام المسلمين إلى كسب ودِّ أهل البلاد بإعطائهم مطلق الحرية في دينهم وإقامة طقوسهم وعاداتهم التي يحرمها الإسلام، مثل حرق الزوجة بعد موت زوجها, والسماح بالزواج من المشركات, بل والسماح بزواج المسلمات من المشركين، وتحريم ما أحل الله, مثل تحريم ذبح الأبقار التي يقدسونها, ومن جانب آخر سعى بعض الحكام إلى إيجاد ما يطلق عليه العقيدة المشتركة بين الإسلام وغيره من الأديان في الهند، وكانوا يظنون أن ذلك سيثبت سلطانهم في البلاد ويرضي جميع الأطراف، ومن هنا ظهرت الكثير من الأديان بهذا الشكل مثل السيخ وغيرهم.
عمل الاستعمار الإنجليزي على اضطهاد المسلمين, والتعاون مع الهندوس ضدهم, وعمل على تضليل المسلمين بإنشاء المزيد من الفرق الضالة مثل القاديانية, والأحمدية, ودعمها باستمرار لإثارة الفتن, والتضليل بين المسلمين وحتى الآن يدعم الإنجليز هذه الفرق الضالة في العالم، وتبلغ نسبة المسلمين في الهند 14%, وهي الديانة الثانية بعد الهندوكية, وتبلغ نسبة المسلمين في سريلانكا 8% وفي نيبال حوالي 4% وفي بوتان 5%، أما في باكستان وبنجلاديش والمالديف فأغلبية كاسحة للمسلمين, أما في كشمير فنتيجة لسياسة الهند الاضطهادية فيها قد وصلت نسبتهم إلى 65%, بعد أن كانت أكبر من ذلك بكثير, وتواجه بنجلاديش أخطار الفقر والجفاف والإرساليات التنصيرية إلى بلادها, وخاصة بعد انفصالها عن باكستان.
وتعهدت الهند بإجراء استفتاء في الولاية بمجرد إعادة الاستقرار بها وسحب قواتها منها، ولكن اتضح أن هذه الدعوة ما هي إلا وسيلة تساعد الهند في احتلال كشمير, فأرسلت جيوشًا إلى كشمير لتساعد جيوش حاكمها السابق, وأعلنت أنها ستساعد من يرغب في الهجرة إلى باكستان، وأعلنت عن مكان يتجمع فيه راغبو الهجرة, وما إن احتشد الكثير من المسلمين في هذا المكان حتى أطلقت عليهم النيران وقتل ما يزيد على نصف مليون مسلم، واستطاع عدد مماثل لهم أن يفر إلى باكستان وأخذ الجنود الهنود يقبضون على كثير من النساء المسلمات لهتك أعراضهن, ويقطعون أثداء النساء أمام أهلهن، وقتل مئات الألوف من المسلمين, واندلع القتال بين الهندوس والمجاهدين المسلمين في كشمير في الحرب الهندية الباكستانية الأولى عام 1367هـ، وقد تمكن المجاهدون من تحرير جزء كبير من كشمير, وأخذوا يوقفون تقدم الهندوس في كشمير, وأرسلت باكستان قواتها إلى كشمير عام 1367هـ، وهكذا اندلعت الحرب بشكل كبير بين الهندوس وبين الجيش الكشميري المدافع عن كشمير الحرة, ويساعده المجاهدون والجيش الباكستاني, ولم تستطع الهند التقدم في كشمير الحرة، فقد وقف لها المجاهدون بالمرصاد برغم تفوق الهندوس في العدد والعتاد, إلا أن الروح الإيمانية للمسلمين قد أوقفت توغل الهند في كشمير، وبعد أن طال سكوت الأمم المتحدة على الحرب في كشمير, ظنًّا بأن الهند ستحسم المشكلة وتحتل كشمير, وكل ذلك بإيعاز من الدول الصليبية التي تسيطر على الأمم المتحدة وتحكم من خلالها العالم.
اضطرت الأمم المتحدة إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار في كشمير عام 1368هـ وقررت خروج القوات العسكرية من كشمير وإجراء استفتاء فيها لتقرير المصير, فأبدت الهند موافقتها على قرار الأمم المتحدة، بينما في الحقيقة ظلت قواتها مرابضة في الجزء الذي دخلته في كشمير ثم أعلنتها صراحة في عام 1377هـ بأنها ترفض استقلال كشمير عن الهند, وأخذ الهنود في اضطهاد السكان المسلمين وأخذوا يجلبون الهنادك ليسكنوا أجزاء كشمير التي وقعت تحت سيطرتهم ليقللوا الأغلبية الكاسحة للمسلمين فيها.
وحاول الهندوس بشتى الوسائل تغيير هوية المسلمين وغزوهم فكريًّا, بل وأرسلوا رجال مخابراتهم إلى إسبانيا وروسيا، ليعطوهم خبرتهم في التنكيل بالمسلمين سواء الأندلسيين أو التتار.
أ
خذ المسلمون يقاومون كل المحاولات الهندية لفصل المسلمين عن دينهم وثقافتهم، وانتشرت حركات الجهاد وظهرت جبهة تحرير جامو وكشمير, وغيرها, واتحد المجاهدون تحت اسم الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير واتحدت المنظمات السياسية تحت اسم حركة تحرير كشمير. وقد نشأت أيضًا في باكستان الكثير من المنظمات الإسلامية أبرزها الجماعة الإسلامية, والتي طالبت بتطبيق الشريعة ومؤسسها هو أبو الأعلى المودودي، وكان أول رئيس لباكستان (بنجلاديش وباكستان المتحدتين) هو محمد علي جناح والذي قامت في عهده أول حرب بين باكستان والهند، وما لبث أن توفي وتسلم مكانه الخوجا نظام الدين عام 1367هـ، ثم غلام محمد عام 1371هـ ثم إسكندر مرزا عام 1374هـ الذي ألغى نظام الدومينون في باكستان, ثم أيوب خان عام 1378هـ الذي جعل حكم البلاد عسكريًّا وغيَّر العاصمة من كراتشي إلى روالبندي (إسلام أباد)؛ كي تكون قريبة من كشمير ولكنه حل الجماعة الإسلامية واعتقل أعضاءها وصادر أموالها.
الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1385هـ
اندلعت الحرب بين الهند وباكستان للمرة الثانية بسبب كشمير, وامتدت جبهات القتال إلى باكستان الغربية بينما لم تدخل الهندباكستان الشرقية لتهديد الصين بدخول الحرب إذا فعلت ذلك، حيث كانت على خلاف حدودي مع الهند, وحدثت بينهما حرب عام 1362هـ انتصرت فيها الصين؛ ولذلك كانت الصين تدعم باكستان واستطاع الباكستانيون أن يبدوا مقاومة فائقة وبطولات رائعة في القتال, حتى إذا تحولوا للانتصار، وكادت الهند أن تهزم أسرع مجلس الأمن وأعلن وقف إطلاق النار, وعقد مؤتمر طشقند في جمهورية أوزبكستان التابعة للاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت, وقد نص الاتفاق على إعادة الحال كما هو عليه قبل الحرب, وتبادل الأسرى وحل مشكلة كشمير بالطرق السلمية، ففقدت باكستان وكشمير جهودهما وانتصاراتهما.
أخذت الهند ونصارى العالم يعملون على تفتيت الوحدة بين شطري باكستان, حتى يتفرق المسلمون وتضعف شوكتهم، وبرز مجيب الرحمن زعيم حزب عصمة عوامي في باكستان الشرقية (بنجلاديش) والذي يطالب بالاستقلال الذاتي لها, وبرز أيضًا ذو الفقار علي بوتو زعيم الشعب, والذي يتمثل نشاطه في باكستان الغربية, وقامت المظاهرات في باكستان الشرقية، فاضطر أيوب خان أن يعتزل الحكم عام 1389هـ وجاء من بعده يحيى خان, والذي كان شيعيًّا فأدت سياسته إلى زيادة الفوضى والاضطرابات في البلاد, وفي نفس الوقت عملت الهند على دعم المعارضة في باكستان الشرقية, والتي يتزعمها مجيب الرحمن, ودعت الهندوس في باكستان الشرقية إلى دعمه وتأييده، ودعمته أمريكا, وفي نفس الوقت دعمت المعارضة في باكستان الغربية بقيادة ذي الفقار علي بوتو, ودعمه الشيعة والقاديانيون، وبذلك فالخطة الدولية قامت على دعم الانفصال في باكستان بشطريها, وقائدا المعارضة رجلان انتهازيان تطغى مصلحتهما الشخصية على المصلحة العامة.
وتفجرت الأوضاع في باكستان الشرقية في عام 1391هـ نتيجة تأجيل اجتماع المجلس النيابي, وعمت الفوضى، وانتشرت الجرائم فيها, فاعتقل مجيب الرحمن, وحدثت فيضانات كبيرة في بنجلاديش أدت إلى لجوء ما يقرب من 9 ملايين شخص أكثرهم من الهندوس إلى الهند, وأخذت الهند تستعد للضربة المرتقبة لباكستان, وأخذ الانفصاليون يطلبون العون من دول العالم وعلى رأسها اليهود, التي أعلن وزير خارجيتهم أنهم يؤيدون كفاح بنجلاديش ضد باكستان.
الحرب الهندية الباكستانية الثالثة 1391هـ
أعدت الهند عدتها لفصل شطري باكستان عن بعضهما, وعقدت حلفًا عسكريًّا مع روسيا عام 1391هـ لردع أي محاولة تهديد تأتي من الصين، ثم أعلنت الهند أن الثوار البنجلاديش والذين تكونوا من اللاجئين قد شنوا هجومًا على بنجلاديش, وهذه كلها أكاذيب حقيقتها أن الهند هي التي تهاجم بنجلاديش، وخاصة أنها تحيط بنجلاديش من كل جانب عدا الجنوب حيث خليج البنغال، وفي نفس الوقت كان معظم التركز العسكري في باكستان الغربية وكشمير الحرة؛ لأنها جبهات القتال الأساسية, ولم يحدث من قبل تكوين جبهة قتال في باكستان الشرقية، فالقوة الباكستانية في بنجلاديش كانت أقل، وفي نفس الوقت كانت القوات الهندية تفوق القوات الباكستانية في الجبهة الشرقية بما يعادل 6 أضعافها, ومجهزة بكل الوسائل الحديثة في القتال تدعمها روسيا واليهود.
وبينما إمكانيات الباكستانيين في الشرق ضعيفة, واندلع القتال على كافة الجبهات الشرقية والغربية وكشمير, وتقدمت الهند في بنجلاديش، وبرغم المقاومة الباسلة التي أبداها الباكستانيون في الشرق إلا أنهم اضطروا للاستسلام، أما في الغرب فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين وأعلن مجلس الأمة وقف القتال, إلا أن الهندوس والروس قد عارضوا حتى توقف القتال في نهاية 1391هـ، ولا يمكن وصف المجازر والمذابح التي أقيمت للمسلمين في بنجلاديش بعد إعلان الاستسلام, فقد تفنن الهنود في أساليب القتل والتعذيب للمسلمين, وكأنهم في مسابقة للإبداع في الإبادة.
سلم يحيى خان البلاد إلى ذي الفقار علي بوتو وغادر البلاد بعد أن خربها إلى إيران, حيث إنه -كما ذكرنا- شيعي, وأعلنت بنجلاديش استقلالها عن باكستان وقيام الجمهورية وأخرج مجيب الرحمن من السجن وعين حاكمًا لبنجلاديش, واعتبر أن الفترة السابقة كانت احتلالاً باكستانيًّا لبنجلاديش, فنكل بباكستان، واعتبر الجيش الباكستاني الموجود في بنجلاديش من الأسرى فأخذ يقتل فيهم، وفي عام 1395هـ و قام انقلاب ضده وتولى مشتاق أحمد ولكن ما لبث أن كثرت الانقلابات فتولى خالد مشرف الرئاسة ثم عبد الستار محمد صايم ثم ضياء الرحمن عام 1397هـ، واغتيل في انقلاب عسكري عام 1401هـ، وتسلم مكانه عبد الستار محمد صايم, ثم ما لبث أن حدث انقلاب عسكري أبيض عليه عام 1402هـ وتسلم الحكم حسين محمد إرشاد, ويتنازع على رئاسة الوزراء كل من خالدة ضياء والشيخة حسينة.
اتفاقية سيملا
عقدت القمة بين رئيس باكستان ذي الفقار على بوتو, ورئيسة الوزراء أنديرا غاندي التي تتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية عما حدث لباكستان, واتفقوا في مدينة سيملا علي: استقلال بنجلاديش واستعادة باكستان (باكستان الغربية) لكافة ما فقدته أثناء الحرب ويقدر بـ 8620 كم2 باستثناء ما فقدته في كشمير، والتي تقدر بـ 400 كم2, وأن تسترد الهند ما فقدته في الحرب ويقدر بـ 600 كم2.
أما في باكستان فقد عم العنف السياسي, وطالبت المعارضة بإبعاد ذي الفقار علي بوتو عن الحكم حتى قام انقلاب عسكري ضده عام 1397هـ, قاده قائد الجيش محمد ضياء الحق وتسلم منصب رئاسة الدولة عام 1398هـ وفي نفس الوقت رئاسة الوزراء, وقرب إليه الجماعة الإسلامية حيث كان خاله أمير الجماعة الإسلامية, فأعطى بعض الوزارات إليهم, ولكنهم برغم ذلك عارضوه لتطبيقه لنظام الحكم العسكري, وأُعدم ذو الفقار علي بوتو بتهمة قتل أحد معارضيه عام 1399هـ, وحرص على العلاقات الطيبة مع أمريكا, وساعد المجاهدين الأفغان في حربهم مع الروس, وفتح بلاده للاجئين الأفغان, وأمدهم بالسلاح وكانت أمريكا الممول الأول للسلاح, ليس لحبها للمسلمين ولكن لمنافستها لحلف وارسو, والحرب الباردة بينهما, وأواخر أيامه دعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وقتل عام 1409هـ بانفجار قنبلة, ولم يعلم حتى الآن من الذي وضع القنبلة, وتولى بعده غلام إسحاق خان وشكلت الوزارة.
وضع المسلمين في الهند
يعيش الآن في الهند ما يزيد على 90 مليون مسلم, يذوقون ألوان البأس والاضطهاد من الهندوس, من هدم للمساجد, وهتك للأعراض, وإزهاق للأرواح, وإبادة. وقد يتساءل البعض:/ لماذا لم ينتشر الإسلام في الهند مثلما انتشر في شمال إفريقيا وبلاد الفرس والروم وغيرها، برغم أن المسلمين قد فتحوا الهند وحكموها عدة قرون؟
يرجع ذلك لعدة أسباب من أهمها: أن معظم المسلمين الذين حكموا الهند كانوا حديثي العهد بالإسلام، وكان أكثرهم لا يطبق الشريعة الإسلامية في البلاد, ولم يكن لديهم التربية الإسلامية الكافية للدعوة إلى الإسلام، وإنما كان همهم الأكبر السيطرة والتحكم في البلاد, إضافةً إلى الجهل باللغة العربية التي هي لغة القرآن؛ مما أدى إلى جهلهم بالكثير من أمور الدين.
كما سعى بعض الحكام المسلمين إلى كسب ودِّ أهل البلاد بإعطائهم مطلق الحرية في دينهم وإقامة طقوسهم وعاداتهم التي يحرمها الإسلام، مثل حرق الزوجة بعد موت زوجها, والسماح بالزواج من المشركات, بل والسماح بزواج المسلمات من المشركين، وتحريم ما أحل الله, مثل تحريم ذبح الأبقار التي يقدسونها, ومن جانب آخر سعى بعض الحكام إلى إيجاد ما يطلق عليه العقيدة المشتركة بين الإسلام وغيره من الأديان في الهند، وكانوا يظنون أن ذلك سيثبت سلطانهم في البلاد ويرضي جميع الأطراف، ومن هنا ظهرت الكثير من الأديان بهذا الشكل مثل السيخ وغيرهم.
عمل الاستعمار الإنجليزي على اضطهاد المسلمين, والتعاون مع الهندوس ضدهم, وعمل على تضليل المسلمين بإنشاء المزيد من الفرق الضالة مثل القاديانية, والأحمدية, ودعمها باستمرار لإثارة الفتن, والتضليل بين المسلمين وحتى الآن يدعم الإنجليز هذه الفرق الضالة في العالم، وتبلغ نسبة المسلمين في الهند 14%, وهي الديانة الثانية بعد الهندوكية, وتبلغ نسبة المسلمين في سريلانكا 8% وفي نيبال حوالي 4% وفي بوتان 5%، أما في باكستان وبنجلاديش والمالديف فأغلبية كاسحة للمسلمين, أما في كشمير فنتيجة لسياسة الهند الاضطهادية فيها قد وصلت نسبتهم إلى 65%, بعد أن كانت أكبر من ذلك بكثير, وتواجه بنجلاديش أخطار الفقر والجفاف والإرساليات التنصيرية إلى بلادها, وخاصة بعد انفصالها عن باكستان.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:30 pm عدل 1 مرات
رد: تاريخ المغول المسلمين
موضوع ممتاز وختيار موفق وشكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
أبو عدى- المساهمات : 90
تاريخ التسجيل : 23/08/2011
العمر : 34
رد: تاريخ المغول المسلمين
أول مرة أعرف هالمعلومات عن المغول.جزيت خيراً.
أبو زيد الدبيسي- المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 12/11/2011
رد: تاريخ المغول المسلمين
أبو عدى كتب:موضوع ممتاز وختيار موفق وشكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
مرورك على موضوعي شرف لي
فلا حرمت شرف هالتواجد
تحياتي لسموك...
رد: تاريخ المغول المسلمين
أبو زيد الدبيسي كتب:أول مرة أعرف هالمعلومات عن المغول.جزيت خيراً.
آسعدني حظورك وآطلالتكـ
آتمنى آن تعم الفائدهـ دوماً بما
يطرح هنا..
تحياتي لك...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 25 يونيو 2012, 11:25 pm من طرف Admin
» العنا والعشق والقلب الجريح
الخميس 31 مايو 2012, 2:31 am من طرف Admin
» تحية طيبة عطرة زكية
الأربعاء 23 مايو 2012, 10:01 pm من طرف الدبــ سليمان ــيسي
» الشاعر مبارك بن مسند الدبيسي وقصيدة عسى عدوي
الثلاثاء 01 مايو 2012, 6:36 pm من طرف أبو عدى
» الا يالله غفرانكـ وبدل سيتي بحسنات
الأحد 29 أبريل 2012, 12:55 am من طرف Admin
» اكبر مصيبة ليا ربي بلاكـ @ بالمشاكل و احرمكـ طول الصبر
الأحد 29 أبريل 2012, 12:45 am من طرف Admin
» اليا رضينا الصعب يصبح سهالات@ واليا زعلنا السهل يصبح قضيه
الأحد 29 أبريل 2012, 12:37 am من طرف Admin
» نسيت أنساك لاتنسا وتنسا من نسا ينساكـ @@ وتنسا انسان نسيانه نسا ينساكـ يا ناسي
الأحد 29 أبريل 2012, 12:19 am من طرف Admin
» مسكنكـ بالجمرات حوض الشياطين @تاقف مكان ابليس والناس ترجمكـ
الأحد 29 أبريل 2012, 12:13 am من طرف Admin